"خسارة قريبة مع مكسب بعيد أم مكسب قريب مع خسارة دائمة".. بالتأكيد ستنحاز – وأنحاز معك- إلى الخيار الأول، وبالتأكيد ستعانى ونعانى معك، من تأثير هذه الخسارة القريبة، فى انتظار الثمار والمستقبل.
كان الطريق أمام الدولة المصرية، إما الإصلاح الاقتصادى، أو الوقوف "محلك سر" والاستسلام حتى تعلن الدولة إفلاسها، وقتها كنا سنلتهم بعضنا البعض من الجوع، ونقتات على الفتات، ونصل بالفعل إلى مصير يشابه مصائر الدول التى تموت.. الجوع كافر، ووقتها كان الجوع سيقود غرائزنا باتجاه الصراع والفرقة والقتل والنهب -فالناس نيام ما شبعوا فإذا جاعوا انتبهوا-.. الجوع كان وقتها سينقلنا إلى مصير يشابه مصائر دول سوريا واليمن وليبيا. فهل تحمل تبعات الإصلاح الاقتصادى أفضل أم دفن الرؤوس فى الرمال وتصدير المشكلات للأجيال القادمة .
بالتأكيد، نحن جميعا نتألم ونعانى – الفقير والغنى- من أثار برنامج الإصلاح الاقتصادى، الذى بدأ منذ بضعة أشهر برفع أسعار الكهرباء وتحرير سعر الصرف وخفض العجز فى الموازنة، وآخرها رفع سعر الوقود.. بالتأكيد نعانى، لكن يجب أن نسأل أنفسنا سؤالا مهما: هل هى معاناة أم فى لحظة المخاض، أم معاناة مريض فى لحظة الوفاة.
قبل أن تتهمنى بالانحياز لرأى يخالف قناعاتك، ألست تتفق معى أن السنوات التى قضتها مصر عقب ثورة 25 يناير، بما شهدته من صراعات وخلافات وأزمات، قضت على الأخضر واليابس والتهمت منذ يناير 2011 حتى يناير 2014 نحو 22.4 مليار دولار، وتبقى فقط 13.6 مليار دولار، ولو خصمنا ودائع الدول وقتها لصار الرصيد بالسالب.
لا أطلب منك أن تقارن معاناتك من تأثير رفع سعر البنزين، أو ارتفاع سعر الكهرباء، بمعاناة إخوانك فى اليمن من وباء الكوليرا الذى تجاوز العلم والطب تفشيه من زمن، بالتأكيد علمت بوفاة 1500 ضحية وإصابة ربع مليون شخص، واتساع الرقعة الجغرافية للوباء إلى 21 محافظة يمنية من أصل 22، إذ تقول منظمة الصحة العالمية إن انهيار الاقتصاد اليمنى نتيجة للوضع الأمنى والحرب وتدهور نظام العناية الصحية ضاعف من معاناة المواطنين.
لا أطلب منك أن تقارن معاناتك، - التى هى معاناة مؤقتة بحسب كل التقارير الدولية التى تؤكد أن الاقتصاد المصرى يتعافى، بسوريا التى تحتاج – حال انتهاء الصراع- إلى 300 مليار دولار تكلفة إعادة الإعمار بسبب الخسائر التى تكبدها الاقتصاد السورى بسبب الحرب.
ستقول لا يجب أن تقارن دولة بأخرى، ولا حالة بأخرى، سأجيبك بنعم، لكن قارن وجعك بوجع آخرين يشبهونك، أخذتهم لعنة السياسة فى طريق الموت والمجازر والدم.
الجميع يقولون، إن هذه الإجراءات الشجاعة التى تم اتخاذها خلال العام المالى 2016ـ2017، هى بداية الطريق إلى المستقبل الأفضل لنا، والجميع هنا ليس أنا أو أنت، وإنما كل المؤسسات الدولية والاقتصادية والخبراء والمسئولين والأبحاث والدراسات تقول إن مصر فى الطريق الصحيح.
نعم أنت تعانى، وأنا أعانى، والمصريون جميعا تتوزع عليهم أعباء هذه الإجراءات الاقتصادية، لكنها معاناة أم فى لحظة المخاض، فخلال عام أو عامين على الأكثر ستبدأ أثار الإصلاح الاقتصادى فى طرح ثمارها على الجميع، ووقتها سنكون جميعا على موعد