فجر تصويت مجلس الشيوخ الأمريكى بأغلبية ساحقة على مشروع قرار يفرض عقوبات جديدة على إيران، الجدل والنقاش داخل طهران مجددا حول جدوى الاتفاق النووى، وانتهاكه من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب، خاصة وأن القرار يتضمن 4 حزم من العقوبات غير النووية بحسب تعبير وزير خارجية الولايات المتحدة، الأولى مرتبطة بالأنشطة الصاروخية الباليستية، والثانية انتهاك حقوق الإنسان، والثالثة تدخلات النظام الإيرانى فى شئون الدول الإقليمية، والرابعة دعم الإرهاب، وعليه فانه خلال 90 يوما سوف تفرض الإدارة الأمريكية عقوبات على أفراد وكيانات تعمل على تطوير البرنامج الصاروخى لإيران.
ينظر إلى العقوبات الجديدة داخل إيران بأنها أول عقوبات تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على طهران بعد انتخاب روحانى بولاية ثانية بحصوله على ٢٣.٥ مليون صوت من أصل ٤١.٢ مليون، كما أنها تأتى متزامنة مع سجال ارتفعت حدته الـ 48 ساعة الماضية بين الولى الفقيه خامنئى والرئيس امتد إلى مواقع التواصل الإجتماعى، حول الأوضاع الاقتصادية فى البلاد، وتباطؤ حكومته فى تنفيذ برنامجها لتحقيق انتعاش اقتصادى.
ولم يفوت المرشد الفرصة فى التعليق على العقوبات الجديدة، حيث نشر مقطع فيديو عبر قناته الرسمية على تطبيق تلجرام، كشف فيه عن فحوى رسالة وزير الخارجية محمد جواد ظريف إلى الأوروبيين، قيل إنها الرسالة الأخيرة التى بعث بها لممثلة الشئون الخارجية بالاتحاد الأوروبى فدريكا موجرينى، ويظهر المقطع خامنئى يقول خلال إحدى لقاءاته "إن ظريف أصبح يقول إن أمريكا باتت تنتهك روح وجسد الاتفاق النووى فى رسالته الأخيرة للأوروبيين، وهذا لأنه إنسان مؤمن وصاحب ضمير. ويشعر بالمسئولية، الكلام لم يصدر من المعارضين للاتفاق، إنما من وزير الخارجية!، لو لم نثق فى الأعداء لما حدث ذلك"، وهى حديث اعتاد المتشددون على تكراره على مدار العامين الماضيين بعد توقيع الاتفاقية النووية فى 2015، وكان ينفيها ظريف، إلا أن الفارق هذه المرة أن التصريحات صادرة عن هرم السلطة، ما لا يضع مجالا أمام ظريف للتعليق.
وهون روحانى من العقوبات الجديدة، وجاء رده صادما للتيار المحافظ المتشدد الذى يراهن على أن الممارسات الأمريكية ستثنيه عن الاعتدال ومشروعه الإصلاحى وتغيير سياسته الخارجية، حيث أكد على المضى قدما فى نهج الإعتدال، فلا يوجد أمامه سوى هذا الطريق بلهجة حادة لن نصل إلى شىء، وقال خلال مأدبة افطار رمضانية اقيمت مساء الخميس بحضور مندوبى وسائل الاعلام، "لماذا لا يصلح بعضنا من لهجته، ولماذا لا نعرف بأى لهجة نتحدث مع الحكومة أو مع دول المنطقة والعالم الخارجى، بلهجة حادة لن نصل إلى نتيجة، والله لا يوجد طريق سوى الاعتدال.. يجب أن تكون اللهجة في الاجواء الجديدة ودية وأخوية".
