ما إن اقتربت الذكرى الأولى لتحرك الجيش التركي لإقصاء الرئيس رجب طيب أردغان، إلا وبدا النظام الحاكم فى أنقرة، مترنحا فاقدا قدرته على الاتزان بعد أن كان يملئ سمع الناس وبصرهم، وفجأة وجد نفسه أمام تظاهرات حاشدة لم تخرج إلا للتنديد بالقمع وتكميم الأفواه، على وقع الاستياء الشعبى من حالة الطوارئ التى فرضها أردوغان بعد محاولة الاطاحة به في 17 يوليو من العام الماضى.
من جانبها كشفت صحيفة زمان التركية عن مسيرة نظمتها المعارضة التركية تحت شعار "مسيرة العدل" وانطلقت من أنقرة في اتجاهها إلى إسطنبول بقيادة رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كيليتشدار أوغلو، ووصلت أعداد المشاركين فيها إلى عشرات الآلاف من الغاضبين من ظلم الحزب الحاكم، ودخلت يومها الـ18 احتجاجًا على غياب العدل في ظل حالة الطوارئ المستمرة فى البلاد منذ سنة، والتنديد باعتقال الصحفيين.
بحسب الصحيفة فقد نددت المسيرة بقرار اعتقال الصحفى، أنيس بربر أوغلو، المتهم بـ"كشف أسرار الدولة"، من خلال تزويد الإعلام بصور وفيديوهات تكشف حمل شاحنات المخابرات السلاح إلى التنظيمات الإرهابية في سوريا.
وقال مدير مركز آنار ANRA للدراسات والأبحاث التركية إن غير المشاركين فى مسيرة العدل التى انطلقت من أنقرة فى اتجاه إسطنبول ينظرون للمسيرة بإيجابية، موضحًا أن كيليتشدار أوغلو زعيم المعارضة التركية، استعاد روح المعارضة التى صوتت بـ"لا" فى الاستفتاء الدستورى وبلغت نسبتها 48.5%.
ووفقا للصحيفة فقد اقتربت مسيرة العدل من الوصول إلى وجهتها الأخيرة فى إسطنبول، حيث انطلقت بهدف التنديد بقرار اعتقال الصحفى أنيس بربر أوغلو.
أما إعلام النظام التركى فقد روج إلى أن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وممثلو حزب العدالة والتنمية لن يسمحوا للمسيرة بالاكتمال إلى منطقة مالتبه فى إسطنبول، بعد أن اتهموا المشاركين فيها بدعم الإرهاب منذ البداية.
وأوضح مدير مركز "آنار" للدراسات إبراهيم أوصلو، الذى تولى إجراءات عمليات استطلاعات الرأى لحزب العدالة والتنمية على مدار 15 عاما، أنهم يتابعون مسيرة العدل عن قرب.
وأوضح أوصلو أن المشاركين فى المسيرة ليسوا أصحاب آراء وتوجهات سياسية واحدة، لافتا إلى أن المسيرة تعتبر مكسبًا سياسيًا لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا أيضًاح لأنها بذلك تظهر أن المعارضة تتمتع بحقوقها السياسية والديمقراطية فى أمان وسلام.
وكشفت المعارضة التركية أن إردوغان أصيبب بالجنون فى اليوم الذى خرجت فيه المسيرة احتجاجا على غياب العدل في ظل حكم حالة الطوارئ المعلنة بذريعة حركة الجيش الفاشلة، كما سبق أن هدد أردوغان كيليتشدار أوغلو بالاعتقال مثل نواب حزب الشعوب الديمقراطي الكردي بتهمة الإرهاب وتقسيم البلاد.
التظاهرات تتعرض لهجوم من أنصار السمع والطاعة
وأفادت تقارير إخبارية أن المشاركين في المسيرة تعرضوا لهجوم بالحجارة فى أثناء مرورهم من قلب مدينة سكاريا القريبة من إسطنبول ما أدى إلى إصابة عدد من المشاركين، وهو ما يعكس تخوّف النظام من الغضب الشعبى المكتوم.
وقال أحد المشاركين فى المسيرة، سامي جان، أن مجهولين قذفوا الحجارة على المسيرة بشكل مكثف، مرددين هتافات "الإرهابيون يسيرون"، وأضاف "لكنهم أثبتوا من هم الإرهابيين".
وقالت صحف المعارضة التركية أنه منذ انطلاق المسيرة بدعم من الأحزاب والاتجاهات المختلفة احتجاجًا على غياب العدل في ظل حالة الطوارئ ازدادت الأعمال الاستفزازية والتحريضية تجاه المشاركين فيها، إذ ألقت مؤخرًا شاحنة تابعة لإحدى بلديات الحزب الحاكم روث الحيوانات والأسمدة في المنطقة التي عسكر فيها المشاركون في المسيرة، كما قطعت بلدية أخرى تابعة للحزب الحاكم أيضًا الماء عنهم.
ومنذ خروج المسيرة حشد أردوغان مرتزقة إعلامه لتشويهها، وزعم أرصوي دادا، الكاتب الموالي للحكومة التركية، المعروف بتحريضاته واستفزازاته المثيرة، أن "مسيرة العدل للمعارضة لن تستطيع استكمال مشوارها إلى مدينة إسطنبول"، وذلك من خلال مقال حمل عنوان "مسيرة العدل ليست تحت سيطرة كيليتشدار أوغلو"، ونشرته مجلة أكتوال التركية.
وأكد الكاتب أن السلطات الأمنية لن تسمح لزعيم المعارضة ومؤيديه أن يستكملوا مشوارهم ومسيرتهم إلى إسطنبول، قائلا "فماذا ستفعلون عندما تفرض القوات الأمنية سياجًا أمنيًّا في مداخل إسطنبول وتمنعهم من إكمال مسيرتهم، فهل ستشتبكون مع قوات الأمن عندما تقطع الطريق أمامكم؟! السلطات لن تسمح بتكرار حادثة جازي باركى".
وزعم الكاتب أن التنظيمات الإرهابية هي التي تسيطر على مسيرة العدل وتوجهها وفق أهدافها، وهدد قائلاً: "المشهد الذي سيظهر كلما اقترب المشاركون في هذه المسيرة من إسطنبول لن يرغب أحد فى حدوثه بمن فيهم زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو".