يمكنك خداع بعض الناس بعض الوقت، ولكن لا يمكنك خداع كل الناس كل الوقت، بهذه العبارة البليغة المنسوبة للسياسى الأمريكى إبراهام لنيكولن، أحد الأساطير السياسية فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، يمكن تلخيص الأزمة القطرية المشتعلة الآن، بين سياسات عدائية وداعمة للإرهاب من جانب الدوحة، وموقف عربى موحد ومتصاعد ومصمم على وضع نقطة فى آخر الجملة القطرية النشاز.
قبل 22 سنة انقلب حمد بن خليفة على والده، أمير قطر السابق خليفة بن حمد آل ثانى، منهيا 23 سنة من سيطرته على الحكم عقب إطاحته بابن عمه أحمد بن على فى انقلاب سابق، وبعد شهور من انقلابه سعى "حمد"، الذى سيطرت عليه زوجته "موزة آل مسند" منذ اللحظة الأولى، وعمدت لاستغلاله كمعبر لتحقيق أحلامها وطموحاتها فى أن تكون إمبراطورة، رغم محدودية قدراتها وضآلة بلدها، وبضغط هذا الطموح أطلقت قطر فضائية "الجزيرة" باتفاق مع الاستخبارات البريطانية وتليفزيون هيئة الإذاعة البريطانية، وبدأت توظيفها للتوسع فى المنطقة، توسع مالى واستخباراتى يستند للدسائس والمؤمرات، ولا يقوم على ثقل حقيقى أو دور فاعل ومؤثر فى ملفات المنطقة، ومع كل أزمة شهدتها المنطقة كانت "الجزيرة" حاضرة لتنفخ فى نارها وتزيدها اشتعالا.
فى أواخر التسعينيات استغلت أزمة العراق وحرضت ضد صدام حسين ونظامه، فى مطلع القرن الحادى والعشرين تبنت خطابا أمريكيا ومثلت التمهيد الإعلامى لغزو العراق، ومع اشتعال موجات ما عُرف بالربيع العربى، كانت الأداة الأبرز لشحن الجماهير وتهييج الشارع فى الدول العربية التى شهدت توترات، وصولا إلى احتضان جماعة الإخوان الإرهابية عقب الإطاحة بها من حكم مصر فى ثورة 30 يونيو، ودعم الميليشيات الإرهابية والمسلحين المتطرفين فى سوريا وليبيا والعراق واليمن، وإيواء عناصر من داعش وجبهة النصرة وحركة حماس على أراضيها، وطول السنوات الأخيرة كانت مصر فى المواجهة، الجانب الأكبر من نيران قطر و"الجزيرة" المشبوهة موجهة لصدر القاهرة، والمؤسسات السياسية والدبلوماسية المصرية تعمل بكل الطرق والأدوات المتاحة لفضح الدوحة وممارساتها، بينما كان الجيران فى الخليج يراهنون وقتها على ضآلة قطر ومحدوديتها، وأن وضعها لا يسمح لها إن كانت عاقلة بمناطحة الكبار أو تبنى هذه السياسات، وظل الأمر على هذه الحال حتى نجحت مصر فى فضح قطر ونقل الحقائق الموثقة والمدعومة بالأدلة للدول الشقيقة فى الخليج، فكان الموقف العربى الجاد والمهم مؤخرا.
قطر تخون آباءها قبل أشقائها.. و"قلة الأصل" تسيطر على العائلة الحاكمة
ممارسات قطر بحق الدول العربية، الجارة والبعيدة، ينم لا شك عن قلة أصل ورغبة عارمة فى أشاعة حالة من التوتر والانهيار، ويكشف عن عداء متأصل فى قلب مؤسسة الحكم القطرية، ولكن الحقيقة أنه يكشف قبل هذا عن مشكلة نفسية وإنسانية تسيطر على العائلة الحاكمة فى الدويلة الصغيرة، فقطر التى خانت العرب وشاركت فى إهدار دمائهم، خانت نفسها من قبل، و"قلة الأصل" التى بدت فى تعاملها مع أشقائها، سبقتها "قلة أصل" فى تعاملها مع آبائها.
فى هذا الإطار الملخص لطبيعة قطر كدولة مؤامرت وخيانة، كشفت مصادر مقربة من أسرة خليفة آل ثانى، عن مفاجأة مدوية تخص انقلاب الأمير السابق حمد بن خليفة على والده، أمير قطر الأسبق، قبل 22 سنة من الآن، إذ لم يتوقف الأمر عند الإطاحة به من الحكم، وإنما وصل إلى توجيه اتهام رسمى له والسعى للقبض عليه بمعاونة البوليس الدولى.
وقالت المصادر، إن حمد بن خليفة آل ثانى، بعدما انقلب على والده "خليفة" فى العام 1995 بإيعاز من زوجته موزة آل مسند، مستغلا سفره خارج البلاد لتنفيذ لعبة إعلامية لإزاحته من الحكم، عبر دعوة كبار الشخصيات والأمراء للقصر، وتصويرهم فى لقاء هادئ وحميمى مع "حمد"، ثم استغلال الشريط المصور وإذاعته دون صوت، مصحوبا بتعليق يؤكد مبايعة الأمراء وكبار رجال الدولة للأمير الشاب بدلا من أبيه، وبعدها منع "حمد" والده من العودة للبلاد، واضطره للبقاء فى منفيا خارج البلاد.
أمير قطر السابق يتهم والده بالخيانة ويطالب الإنتربول بالقبض عليه
المفاجأة المدوية، بحسب ما كشفته المصادر مدعوما بصورة من مذكرة توقيف رسمية صادرة عن قطر، وموضوع صحفى نشرته إحدى الصحف القطرية فى إطار حملة إعلامية واسعة شنّها "حمد" على والده، لتشويه سمعته وإلحاق العار باسمه، أن الأمير الصاعد للحكم فى 1995 منقلبا على أبيه، لم يأمن مكر الوالد صاحب الخبرة الواسعة فى الانقلابات، والعلاقات الوطيدة بفاعلين كبار داخل قطر وخارجها، خاصة مع قضائه أكثر من 23 سنة فى الحكم، لهذا بحث عن كل الوسائل المتاحة لإخراجه من المعادلة السياسية بشكل كامل، وجاء الحل على لسان موزة آل مسند، زوجة "حمد" التى خطبها له والده فى أواخر السبعينيات، فى إطار سعيه لتوطيد أركان حكمه وشراء ولاء "آل مسند" الذين كانوا مناوئين له، ودعم الفكرة حمد بن جاسم، رجل الأمير القطرى السابق القوى، والذى شغل منصب رئيس الوزراء ووزير الخارجية لسنوات طويلة، وكان مهندس إنشاء الجزيرة، وعقد صفقات قوية مع جهاز الاستخبارات البريطانية MI6 وهيئة الإذاعة البريطانية BBC، وأيضا مهندس العلاقات القطرية الإسرائيلية وصاحب مبادرة إنشاء مكتب تمثيل تجارى إسرائيلى فى الدوحة.
فكرة موزة و"بن جاسم" تقود حمد للتضحية بكرامة والده للحفاظ على السلطة
فكرة موزة وحمد بن جاسم، التى تلقفها الأمير السابق، محدود الخبرات والمعروف بتراجع قدراته السياسية وفشله الدراسى حينما كان يدرس فى إحدى الأكاديميات العسكرية فى أوروبا، تمثلت فى استعادة والده من منفاه الخارجى ووضعه قيد التحفظ، أو السجن بمعنى أدق، ولم يكن ممكنا تنفيذ هذا الأمر، خاصة أن الوالد كان فى حماية أحد أنظمة الحكم القوية بالمنطقة، إلا عبر المسارات القانونية الدولية، وتحديد جهاز البوليس الدولى "الإنتربول"، فكان الحل السحرى الذى لجأ له "حمد"، دون أن يشغل باله بأخلاقيته أو كونه عنوانا على الخسة وسوء الأدب، هو إصدار لائحة اتهام رسمية من خلال الأجهزة القانونية القطرية، وتعميمها بمذكرة توقيف مرفوعة للبوليس الدولى، للقبض على الأمير المخلوع واستعادته لمحاكمته داخل قطر.