من جانبه اعتبر رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الاسلامي علاء الدين بروجردي أن مشروع القرار الأمريكي هو نقض واضح وصريح للاتفاق النووي وهو بدون شك يخالف نص وروح هذا الاتفاق، قائلا "أن لجنة مراقبة تنفيذ الاتفاق النووي ستتخذ الاجراءات اللازمة في مواجهة مشروع الحظر الجديد"، وشدد على أن بلاده ستتخذ القرار المناسب فى مواجهة الخرق الأمريكى، بما يخدم مصالح الشعب الايرانى".
العقوبات التى صوت عليها مجلس الشيوخ هى تلك التى تم إرجاء التصويت عليها يوليو الماضى، لحين الانتهاء من الانتخابات الرئاسية، لكن فى الوقت نفسه سوف تمثل ضغوطا كبيرة ستضاف إلى التحديات التى يواجهها الرئيس المعتدل فى بداية ولايته الثانية، حيث استغلتها الجبهة المتشددة للتنديد بسياسة الانفتاح والتعامل البناء مع العالم الذى يتبناه روحانى لتحقيق مكاسب حزبية فى حكومته الجديدة.
وبحسب مصادر يعتزم الرئيس الإيرانى تغيير حوالي ثلثى التشكيلة الوزارية في فترة ولايته الثانية عقب تنصيبه الرسمى المقرر اغسطس المقبل، ويطمع التيار المتشدد فى احقائب وزارية فى حكومته، لذا يمارس معارضى حكومة روحانى الفترة الأخيرة ضغوط عليه حتى لا يضم إلى حكومته الجديدة شباب ونساء وكوادر تيار الإصلاحات، وكانت إحدى حيلهم الأخيرة هى بتزوير النواب المتشددين توقيعات على خطاب تم توجيه لروحانى الخميس الماضى، لاستجواب روحانى فى البرلمان، بشأن آداء حكومته وموقف البنك المركزى من برامج المراقبة على المؤسسات المالية والائتمانية التى أفلس بعضها.
وتزامن مشروع القرار الأمريكى مع اعلان وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون، نية بلاده لتغيير النظام فى إيران، عبر دعم قوى داخلية من أجل إيجاد تغيير سلمى للسلطة في هذا البلد، بالإضافة إلى نشر الولايات المتحدة، وثائق عن دورها فى انقلاب ضد رئيس الوزراء الإيرانى محمد مصدق واسقاط حكومته فى عام 1953 بسبب سياساته المناهضة للاستعمار وتأميمه للنفط آنذاك، والتى لم تكن مفاجأة كبيرة للإيرانيين، حيث اعترف الرئيس الأسبق بل كلينتون بهذا الدور، لكن يتوقع صانع القرار فى الداخل انتهاج ترامب نفس سياسات تلك الحقبة مع طهران، فى المقابل لا يرى نفسه مكبل الأيد حيث يمتلك قى يده من أدوات الضغط وأذرع فى المنطقة تمكنه من الرد على ترامب.
ورسميا، نصح وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الولايات المتحدة بالقلق على نظامها السياسي، بدل التفكير في تغيير الحكم في إيران، التي شهدت مؤخراً انتخابات سجلت نسبة المشاركين فيها 75%. قائلا"على المسئولين الامريكيين قراءة التاريخ والتعلم منه قبل العودة الى السياسة غير القانونية والواهية في تغيير الحكم".وأوضح الوزير الايراني أنه بعد عدة عقود من متابعة سياسة تغيير الحكم الفاشلة وفرض العقوبات، أُجبرت الحكومة الأميركية على الاعتذار من ايران على انقلاب 1953 وقبلت ان المفاوضات هي الحل الوحيد.
فى النهاية فرض عقوبات جديدة على إيران فى هذا الفترة، قد يقيد مشروعه الإصلاحى الذى انتخب من أجله فى الداخل، للحد من ضغوط المتشددين، ويرفع من نبرة المتشددين فى انتقادهم لسلوك روحانى فى السياسة الخارجية، وبالتبعية سيزيد من الضغوط على الاصلاحيين خلال السنوات المقبلة، ويوما تلو الأخر تزداد التحديات الداخلية والخارجية أمام هذا المعسكر.