فى شهر فبراير من العام الماضى أعلنت وزارة الصحة بدء علاج مرضى الهيموفيليا - وهو مرض وراثى يعنى نقص عامل تخثر "تجلط" الدم - على نفقة الدولة بفاكتور 7، وتعديل البروتوكولات العلاجية، بهدف زيادة القيمة المالية لقرارات العلاج على نفقة الدولة، والتى تبلغ قيمتها 2500 جنيه ويتم صرفها كل 6 أشهر، للمريض الواحد .
وعلى الرغم من مرور 16 شهرًا على القرار السابق إلا أنه لم يدخل حيز التنفيذ حتى هذه اللحظة، مما أدى إلى تدهور الحالة الصحية للعديد من مرضى الهيموفيليا، بسبب ضعف القيمة المالية لقرار العلاج، نتيجة عدم قدرة المرضى الحصول على الجرعات المناسبة للعلاج، أو شراء أدوية بعينها ومنها الفاكتور بعد وصول سعره إلى 2250 جنيها للحقنة الواحدة.
ويتم إدراج المرضى تحت مظلة العلاج على نفقة الدولة بعد تحقق ثلاثة شروط، وهى أن يكون المواطن مصرى الجنسية، ولا يتمتع بمظلة تأمينية "ليس لديه تأمين صحي"، وأن يكون غير قادر على تكاليف العلاج، ولديه أصل تقرير لجنة ثلاثية معتمد ومختوم من أحد مستشفيات تقديم الخدمة وتقرير طبى وأبحاث وتقارير حديثة عن حالته.
الخوف والقلق من مواجهة نفس المصير الذى وصل إليه أشقاؤه الخمسة الذين تعرضوا للوفاة تاركين أطفالهم الصغار بدون عائل، نتيجة إصابتهم بالهيموفيليا، هو الشعور المسيطر على "محمد. ع" الأب لأسرة مكونة من 3 أولاد فى المراحل التعليمية المختلفة، المصاب بنفس المرض بعد تدهور حالته الصحية مؤخرًا نتيجة عدم تمكنه من الحصول على الدواء المناسب لحالته وهو الفاكتور الذى يعانى نقصًا حادًا فى الجهة المحول إليها لتلقى العلاج، واضطراره لتلقى البلازما بدلاً منه غير الفعالة له.
بدأ الرجل الأربعينى العمر "محمد.ع" - الذى كان ينتمى إلى فئة العمالة غير المنتظمة قبل أن يفقد قدرته تمامًا على مغادرة المنزل - رحلة المرض منذ اللحظات الأولى له عقب أسبوع واحد من ولادته بعد تعرضه لكدمة بسيطة تركت آثارها على جسده الصغير وقتها من ورم واضح صاحبه صراخ لا ينقطع فشلت كل المحاولات فى إيقافه، لتكشف الفحوصات الطبية بعد ذلك إصابته بالهيموفيليا التى ورثها عن والدته، لتبدأ معها معاناته مع توفير الدواء من خلال إدراجه ضمن فئة العلاج على نفقة الدولة بسبب عدم وجود عمل منتظم لديه، يكفل له تأمين صحى، وذلك استيفاء العديد من الإجراءات المعقدة التى كان تتطلب حضوره من المنوفية، حيث يقيم إلى القاهرة عدة مرات أسبوعيا، وعلى الرغم من المشقة التى تكبدها إلا إن القرار السابق لم يوفر له سوى الحد الأدنى من العلاج، سواء من حيث عدد الجرعات التى يتم صرفها مرة واحدة كل 6 أشهر، أو اضطراره لقبول علاج بديل لا يتناسب مع حالته بسبب نقص الفاكتور.
وأضاف محمد: "العلاج أبو بلاش مابيشفيش، ولا بيسكن ألم ولا وجع، تخيل لما تروح تصرف علاج تضطر تاخد علاج بديل وتقبل بيه علشان اللى كاتبه الدكتور مش موجود.. والمشكلة فى العلاج البديل إننا بنحصل على جرعات غير كافية"، مؤكدًا: "بعد إجراءات طويلة وحصولى على قرار بالعلاج على نفقة الدولة بصرف جرعات فاكتور 1000 اكتشفت أن الجهة التى تم تحويلى إليها لا يتوافر بها الفاكتور، ولذلك اضطررت بالحصول على البلازما".
