صيف ساخن تشهده الحياة السياسية التركية بعد المظاهرات العارمة التى اجتاحت العاصمة الاقتصادية للبلاد، إسطنبول، على خلفية الإجراءات العنيفة التى قامت بها الحكومة التركية بعد محاولة تحرك ضباط الجيش لعزل أردوغان منتصف يوليو من العام الماضى.
أقوى فعاليات منذ "جيزى بارك"
من جانبه، قال الباحث المتخصص فى الشئون التركية، صلاح لبيب، إن اختيار موعد بدء الفعاليات الاحتجاجية من جانب حزب الشعب الجمهورى جاء مميزاً مع قدوم مرور عام على محاولة عزل أردوغان ولكن الحزب لم يختر الموعد بل الحكومة هى التى تعمدت حبس قيادى بالحزب على خلفية قضية شاحنات الاستخبارات التركية لسوريا، والتى ساهم فيها السياسى الجمهورى فى تسريبها لصحيفة "حرييت".
وأضاف صلاح لبيب: "تعد هذه الاحتجاجات الكبرى - مسيرة العدالة - أقوى فعاليات احتجاجية منذ أحداث جيزى بارك ولكن ما يميز هذه الاحتجاجات الحالية هو أنها مدعومة من ثانى وثالث أكبر أحزاب تركيا الشعب الجمهورى والشعوب الكردى، كما أنها تأتى فى مرحلة أغلقت فيها الحكومة كل وسائل الاعتراض السلمى بفعل حالة الطوارئ الممتدة وإخضاع القضاء لسلطة النظام عبر تسريح آلاف القضاة لدرجة دفعت زعيم حزب الشعب الجمهورى إلى القول إن استقلال القضاء التركى أصبح من الماضى".
وتابع صلاح تصريحاته لـ"انفراد": "من المثير هنا انضمام سياسيين مقربين من أردوغان للاحتجاجات مثل النائب السابق لأردوغان عندما كان رئيسا للوزراء ويأتى هذا فى ظل مخاوف واسعة بعد اعتقالات طالت حتى أعضاء قياديين فى حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعم الانتماء لحركة الخدمة".
واختتم لبيب حديثه بقوله: "فى تقديرى أن حركة الاحتجاج ستتسع فى تركيا لأن المعارضة لديها يأس شديد مع سيطرة الحزب الحاكم على البرلمان، وأصبح الرئيس وفق التعديلات الدستورية هو المتحكم فى كل شىء وأخضع السلطات التشريعية والقضائية لها ما أجبر المعارضة على النزول إلى الشارع، ولكن الحكومة لم تواجه الاحتجاجات بعنف حتى الآن ولكن مع توالى الاحتجاجات ستظهر أعمال عنف فى ظل تراجع النمو الاقتصادى وازدياد نسبة البطالة، كما أنه من الملاحظ أن الحاضنة الشعبية للنظام فى الأناضول المحافظة قد شارك بعض منها فى الاحتجاجات وهو ما يشير إلى تحولات مستقبلية فى تركيا".
المعارضة تستعد لـ2019
وفى السياق قال الباحث فى الشئون التركية، محمد حامد، إن مسيرة العدالة التى يقودها كيليتشدار أوغلوا تهدف إلى الإفراج عن النائب البرلمانى السابق عن حزب الشعب الجمهورى، والذى كشف دور المخابرات التركية فى دعم المسلحين فى سوريا، وذلك فى قضية الشاحنات أو المعروفة بهذا الاسم فى غازى عنتاب عام 2013.
ورأى أن المسيرة اليوم تتزامن مع ذكرى تحرك الجيش التركى لعزل أردوغان العام الماضى والذى دعم فيها حزب الشعب الجمهورى الحكومة فى مواجهة الضباط، ولكن عادت المعارضة تصفه بـ"المسرحية" وأنه "تحت السيطرة".
وأضاف حامد لـ"انفراد": "بشكل عام المعارضة التركية تمر بحالة إعادة تموضع والسير فى مسار جديد استعدادا لانتخابات 2019 والتصدى لمنع انزلاق البلاد نحو الديكتاتورية".
مظاهرات عارمة
وشارك عشرات آلاف الأشخاص من المتظاهرين الأتراك فى التجمع الختامى لـ"المسيرة من أجل العدالة" التى قطع خلالها زعيم المعارضة التركية كمال كيليتشدار أوغلو نحو 450 كلم مشياً على الأقدام من أنقرة الى إسطنبول، احتجاجاً على اعتقال نائب من حزبه.
وقال زعيم المعارضة رئيس حزب الشعب الجمهورى فى ختام هذه المسيرة التى انطلقت فى الخامس عشر من يونيو الماضى، أمام حشد فى ساحة واسعة على الجانب الأسيوى من إسطنبول: "لا يظن أحد أن هذه المسيرة هى الأخيرة، بل إنها الخطوة الأولى ويجب أن يعلم الجميع جيداً أن يوم التاسع من يوليو يشكل مرحلة جديدة، وتاريخاً جديداً وولادة جديدة".
وتعد هذه المسيرة الأكبر التى تشهدها مدينة أسطنبول وتنظمها المعارضة منذ التظاهرات الحاشدة فى مايو/ يوليو من العام 2013 ضد حكم أردوغان.
