استيقظت بين ليلة وضحاها لتجد نفسها بمفردها دون زوج يشاركها الحياة، نظرت كثيرًا لوسادتها والمكان الفارغ بجانبها، ولم تجد إلا السراب، وفجأة انتابتها آلام مبرحة فأسرعت إلى الطبيب لتفحص نفسها بعد أن تأكدت من إصابتها بفيروس سى، ولكنها اكتشفت أن ألمها لم ينتج عن المرض إنما عن الفراق والصدمة الذى خلفه لها تخلى شريك حياتها عند معرفته بحقيقة مرضها.
لم تبك كثيرًا وظلت متماسكة ليعيد التاريخ نفسه بعد 15 عامًا ويأتى لها ما هو أعنف من الفيروس، أنه السرطان الذى هاجمها لشهور دون أن تعلم ولكن المشهد اختلف هذه المرة، فقد وجدت ابنتها بجانبها خطوة بخطوة تبدل ألمها بالطمأنينة حتى تمكنت من القضاء على السرطان ولكن ظل فيروس سى لم يفارقها منذ خذلها زوجها.
لم تكن شفيقة محمد أمين هى الحالة الوحيدة التى عانت من المرض وتمكنت من القضاء عليه بقوة الحب والدعم، هذه المشاعر القوية التى تتحدى كل شىء أمامها ولا تشترط أن تنبع من شريك حياة بل من ابن أو صديق أو أب أو أم، الحب الذى يهزم أمامه أى أزمة صحية وتبنى قوة الجسم مرة أخرى، والذى جعل شفيقة تتحدى المرض بوجود ابنتها إيمان بجانبها وابنها أحمد يستيقظ من الخامسة صباحًا ليسافر معها من بلدتها بالمنوفية إلى القاهرة حيث تتابع حالتها الصحية.
تقول شفيقة، التى تبلغ من العمر أكثر من 60 عامًا، إنها أنهت كورس العلاج الكيماوى والاشعاعى وحاليًا فى مرحلة المتابعة كل 3 أشهر فقط للاطمئنان والتأكد من عدم عودة المرض لجسدها مرة أخرى، مضيفة أنها عند تلاقيها للعلاج الكيماوى أثر ذلك على العظام وبالتالى لا تتمكن من الحركة كثيرًا فساعدتها ابنتها على دخول الحمام وتغيير ملابسها.
ووصفت أول مرة اكتشف ابناؤها الخبر وبكوا عليها خوفًا على صحتها بأنها من أكثر اللحظات المميزة فى حياتها، وأن ابنتها إيمان منذ هذه اللحظة، وهى ترافقها فى رحلتها مع المرض وتحضر لها البسكويت والشاى بالحليب لتتناوله عند الجلسات الكيماوى، مؤكدة "مبتخلنيش أشيل منديل وتبكى عليا لما أقول آه".
هبة: بدأت رحلة علاجى مع بنتى وانهيتها بدعم أصدقائى
"أيه.. سرطان.. متزعليش يا ماما ضيف تقيل وهنطرده".. هكذا بدأت هبة إسماعيل ذات الأربعين عامًا قصتها عن أول كلمات تلقتها من ابنتها عند صدمتها باكتشافها المرض الخبيث منذ عام ونصف، مؤكدة أن ذلك حدث بمحض الصدفة فقد كانت تتابع حالتها المرضية لأنها تعانى من التهاب الغدد اللبنية وإذ بها تعلم عن إعلانات الكشف المبكر لسرطان الثدى، فذهبت لتعلم ما هو سبب الألم الذى تعانى منه فى الثدى ولم يكن هناك أى تكتلات فى الثدى عند ذلك الوقت.
وأضافت هبة أنها فى نفس اليوم علمت عن إصابتها بالمرض الخبيث وفى الدرجة الثالثة وظلت لأكثر من شهر فى تجهيزات العملية لاستئصال الورم، وبعدها تقدمت لخطوة أخرى تتمثل فى العلاج الكيماوى بعد 20 يومًا من الجراحة.
استمرت 4 أشهر فى العلاج الكيماوى ثم شهر فى العلاج الإشعاعى، وحاليًا فى مرحلة المتابعة كل ثلاثة أشهر على حالتها وتنتظر أن يمر 5 سنوات كاملة دون عودة المرض مرة أخرى ليتم الشفاء بشكل كامل والاطمئنان على حالتها بشكل كبير.
