تخوفا من توابع أحداث الأربعاء الدامى فى طهران، حيث تمكنت عناصر إيرانية تابعة لتنظيم داعش من تنفيذ عمليات إرهابية فى مقر البرلمان وفى ضريح، مؤسس الجمهورية روح الله الخمينى، وسط وجنوبى العاصمة، قررت قيادات الحرس الثورى تغيير القيادات الأمنية المسؤولة عن العاصمة، وهو تغيير يعنى فى المحصلة أن الحرس الثورى ألقى فلذة كبده للحفاظ على أمن طهران، نظرا إلى اسم القائد الجديد وتاريخه فى المؤسسة الأمنية.
قرار تأخر شهرا
فى غضون الأيام القليلة الماضية أصدر قائد الحرس الثورى الجنرال محمد على جعفرى قرارا بتعيين العميد إسماعيل كوثرى نائبا لقائد مقر "ثأر الله" التابع للحرس الثورى وهو المقر المسؤول عضويا عن تأمين العاصمة طهران، وهو قرار تأخر نحو شهر، منذ أحداث الأربعاء الدامى يوم 7 يونيو الماضى.
هذا الأمر يشير إلى أن قيادة عمليات الحرس الثورى تلقى باللائمة على العميد محسن كاظمينى الذى كان يشغل منصب قائد حرس المنطقة الكبرى فى العاصمة طهران ونائب قائد مقر ثأر الله، بخصوص العمليات الإرهابية سالفة الذكر، وهو قرار تأخر حفظا لماء وجه العميد كاظمينى.
من جهتها قالت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية إن العميد إسماعيل كوثري، الذى كان نائبا لأهالى طهران فى البرلمان فى دورتيه الثامنة والتاسعة، عاد أواخر السنة الإيرانية الماضية (تنتهى يوم 20 مارس) إلى القوات المسلحة.
القائد الجديد والإرهاب فى طهران
فى كلمته بمناسبة مراسم تقديم النائب الجديد لمقر عمليات ثأر الله بطهران، أكد القائد العام لقوات حرس الثورة اللواء محمد على جعفرى أن مقر عمليات "ثأر الله" سيركز جهوده على مواجهة التهديدات الرئيسية التى تواجهها طهران، فى إشارة إلى العمليات الإرهابية بشكل لا يقبل التأويل.
وقال اللواء جعفرى وفق ما نقلته وكالة فارس الإيرانية شبه الرسمية التى تعد الذراع الإعلامية لمؤسسة الحرس الثورى: "إن تحقيق الأمن من ناحية البرمجيات والقاعدة الشعبية جنبا إلى جنب مع أسلوب الوقاية، هو أساس إجراءات الحرس الثورى فى طهران".
وأكد قائد مقر عمليات "ثأر الله" للحرس الثورى على ضرورة تقوية النهج الاجتماعى لأنشطة المقر، وقال: "إن تنمية الأنشطة الثقافية والاجتماعية بمشاركة أطياف شعبية واسعة مع استخدام آليات إعلامية مناسبة، وتطوير التعليم وكذلك التركيز على إزالة التهديدات الرئيسية بطهران تعد من برامج هذا المقر، وسيتم تعزيزها فى المستقبل".
وفى تصريحات نقلها موقع "عصر إيران" لفت جعفرى إلى أن الحرس الثورى والشعب كلاهما ينتمى للآخر ولا توجد حدود بينهما، وأكد أن الإجراءات التى توفر الأمن يجب أن تستند فى معظمها إلى المجالات الإيجابية والتركيز على حل القضايا التى تهدد الأمن بشكل جذرى، واعتماد الشفافية فى التحدث الى الشعب.
وأوضح اللواء جعفرى أن محاولات البعض الإساءة إلى الحرس الثورى لن تتمكن من النيل منه ما دام التلاحم قائما بين الحرس الثورى والشعب تحت قيادة قائد الثورة الإسلامية، المرشد على خامنئى، وهنا يشير جعفرى إلى الرئيس الإيرانى حسن روحانى الذى وجه انتقادات لاذعة إلى الحرس الثورى منددا بتدخله فى الحياتين السياسية والاقتصادية للبلاد.
من هو العميد كوثرى؟
يعد العميد إسماعيل كوثرى واحدا من المحاربين القدامى فى صفوف الحرس الثورى واستنادا على سجله المهنى المفعم بالمناصب القيادية فى المؤسسة الأمنية الحاكمة فقد تولى قيادة الفرقة 27 "محمد رسول الله (ص)" لفترة 16 عاما، وكان رئيسا للدائرة الأمنية فى الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية.
