فى عناد لا ينقطع ، تواصل إيطاليا تمسكها بقرار عدم عودة سفيرها لدى القاهرة جيامبولو كانتينى منذ اندلاع أزمة مقتل الشاب الإيطالى جوليو رجينى، وذلك رغم اعتراف دوائر إيطاليا الشعبية وشبه الرسمية على حد سواء بالتعاون الذى تبديه مصر، وتأكيدهم لما يلمسونه من حرص القاهرة على استمرار العلاقات التى تجمع البلدين بعد الحادث المؤسف الذى لا يزال قيد تحقيق مشترك بين سلطات وجهات تحقيق الجانبين.
ومنذ استدعاء السفير فى إبريل 2016، وما تلا ذلك من تغييرات إقليمية ودولية تدفع روما بطبيعة الحال إلى مزيد من التنسيق على الدول التى تشاركها البحر الأبيض المتوسط، يؤكد مراقبون حاجة الحكومة الإيطالية الماسة لقنوات اتصال مفتوحة على كافة المستويات مع القاهرة فى العديد من القضايا والملفات وفى مقدمتها الأزمة الدائرة فى ليبيا والتى تشكل تهديداً حيوياً على أمن الحدود الإيطالية.
وبخلاف التنسيق الاستخباراتى والأمنى الذى تفرضه الطبيعة الجغرافية لمصر وإيطاليا، يرتبط البلدين بعلاقات مصالح مشتركة يستوجب معها وجود تمثيل دبلوماسى كامل، حيث يعتبر وجود سفير إيطالى فى مصر ضرورة ملحة ومهم فى الوقت الحالى.
ومنذ زيارة بابا الفاتيكان البابا فرانسيس الأخيرة للقاهرة ، وحتى الأيام القليلة الماضية، تزايدت الأصوات المطالبة بعودة السفير الإيطالى لدى القاهرة من داخل روما، حيث دعا الدبلوماسى الإيطالى أنطونيو زاناردى لاندى مستشار دبلوماسى سابق للرئيس الإيطالى، ورئيس منظمة "أنترسوس"، رئيس الوزراء الإيطالى باولو جينتيلونى، إلى إعادة السفير الإيطالى لدى القاهرة جيامبولو كانتينى فى أسرع وقت ممكن، نظرا لخلو المنصب منذ أكثر من عام منذ مقتل الطالب ريجينى فى مصر، مضيفا: "ليس من المنطقى أن يجرى البلدان حوارا عبر وسائل الإعلام، مشيرا إلى أن مصر تعد لاعبا رئيسيا فى عمليات إعمار دول منطقة المتوسط".
وقال زاناردى لاندى "إننا نحتاج إلى مصر مثلما تحتاج مصر لنا"، وتابع: "جميع الذين يؤججون القضية، يرون الموضوع بالكثير من التعاطف، ولكن حينما ينظر إلى الأمر بواقعية فإن عودة السفير الإيطالى فى القاهرة تشجع البحث عن الحقيقة، كما أنه يسمح بإدارة مجموعة من الملفات المعقدة (الهجرة، ليبيا، الإرهاب) فى ذروة علاقات دبلوماسية طبيعية وسيساعد على انتعاش التبادلات التجارية والاقتصادية، مضيفا "أما بالنسبة لوضع ليبيا فإن إيطاليا تحتاج دائما إلى مصر، وإعادة السفير الإيطالى لمصر سيسهل أمور كثيرة على الطرفين وينهى أى أزمات أو خلافات موجودة."
من جانبه، قال رئيس لجنة الدفاع بمجلس الشيوخ الإيطالى نيكولا لاتورى، إن "هناك ضرورة لإعادة السفير الإيطالى إلى مصر فى الوقت الحالى، واعتقد أنه سيكون من المناسب تعزيز الوجود الدبلوماسى ليس فقط من خلال إرسال سفير روما للقاهرة نظرا لحساسية وأهمية القضايا التى ينبغى معالجتها".
وأكد لاتورى فى حوار مع صحيفة "لاستامبا" الإيطالية حول قضية مقتل الشاب الإيطالى جوليو ريجينى، أن "حل القضية أمر بالغ الأهمية، ولكن الحقيقة ليس لها علاقة بإعادة السفير إلى مصر".
وشدد لاتورى أن استمرار الفشل الدبلوماسى بين مصر وإيطاليا سيكون له عواقب سلبية ومخاطر ستأخذنا إلى طريق مسدود حتى فى قضية ريجينى. وشدد على أن إيطاليا ومصر تربطهما شراكة تجارية وسياسية قوية ومتماسكة ولا ينبغى أن تنهار لمجرد ملف أو قضية معينة.
وخلال الفترة الماضية ، شهدت إيطاليا تراجعاً حاداً فى عدة مجالات ضمنها الاقتصاد، فعلى الرغم من أنها تعتبر واحدة من أكبر 10 اقتصاديات فى العالم من حيث حجم الناتج المحلى الإجمالى، إلا أن دينها العام ارتفع إلى 2.217.909 مليون يورو، مع ديون 132.6 من الناتج المحلى الإجمالى. وفى مايو تراجع النمو 1.4% .
وتراجع مؤشر التنمية البشرية، كما تعتبر ايطاليا من أكبر البلدان الأوروبية التى تعانى من البطالة وصل حجم البطالة فى أبريل 2017 إلى 11.1%، وبالنسبة للشباب الأقل من 25 عاما وصلت نسبة البطالة إلى 34.0%، وبلغ عدد العاطلين عن العمل فى إيطاليا أكثر من 3.103.000، كما أنها تأتى فى المرتبة 60 فى ترتيب إدراك الفساد من 176 دولة.
ومثلما تبدى مصر تفهماً للمواقف الإيطالية ، وفى الوقت الذى تؤكد فيه القاهرة على النوايا الطيبة فى تحقيقات مقتل الشاب الإيطالى ، تظل روما فى حاجة ماسة إلى القاهرة، حيث يجمع البلدين تبادل تجارى بلغ حجمه فى عام 2016 ما يعادل 4.6 مليار يورو.