ولكن كيف انتقلت من مرحلة لأخرى؟ أنها رحلة طويلة من الكفاح مع المرض والألم لم تمر بها بسهولة، حيث تقول هبة "أول خطوة كانت معى ابنتى روان فى كل شىء وكانت تترك المدرسة ودروسها الخصوصية من أجلى وتساعدنى فى المنزل، وعند اكتشافى للمرض مع خروجى من غرفة الماموجرام، كنت مصدومة جدًا ولكنها امتصت الشعور الذى مررت به".
وعن أصعب اللحظات فكانت فى اليوم الذى ذهبت فيه لإجراء العملية الجراحية، وتعبر عن مشاعرها فى ذلك الوقت، حيث أخذت تنتقل بين مخاوفها ولكن ابنتها طمئنتها وقالت لها "عارفة أنه صعب لكن سنكون دائمًا مع بعض".
وخطوة بخطوة، انتهى الصعب ليبدأ شوط جديد من حياتها، حيث جاءت لها فكرة تخصيص فريق لدعم المرضى من التجربة الشخصية التى مرت بها عندما تعرفت على مريضتين فى نفس الظروف، وأصبحوا يأخذون كورس العلاج الكيماوى مع بعضهن، وشكلوا الدعم لبعضهن من خلال معرفة نقاط الضعف لكل واحدة منهن ومحاولة دعمها، فكانت يغمى عليها فى آخر ربع ساعة من الجلسة ويأتين لمساعدتها.
ومن هنا بدأت فكرة الدعم النفسى حيث كانت البداية من تعلم المشغولات المصنوعة من الغرز، لشغل الوقت والقيام بأمور جديدة وجيدة، وكان أول هذه المشغولات التى صنعتها بنفسها هو "شعار السرطان" المتمثل فى علامته الوردية اللون.
ولم يقتصر دور فريق الدعم النفسى على ممارسة أشياء جديدة، ولكن تعليم المريضات التعامل مع مخاوفهن من المرض وإحباطهن حول تمكنه منهن، حيث تقول هبة إن أصعب الحالات التى واجهتها فى عملها بفريق الدعم، كانت لسيدة اكتشفت المرض وكانت منهارة تمامًا ولكن تحدث معها أعضاء الفريق لإقناعها أن المرض أضعف منها لذلك لا يجب أن تجعله ينتصر كما أن هذه الطريقة فى التعامل معه سيجعله مثل دور الإنفلونزا ويتم القضاء عليه.
وأكدت هبة: "بعد المرض كل حياتى اتغيرت لأمور أفضل وعلمت أننا من الممكن أن نسبب للسرطان سرطان يقضى عليه"، ووجهت رسالة للمريضات، "أن المرض مهما كان صعبًا إلا أنه بالإيمان والحب يمكن أن نقضى عليه، وبوجود الناس بجانبنا سنتمكن من المرور بأى شىء والمرض يجعلنا نكتشف الكثير من الأمور بداخلنا، ونتمكن من هزيمة المرض وليس هو من يهزمنا".
وأضافت: "أقول للجميع أن السرطان مرض غير معدٍ والوقفة بجانب المريض ستفرق كثيرًا فى نفسيته وجارتى كانت تقف بجانبي دائمًا وتحضر لى الطعام قبل الجلسات فكانت ترسم الفرحة على وجهى وتساعد فى علاجى، وأؤمن أن الشفاء يرجع لنسبة تصل إلى 90% جانب نفسي من خلال تجربتى أنا ومن حولى".
واختتمت حديثها بتذكر وقت جلسات الكيماوى وذكرياته قائلة: "كنت أخرج شبه ميتة وتساعدنى صديقاتى المريضات وبعدها لا أحد كان يصدق أنى أخذ جلسات الكيماوى حتى أن من حولى كان يقول لنا أنتوا متأكدين أنكم مخلصين جلسات كيماوى منذ قليل، كان ذلك بسبب أنهم لا يرونى وأنا متعبة من الجلسة بل يروا ضحكاتنا أنا وأصدقائى بعد الجلسات وخروجنا لتناول الغذاء بالخارج للترويح عن أنفسنا ونسيان ما كنا نعانيه عند تلقى الكيماوى".
