فى الوقت الذى تعانى فيه حركة النهضة الإسلامية – إخوان تونس – من تضييق داخلى فى ظل علاقاتها المعروفة بقطر وشبهات التعاون بينهما فى تمويل الإرهاب بالمنطقة، وخاصة داخل ليبيا، حاولت الحركة فى التغطية على هذا التورط بشن هجوم على قنوات إعلامية خليجية كشفت تلك العلاقات المشبوهة.
وفى محاولة منه لتصدير الأزمة الداخلية للخارج لجأ رئيس حركة النهضة راشد الغنوشى إلى شن هجوم على قناة سكاى نيوز لما كشفته من معلومات استخباراتية عن تورط حركة النهضة فى أعمال إرهابية، وأعلن اليوم الأربعاء، عبر صفحته الرسمية على موقع فيس بوك، أنه كلف مكتب محاماة فى لندن لرفع قضية ضد قناة "سكاى نيوز – عربية" على خلفية تقرير نشرته القناة كشفت من خلاله علاقة راشد الغنوشى وحركة النهضة بعملية اغتيال السياسى التونسى شكرى بلعيد.
ويأتى هذا التحرك لزعيم إخوان تونس متأخرا نسبيا، حيث التزم الصمت لأكثر من أسبوعين بعد نشر القناة الإماراتية للتقرير، واكتفى بتصريح مقتضب أكد فيه أن النهضة لم تدرج قطّ فى أى قائمة من قوائم الإرهاب، التى تم إطلاقها من قبل الإمارات ومصر والسعودية والبحرين، معتبرا أن الاتهامات التى وردت فى إحدى القنوات العربية – سكاى نيوز - للحركة بتورطها فى الإرهاب والاغتيالات فى تونس بعد الثورة يدخل فى باب التجاذبات السياسية والإعلامية، إلا ان مراقبون يعتبرون التحرك فى هذا التوقيت يأتى بعد أن بدأت الخناق تضيق على حركة النهضة داخل تونس وتوالى عدد من الأدلة حول تورطها فى تمويل ودعم الإرهاب الى جانب قطر، وتصاعد الأصوات حول ضرورة محاسبتها على فترة توليها الحكم منفردة عقب ثورة 2011 والإطاحة بنظام زين العابدين بن على.
وفى هذا الإطار، طالبت رئيسة الحزب الدستورى الحر التونسى، عبير موسى، الحكومة بفتح التحقيقات اللازمة بخصوص تصريحات بعض الشخصيات السياسية والتسريبات التى تطرقت لوجود علاقات بين أطراف سياسية داخلية – حركة النهضة والإخوان - وأخرى استخباراتية خارجية ودولية.
وأكدت عبير موسى، ضرورة التثبت بشأن التمويلات الأجنبية لبعض الأحزاب والجمعيات علاوة على تقصى مصادر الاستثراء الفاحش لعدد من السياسيين والولاءات لبلدان أخرى على غرار قطر وغيرها، متابعة: "مصير تونس بيد شعبها، وعلى الأحزاب السياسية أن تستمد الشرعية من التونسيين"، مؤكدة أن فتح هذه التحقيقات من شأنه طمأنة المواطن التونسى والمشهد السياسى فى إطار الحرب على الفساد.
ويأتى هذا فى الوقت الذى اعترف فيه النائب العام القطرى على بن فطيس المرى مساء أمس بأن قطر قدمت دعما ماليا لإخوان تونس عندما كانوا فى الحكم بعد الثورة فى 2011، فى وقت تتداول فيه معلومات حول أن تونس كانت مركزا لتحويل الأموال القطرية لليبيا لدعم الإرهابيين، وقال موقع الإخبارية التونسية إن قطر اعترفت بتقديمها دعما ماديا لتونس خلال فترة حكم الإخوان عقب ثورة الياسمين، حيث قال النائب العام القطرى أن القضية تعود إلى عام 2011، وأن المبالغ التى تم تحويلها كانت بعلم من الحكومة التونسية آنذاك وبطلب منها.
وحاول النائب العام القطرى تبرير ذلك بأن تلك الأموال كانت بهدف تمويل مخيم للاجئين على الحدود التونسية الليبية لإيواء النازحين من الأحداث القائمة فى ليبيا، وأن الدعم القطرى للحكومة التونسية آنذاك (حكومة الترويكا بقيادة حركة النهضة)، نظرا لـمواردها الشحيحة.
وكان تقرير سكاى نيوز قد كشف عن وثائق ومعلومات استخباراتية، لعام 2014، كشفت أن جهات تمولها قطر كانت تقف وراء اغتيال الزعيم النقابى التونسى شكرى بلعيد، واتجهت أصابع الاتهام إلى الدوحة، وذكرت مصادر أمنية واستخباراتية أن قرار اغتيال بلعيد تم اتخاذه بعد أن أعلن امتلاكه معلومات وحقائق خطيرة عن دخول أطراف مشبوهة للتراب التونسى والجزائرى عبر سيارات قطرية رباعية الدفع مجهزة بمعدات متطورة، من النوع الذى منحته الدوحة للحكومة التونسية.
وأوردت المصادر أن بلعيد كان يمتلك وثائق سرية وخطيرة تكشف ضلوع قطر فى حادثة عين أميناس الإرهابية بالجزائر، وقالت مصادر استخباراتية أن الإرهابى أبو أنس الليبي، اعترف بعد استجوابه من قبل الـ"اف بى أى " بأن الاغتيالات السياسية التى كانت تحدث فى تونس، وأهمها قضية اغتيال السياسى شكرى بلعيد، تورط فيها عبد الحكيم بلحاج الإخوانى الليبى الذى كان ينسق مباشرة مع راشد الغنوشى رئيس حركة النهضة التونسية، وهذا التنسيق كان بعلم القطريين.
وأدى هذا التقرير إلى إعادة فتح اغتيال شكرى بلعيد من جديد على الساحة التونسية، حيث قال شقيق الشهيد عبد المجيد بلعيد، لصحيفة الصباح التونسية "نحن ما زلنا نصرّ على اتهام حركة النهضة بانها كانت أداة لدى دولة قطر المورّطة فى اغتيال الشهيد، وقصة دخول سيارات رباعية الدفع إلى تونس كان الشهيد قد صرّح بها ساعات قبل اغتياله على قناة نسمة وهذه المعلومات كانت معلومات مؤكّدة بحوزة الشهيد.
وأكّد بلعيد فى تصريحه أن هيئة الدفاع عن الشهيد تحركت خلال اليومين الماضيين وهى بصدد عقد اجتماعات ومشاورات لبلورة موقف سيتضح فى قادم الأيام لإعادة فتح القضية فى ظل المعطيات الجديدة، وقال "أنا انتظر وأعوّل كثيرا على هيئة الدفاع ومن معاضدتها من طرف الأحزاب الحداثية والتقدمية فى كشف الحقيقة."
وفى ظل هذا الحراك الداخلى لكشف مخالفات الإخوان فى تونس وما يتردد عن علاقاتها بقطر التى تعانى مقاطعة من محيطها العربى والإقليمى بسبب دعمها للإرهاب، تحاول حركة النهضة أن تشغل الرأى العام بمعارك وهمية، فى محاولة للتغطية على الاتهامات التى تواجهها قد تؤثر على مستقبلها السياسى.