كمال كيليتشدار أوغلو (68 عاما) زعيم حزب الشعب الجمهورى الاشتراكى الديمقراطى أطلق المسيرة التى قطع خلالها 450 كيلو مترا من العاصمة التركية إلى إسطنبول لإدانة الحكم بالسجن 25 عاما على النائب أنيس بربر أوغلو الذى أدين بنقل معلومات سرية إلى صحيفة "جمهورييت".
وتحولت المبادرة إلى مسيرة لآلاف المعارضين للرئيس رجب طيب أردوغان، وشبه مؤيدين لكيليتشدار أوغلو هذه المبادرة "بمسيرة الملح" الشهيرة التى قام بها غاندى ضد السلطات البريطانية فى الهند.
الوقوف فى صف الإرهابيين
من جانبه اتهم أردوغان كيليتشدار أوغلو بالوقوف فى صف من وصفهم بـ"الإرهابيين" وحذره من أنه يمكن أن يستدعى من قبل القضاء.
ودخل كيليتشدار أوغلو إلى إسطنبول يوم أول من أمس الجمعة وانضم إليه حشد من عشرات الآلاف من المشاركينن، واستقبل بتصفيق فى الشارع ومن النوافذ من قبل عدد كبير من متابعى الموكب، علما بأن أوغلو لا يرفع أى شعار حزبى فى مسيرته ولا يدعو خلالها سوى إلى "العدالة". والتحق بكيليتشدار أوغلو أنصاره الذين شكلوا طابورا طويلا على جانب الطريق رغم درجات الحرارة المرتفعة.
من جانبه قال المعارض البارز قبل التجمع "لماذا أسير؟ هذه المسيرة البالغة 450 كيلومترا لها هدف واحد وهو "العدالة".
وفى تصريح خطى قال زعيم حزب الشعب الجمهورى: "يسألون هل يمكن البحث عن العدالة على الطريق؟ نعم نستطيع. لو أن هناك مظالم خطيرة وانتهاكات فى بلدك ولو أن محاكم بلدك غير قادرة على تطبيق العدالة، ستضطر للوقوف فى الطريق".
ووجه كيليتشدار أوغلو انتقادات حادة إلى أردوغان، مدينا ما وصفها بـ"البلد الذى تتم إدارته بشكل تعسفى وتتجاوز فيه حدود القانون". وقال: "حاليا البرلمان فى تركيا معطل والبلاد تدار بمراسيم يصدرها أردوغان"، مشيرا إلى أن "استقلال القضاء ألغى تماما".
وأتم المنظمون آخر استعداداهم بنصب منصة كبيرة لصقت فوقها حروفا عملاقة تشكل كلمة "العدالة" باللغة التركية. وقال كيليتشدار أوغلو: "لا أريد فى هذا التجمع سوى أعلام تركية ولافتات تطالب بالعدالة وملصقات لأتاتورك"، مؤسس تركيا الحديثة.
وتدين المعارضة التركية ميل أردوغان إلى الاستبداد بالحكم، خاصة منذ تعزيز صلاحياته على إثر استفتاء تعديل الدستور وتحويل النظام من برلمانى إلى رئاسى، فضلا عن حملة الطرد والتسريح والاعتقال التى تلت محاولة عزل أردوغان قبل عام.
وأصدر أردوغان قرارا بتوقيف حوالى خمسين ألف شخص وأقال أكثر من مئة ألف آخرين، بعد فرض حالة الطوارئ. وبالرغم من هذه المظاهرة إلا أن كيليتشدار أوغلو كان قد أدان محاولة تحرك ضباط الجيش الفاشلة، ملقيا مسؤوليتها على فتح الله جولن المقيم فى الولايات المتحدة والذى ينفى هذه الاتهامات، والذى يعد أشرس أعداء أردوغان على الإطلاق.
ضد الحكومة
لكن كيليتشدار أوغلو وجه انتقادات حادة أيضا لتوسعة نطاق حالة الطوارئ، التى يقول مراقبون إنها توسعت لتشمل كل معارضى أردوغان.
وفى يوم الأربعاء الماضى أوقفت الشرطة التركية ثمانية ناشطين فى حقوق الإنسان بينهم مديرة فرع تركيا لمنظمة العفو الدولية، بينما اتهمهم أردوغان أمس السبت بمحاولة تنفيذ أهداف من قادوا الانقلاب الفاشل ضده العام الفائت. وقال سيزجين تانريكولو، العضو فى حزب كيليتشدار أوغلو، فى تصريحات صحفية إنه "يتمتع بحيوية مدهشة".
من جانبها تعاملت الحكومة مع المظاهرات باستخفاف وقللت من قيمتها، وقال رئيس الوزراء التركى بن على يلديريم يوم أول من أمس الجمعة إنها "بدأت تصبح مملة ويجب أن يتوقف ذلك بعد التجمع". وقال محافظ إسطنبول فاسيب ساهين إنه تم تكليف 15 ألف شرطى بحماية التجمع فى منطقة مالتيبى.
أما زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلى، فحذر من جانبه أنصار حزبه من أى استفزاز، وقال إن مكاتب حزبه التى ستمر المسيرة بالقرب منها ستغلق السبت والأحد.