يقف الشيخ الجليل على المنبر يقول أبياتًا من الشعر فى حب رسول الله فيرتعد جسده، ولا يتمالك دموعه، يتذكر رؤياه، التى رآها فى المنام منذ سنوات عندما كان طالبا بكلية أصول الدين، ورأى فيها الرسول يطوف حول الكعبة، وهو يطوف ويمشى خلفه، ويعرف أنها كانت تبشره بأنه سيهب حياته وعلمه لدراسة الحديث وسيرة سيد الخلق وسنته الشريفة.
يتذكر أنه بعد هذه الرؤية بأسبوع استدعاه عميد الكلية ليبشره بأنه تم اختياره كطالب مثالى للسفر للحج.
يكتب الشعر حبا فى نبى الله ويبكى وهو يردد:
سلُوا النورَ المشعَّ العبقريَّا.. تَهادَى فى الدُّنا فجرًا نقيَّا
يطارح ليلَه المنغومَ لحنًا.. رقيقَ الخطو ميادًا حييَّا
ويهمس للدرارى فى سماها.. فترتقب المجرَّة والثريا
ويصحو البدر مرتعش الحنايا.. ينقِّل فى السما ضوءًا سَنِيَّا
نشأ ذاك الطفل المولود عام 1941، الذى ينتهى نسبه إلى الإمام الحسين فى الساحة الهاشمية الصوفية بقرية «أبوهاشم»، التى تحمل اسم عائلته، وهى قرية تابعة لبنى عامر بمركز الزقازيق، فى هذه الساحة، التى كانت تمتلئ بأهل العلم والصالحين، وتقام فيها حلقات العلم والقرآن والذكر تشبع الدكتور أحمد عمر هاشم، رئيس جامعة الأزهر الأسبق، وعضو هيئة كبار العلماء منذ طفولته بالمعانى والنور الصوفى وحب العلم وخدمة الدين.
غرس فيه والده ووالدته هذه القيم منذ نعومة أظفاره، فأتم حفظ القرآن فى سن العاشرة، وبدا نبوغه فى الخطابة يظهر مبكرا، فالتحق بالمعهد الأزهرى، وكان يحل محل والده وأعمامه فى إلقاء خطبة الجمعة فى سن مبكرة، فألقى أول خطبة جمعة فى حياته قبل أن يتجاوز عمره 11 عاما عندما طلب عمدة قرية مجاورة لقريته من عمه الشيخ محمد أبوهاشم أن يؤدى خطبة الجمعة الأولى من شهر رمضان فى مسجد قريتهم، فاعتذر عمه ورشح ابن أخيه الطفل ليلقى الخطبة بدلا عنه ولقى إعجاب المصلين، الذين طلبوه مرات عديدة بعدها. وكما ظهرت قدرته على الخطابة مبكرا ظهرت موهبته فى كتابة الشعر وهو فى المرحلة الابتدائية، فكان يكتب شعرا فى حب رسول الله، وفى المرحلة الثانوية ألف مسرحية شعرية بعنوان (أصحاب الجنة) مقتبسة ومستوحاة من سورة القلم، أذاعتها بعض الإذاعات العربية.
تخرج فى كلية أصول الدين عام 1961 وعين معيدا بالكلية وحصل على الماجيستير فى الحديث وعلومه ثم حصل على الدكتوراه فى نفس التخصص وعين عميدا لكلية أصول الدين وشغل منصب رئيس جامعة الأزهر عام 1995، وتم اختياره بالتعيين فى مجلس الشعب لأكثر من مرة وتولى رئاسة اللجنة الدينية مرات متعددة، كان خلالها ينادى بحقوق الدعاة وأهمية النظر إلى أحوالهم حتى تستقيم الدعوة ويستطيعون أداء المهام الموكلة إليهم فى التجديد الدينى، وطالب بإعداد كادر للدعاة يضمن لهم أجورا ورواتب وحياة كريمة، كما عقدت جامعة الأزهر فى عهده عددا من اتفاقيات التبادل العلمية الهامة مع دول العالم، وكان له العديد من المواقف التى دافع فيها عن الطلاب، ومنها أنه طالب بالإفراج عن الطلاب المعتقلين الذين تظاهروا ضد رواية « وليمة لأعشاب البحر»، لأنهم رأوا أنها تحوى مخالفات دينية وتطاولا على الذات الإلهية، فطالب أثناء رئاسته للجنة الدينية بمجلس الشعب بمصادرة الرواية والإفراج عن الطلاب.
ألف مايقرب من 95 كتابا ومنها موسوعة فى علم الحديث، تعد أول موسوعة لشرح الأحاديث الصحيحة وترتيبها ترتيبا موضوعيا وتبويبها تبويبا فقهيا،، والمراد منها وما يمكن استنباطه منها من أحكام والرد على الشبهات المثارة حول صحيح البخارى، وله عدد من دواوين الشعر ومؤلفاته ومنها ديوان نسمات إيمانية، كما حصل العديد من الأوسمة والجوائز ومنها جائزة الدولة التقديرية ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، ومنحه الرئيس السيسى جائزة النيل.
يرتبط شهر رمضان بالعديد من الذكريات، التى لا ينساها الشيخ الهاشمى، فيذكر عندما كان طفلا فى قريته، وكانت الساحة الهاشمية تستقبل الضيوف والغرباء وكان أطفال كل بيت يحملون الطعام إلى هذه المائدة ويتنافسون فى استقبال الضيوف وعابرى السبيل ودعوتهم للإفطار فى الساحة.
كما يذكر عندما كان طالبا بالفرقة الأولى بكلية أصول الدين وكان يجوب المحافظات فى ندوات مع أستاذه الدكتور محمد فتح الله بدران، أستاذ الدراسات العليا بكلية أصول الدين، وكان يلقى فيها الخطب والشعر، حتى أن أستاذه رشحه للمشاركة فى ندوة عن الشهر الكريم ينقلها التليفزيون المصرى بعدما ذاع صيته فى إلقاء الشعر فألقى قصيدة عن شهر رمضان تقول أبياتها:
يا صائم الشهر الحبيب نعمت وارتاحت رؤاك
أخراك قد عمرتها واليوم قد عمرت دناك
يارب عبدًا تائبا يرجوك يستهدى هداك
سلك الطريق وحسبه من هذه الدنيا رضاك
لا يزال د أحمد عمر هاشم يحرص على زيارة الساحة الهاشمية بقريته خلال شهر رمضان، يلقى الندوات والخطب والشعر، ويلتقى بأقاربه وأهل قريته الذين يلتفون حوله ويزدحمون لسماعه، يفضل الإفطار فى المنزل، حيث يجتمع أبناؤه وأحفاده يوميا للإفطار معه، فرئيس جامعة الأزهر السابق حرص على أن يقيم أبناؤه الثلاثة «بنتين وولد» معه فى نفس العقار بعد زواجهم، ويجمع أحفاده الثمانية ليقرأوا القرآن ويحدثهم عن فضائل شهر رمضان وأحكام الصيام. يشارك فى بعض الندوات واللقاءات، ويؤم المصلين فى صلاة القيام بمسجد الرحمن الرحيم، ويصلى صلاة التهجد بالمنزل.