عدم وجود الفاكتور تسبب فى تدهور حالته الصحية ونتج عنها عدم قدرته على العمل لكسب بعض الجنيهات القليلة التى تكفى بالكاد لإطعام أولادة الصغار دون احتساب باقى المصروفات الأخرى من مأكل وملبس وغيرها، وهو ما يعبر عنه بقوله: "احنا ناس غلابة على قد حالنا هاجيب منين الفاكتور وسعر الحقنة الواحدة يعدى 2200 ودلوقتى أنا قاعد فى البيت مين هايقبل يشغل واحد زى حلاتي. نفس اخف علشان أستر عيالى بس ".
من المنوفية إلى القاهرة كانت الشكوى من نقص الأدوية وعدم تناسب جرعات كانت الشكوى حاضرة بقوة بين مرضى الهيموفيليا المدرجين فى قائمة العلاج على نفقة الدولة.
بصوت ضعيف حاول "م.ج" استغلال لحظات الإفاقة القليلة التى لا تتجاوز عدة دقائق قبل أن تداهمه نوبة النزيف التى تترك آثارها على كامل جسده الذى لا يملك حيلة لصد ذلك الهجوم فأصابه الوهن والعجز عن الحركة أو القيام بأى مجهود وهو فى الثلاثينات من عمره، فلم يستطع إكمال تعليمه رغم تفوقه الدراسى واكتفى بالحصول على الدبلوم، بجانب عدم تمكنه من الحصول على أى عمل نتيجة تدهور حالته الصحية، وذلك بعد تدهور حالته الصحية نتيجة عدم حصوله على الفاكتور، بسبب ارتفاع سعره، واضطراره للعلاج بالبلازما على نفقته الخاصة، قبل أن ينجح فى الحصول عليها على نفقة الدولة منذ ثلاثة سنوات فقط.
الصدفة وحدها كانت السبب فى اكتشاف إصابته بمرض الهيموفيليا، وذلك بعد إصابته بجرح صغير أثناء طفولته، ليفاجأ الأهل والطبيب بسيل من الدماء يندفع من مكان العملية،، ليكتشف الأطباء المعالجون مرضه بالهيموفيليا بعد إجراء الفحوصات الطبية اللازمة، وقال: "بعد اكتشف إصابتى بالهيموفيليا تم تحويلى للعلاج على نفقة التأمين والذى لم استمر فيه كثيرا/ بسبب المعاملة السيئة من قبل بعض الأطباء هناك وعدم توافر الأدوية وهو ما كان يضطرنى لشراء البلازما على نفقتى الخاصة"، مضيفا: "الدكاترة أصلا كانوا كاتبين لى على فاكتور بس هاجيبه إزاى والحقنة الواحدة بتعدى 2250 جنيه فكنت بجيب بلازما".
30 عامًا هى الفترة التى ظل يعالج بها على نفقته الخاصة والتى تسببت فى استزافه ماليًا، قبل أن يتم إدراجه تحت مظلة العلاج على نفقة الدولة، من خلال صدور قرار علاج له بملغ 2500 فقط يتم صدوره كل 6 أشهر رغم احتياجه لعلاج مكثف بمعدل ثلاث جرعات من الفاكتور أسبوعيًا، مضيفا: "كنت متخيل إن العلاج على نفقة الدولة هايخلينا نتعالج صح وأحصل على الفاكتور بس لقيت المبلغ مش مكفى 2500 كل 6 شهور، وكمان الجهة المحول إليها لا توفر سوى البلازما فقط".
ومن ناحيته، قال الدكتور عماد كاظم، رئيس المجالس الطبية المتخصصة بوزارة الصحة المعروفة باسم "العلاج على نفقة الدولة": "لا يمكن تغافل بعض الشكوى من منظومة العلاج على نفقة الدولة من قبل بعض المرضى، خاصة من مرضى الهيموفيليا بسبب عدم تناسب القيمة المالية للجوابات الصادرة لهم مع أسعار العلاج التى شهدت ارتفاعا كبيرًا خلال الفترة الماضية، خاصة مع تحرير سعر الصرف وانخفاض قيمة الجنية أمام الدولار، حيث إن أغلب هذه الأدوية يأتى عن طريق الاستيراد".
وأوضح كاظم فى تصريحات خاصة لـ"انفراد"، أنه جار فى الوقت العمل على تشكيل لجان مركزية لمراجعة الأكواد العلاجية لجميع الأمراض التى يغطيها العلاج على نفقة الدولة، تمهيداً لزيادة قيمها المالية لها لعمل نوع من التوازن بينها وبين أسعار الأدوية، مؤكدًا أنه من المتوقع أن تصل ميزانية العلاج على نفقة الدولة لــ4.2 مليار جنيه فى أول يوليو المقبل، لمواجهة التغيرات التى طرأت على أسعار الأدوية بعد قرار تعويم الجنيه أمام الدولار .