بحسب لائحة الاتهام ومذكرة التوقيف الصادرة عن قطر، مرفوعة إلى "الإنتربول"، وجه حمد بن خليفة لوالده الأمير السابق أربعة تهم ضخمة وكفيلة بإيصاله إلى حبل المشنقة، وليس سجنه فقط، إذ اتهمه بسوء استعمال الوظيفة، وخيانة الأمانة، والاحتيال، والتزوير فى قانون العقوبات، ولكن لم يتمكن من استعادته بالطريقة المهينة التى كان يخطط لها، إذ وفرت له الدولة العربية التى أقام فيها بعد عودته من أوروبا، مظلة حماية وتأمين من غدر ابنه، خاصة مع ما كان معروفا عن "حمد" من تجاوز وتلاعب بالقانون واتجاه متصاعد للسيطرة على قطر بشكل كامل والتنكيل بكل معارضيه، وهو ما يبدو أنه أورثه لابنه الأمير الشاب تميم بن حمد.
مواطن قطرى: حمد بن خليفة أهان والده.. و"ابن الحرام" من الطبيعى أن يخون أشقاءه
بعيدا عن المفاجأة الموثقة فيما يخص تنكيل حمد بن خليفة بوالده، فإن الأمر نفسه ليس غريبا ولا معلنا للمرة الأولى، الوثيقة توفر دليلا دامغا على قطع شوط بعيد من النذالة و"قلة الأصل"، ولكن المتابعين لقطر وملفاتها السياسية يعرف أن حمد وزوجته ونظامه فعلوا ما هو أكثر، نكّلوا بالأمير الأسبق خليفة بن حمد وأهانوا اسمه، وفعلوا الأمر نفسه مع أسرة أحمد بن على آل ثانى، أول أمير حكم قطر بعد استقلالها، ومع كثير من العشائر المعارضة لثنائية حمد/ موزة، ثم تميم/ موزة، ووصل الأمر إلى إسقاط الجنسية عن أكثر من 5000 قطرى، وتمتد قائمة التجاوزات لتشمل التنكيل بالمعارضة ونفى كثيرين من أبناء العائلة الحاكمة ومن المواطنين العاديين، والضغط على مناوئى بيت الحكم بالمخصصات الرسمية التى تمنحها الدولة لهم، والاستقواء بالمجنسين والقوات الخارجية على الشعب القطرى.
أمام قائمة تجاوزات حمد بن خليفة وأسرته، وصولا إلى ابنه تميم، فى حق الدول العربية وفى حق قطر نفسها، تتصاعد موجات الغضب فى صدور القطريين، وتشتعل حالة من الرفض لبقاء أسرة "حمد بن خليفة" على عرش البلاد، بحسب مواطن قطرى - رفض التصريح بهويته - والذى أكد أن كل القطريين يعرفون ممارسات حمد وحجم سفالة نظامه وأجهزته الأمنية، ولكنهم لا يستطيعون التصريح بهذا خوفا على حياتهم، أو على ممتلكاتهم وأسرهم، مبديا تعجبه ممن تصدمه تفاصيل ما فعله "حمد" فى والده خليفة بن حمد، قائلا: "تعامل حمد بن خليفة مع والده بطريقة فظة، وكأنه ليس والده، وكنا نتنتدر بعد الإطاحة بالأمير السابق ونصف حمد بأنه (ابن حرام)، وبعدها لم نعد نستغرب موقفا أو فعلا منه، وأرى من الطبيعى أن يخون ابن الحرام أشقاءه، الأمر ليس غريبا، ولكن الأغرب طول صبر السعودية والإمارات ومصر عليه وعلى ابنه".