عندما خرج من الخدمة العسكرية فى صفوف الحرس الثورى ترشح لشغل مقعد نيابى فى مجلس الشورى الإيرانى (البرلمان) وفاز بالفعل بتمثيل محافظة طهران، لكنه عاد العام الماضى إلى القوات المسلحة ضمن كادر مقر "خاتم الأنبياء" المركزى وهو المقر المسؤول كذلك عن إدارة شركة خاتم الأنبياء التجارية العملاقة التى تتحكم فى ما يقارب الـ40% من اقتصاد إيران.
ونشرت وكالة تسنيم الإيرانية شبه الرسمية التابعة لمؤسسة الحرس الثورى أن إسماعيل كوثرى من مواليد العام 1955م فى منطقة "بيروزى" فى العاصمة طهران، وبعد انتصار الثورة الإسلامية وبدأ نشاطات المجموعات الانفصالية فى بعض المحافظات الغربية للبلاد، ومن أجل الدفاع عن الثورة الإسلامية التحق بمعسكر ولى العصر التابع للحرس فى طهران حيث أصبح عضواً فى حرس الثورة الإسلامية.
وانتقل العميد كوثرى بعد ذلك إلى منطقتى "مهاباد" و"نقده" لمواجهة الجماعات المناوئة للثورة الإسلامية حيث تعرف هناك على أصغر وصالى ومحمد إبراهيم همت فى حرس المنطقة الـ7 التى كانت تتخذ من محافظة كرمانشاه مقراً لها.
بعد بدية الحرب العراقية ـ الإيرانية (1980 – 1988) التحق العميد محمد كوثرى بجبهات القتال فى جنوبى البلاد، وبعد تشكيل اللواء 27 (محمد رسول الله ص) التحق العميد كوثرى بهذه الفرقة، وشارك فى عمليات بيت المقدس إلى جانب كتيبة "مالك الأشتر" التابعة للواء 27، ليعين فى العام 1982 قائداً لعمليات "قدر 11" التابعة للحرس الثورى.
أيام مع محسن رضائى
فى العام 1984 تم تعيين العميد كوثرى قائداً للواء 27 (محمد رسول الله ص) من قبل اللواء محسن رضائى (قائد الحرس الثوى السابق وأمين عام مجمع تشخيص مصلحة النظام ومالك مؤسسة تابناك الإعلامية حاليا) واستمر العميد كوثرى يشغل هذا المنصب حتى العام 2000م لمدة وصلت إلى 16 عاماً.
ثم تولى العميد كوثرى منصب نائب قائد مقر ثأر الله، وبعدها انتقل إلى هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة وفيها أصبح مسؤولاً عن الدائرة الأمنية.
قبل عشر سنوات وتحديدا فى العام 2007 اعتزل العميد محمد كوثرى النشاط العسكرى والأمنى وانخرط فى العمل السياسى، وفى العام نفسه أصبح ممثلاً للعاصمة طهران ومسؤولاً فى لجنة الأمن القومى والسياسات الخارجية فى مجلس الشورى الإسلامى فى دورته الثامنة، وأعيد انتخابه ممثلاً عن طهران فى العام 2011 لدورته الثانية، وتولى هذه المرة منصب نائب رئيس لجنة الأمن القومى.
وإضافة إلى منصبه كنائب لرئيس لجنة الأمن القومى أصبح عضواً فى لجنة الاتفاق النووى التى بدأت عملها فى العام 2011 كلجنة تابعة لهيئة الأمن القومى الإيرانى التى قادها الدكتور سعيد جليلى.
على كل حال يعد هذا التغيير، وإن كان متأخرا، تعبيرا عن المخاوف الأمنية التى تنطوى عليها الغرف المغلقة لصناع القرار فى الدوائر العليا بالمؤسسات الأمنية الإيرانية، كما تعد رغبة من قادة الحرس الثورى فى إثبات الجدارة بعد الانتقادات التى طالتهم من أعلى مسؤول تنفيذى بالبلاد (الرئيس حسن روحانى) على خلفية انشغال الحرس بالسياسة والاقتصاد والمشاريع الخارجية، عن عمله الرئيس وهو تأمين حدود البلاد والحفاظ على أمنها الداخلى.