الحاجة فواكه إبراهيم.. 60 سنة من القوة
قوة الحب هى ما تعيش من خلال الحاجة فواكه التى تعدت سنها الستين وهى مريضة سكر ولديها أورام فى العظام والكبد والثدى، وما زالت تستطيع الابتسامة بدعم ابنتها، حيث تقول: "لدى 4 أبناء ولكن ابنتى الكبرى هى الأقرب لقلبي، التى تساعدنى وعلى الرغم من أن منزلها بعيد إلا أنها تأتى معى من الساعة السابعة لجلسات الكيماوى وتتنقل بين منزلها ومنزلى بشكل دائم، وتجلس معى لبعد العشاء أحيانًا تاركة أبناءها فى الامتحانات من أجل مساندتى".
وأضافت فواكه "بنتى تشجعنى وعندما أقل لها على أى ألم أو مشكلة تواجهنى تقل لى "معلش" وعندما أكون وحدى أفكر فى الأمراض التى أخاف أن تطول معى، فأنا لا أخاف من الموت أو المرض ولكن أدعو الله ألا يثقل على عبء المرض فى آخر أيامى، لذلك عندما تكون بجانبي تشغلنى عن أى أفكار وتبذل كل مجهودها لراحتى وهى سر تمسكى بالحياة ولولاها لكنت فى عداد الموتى".
الحاجة زينب عبد الصبور اسم على مسمى
الصبر مفتاح الفرج والحب باب الأمل، هذا هو الحال الذى نقلته لنا الحاجة زينب عبد الصبور إبراهيم، المريضة بسرطان الثدى، هذه السيدة التى تبلغ من العمر 63 عامًا، وتعانى لسنوات من المرض إلا أنها مازالت تحارب وانتصرت كثيرا على المرض من خلال مساعدة ابنها كريم الصغير الذى يساعدها ويملأ عليها حياتها، ويقدم لها الدعم على الرغم من إنجابها ستة أبناء، إلا أنه من بجانبها دائما ويفكر فى الزواج لتكون بجانبها فتاة تراعيها قائلة " ابنى يأتى لى ليلا ليوقظنى من النوم من أجل الاطمئنان علي وإطعامى، وسقطت منها دموعها وهى ترفع يدها بالدعاء أن يكرمه الله بما يبذله فى سبيل رعايتها وفرحتها وراحتها، مؤكدة أن وجود إبنها إلى جوارها فى محنتها يسكن الألم ويمنحها القوة.
كيف يؤثر الدعم النفسى فى علاج السرطان؟
فى هذا الصدد، يحدثنا الدكتور جمال فرويز، استشارى طب النفسي بالأكاديمية، عن أهمية الدعم النفسى للمرضى، مؤكدًا أن هناك حالات لا تتماثل للشفاء بدون دعم جيد مثل مرضى الالتهاب المتناثر بالمخ وحالات الأورام والأمراض العضوية الاخرى، لأن هناك علاقة ارتباطية بين ارتفاع السروتينين داخل الجسم وبالتالى يزيد الاندروفين ويقاوم المرض.
وأضاف فرويز، أن هذا الدعم يتم تقديمه من خلال الجلسات النفسية مع الطبيب، والأهم دور الأسرة عندما يكون لديها أمل فى علاج المريض بدل من الرفض والإحباط، والدعم يكون من خلال فكرة أن الشفاء قادم لا محالة من خلال برنامج نفسي يلتزم به أهل المريض معه.
ومن جانبها، قالت الدكتورة شيرين دحروج، أخصائى التأهيل النفسى بمستشفى العباسية للأمراض النفسية والعقلية، إن هناك العديد من الأمراض مثل مرض التصلب المتعدد والسرطان وغيره يجب فيه الدعم النفسي، وأن يكون المريض له هدف فى الحياة، ويقتنع أنه ليس مريض بل يستطيع أن ينجز، مؤكدة أن جهاز المناعة يتأثر بمقدار الطاقة الإيجابية التى يتم شحن النفسية بها، وبالتالى يصبح أفضل وأكثر مقاومة للمرض.
ولفتت دحروج إلى الدعم النفسي الصحيح، من خلال الكلمات التحفيزية مثل اعمل واتحرك ولا تتوقف، وإذا كنت لا تتحرك، فعليك أن تكتب وتعبر، ويوجد جلسات نفسية عن كيفية التعامل مع المرض، والأهل ممكن يخطأوا فى رد فعلهم إما بالإهمال الزائد جدًا أو الحماية الزائدة، لأن ذلك له نتائج عكسية أنه مريض جدًا ولا يمكنه التماثل للشفاء، وعلى الصعيد الآخر تزيد ثقة المريض وتقل مضاعفات المرض عند الدعم.