يقول الشاعر المصرى الراحل عبدالرحمن الشرقاوى فى مسرحيته الشهيرة «الحسين شهيدًا»: «إن الكلمة مسؤولية، إن الرجل هو كلمة»، بالتالى فإن عدم الالتزام بالكلمة والمواثيق بجانب أنه خيانة هو أيضًا «عدم شرف»، والأمر ينطبق على الأفراد والجماعات، وكذلك البلاد والحكومات.
يقول المثل الشعبى «الراجل تربطه كلمته»، بينما تصر قطر على أن تطبق النصف الآخر من المثل، «الثور تربطه قرونه»، فرغم اتفاق الرياض عام 2013 وملحق الآليات التنفيذية له لعام 2014، الموقع بين دول مجلس التعاون الخليجى الست، الذى ينص على تعهد قطر بعدم التدخل فى الشؤون الداخلية لمجلس التعاون، فإن الإمارة الخليجية لم تفِ ولم تنفذ، على العكس كثفت الدوحة من أنشطتها المعادية لدول مجلس التعاون بخاصة مملكتى السعودية والبحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة.
وقد نصّ اتفاق الرياض 2013، فى مادته الأولى على «عدم التدخل فى الشؤون الداخلية لأى من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر وعدم إيواء أو تجنيس أى من مواطنى دول المجلس ممن لهم نشاط يتعارض مع أنظمة دولتهم إلا فى حال موافقة دولتهم، وعدم دعم الفئات المارقة المعارضة لدولهم، وعدم دعم الإعلام المعادى»، وفى التقرير التالى نكشف أبرز سياسات الدوحة المنتهكة لاتفاق الرياض وملحقه التنفيذ.
رغم نص الاتفاق على «عدم تجنيس مواطنى أى من دول المجلس»، تكشف وثائق خليجية نشرت طوال السنوات الماضية عدم التزام الدوحة التى واصلت تجنيس أفراد بعض العوائل البحرينية والخليجية من خلال إغرائهم بالحصول على بعض المزايا، بخاصة عوائل تنتمى إلى المعارضة البحرينية، أو أفراد عُرف عنهم تحركات ضد الاستقرار المجتمعى فى بلدهم، ونفذت الدوحة ذلك بما تعارض مع القوانين المنظمة فى مملكة البحرين، وما ينعكس سلبًا على أمن المملكة ومصالحها الوطنية.
وحسب مصدر أمنى بحرينى لصحيفة «الوطن» البحرينية، فإن ظاهرة التجنيس القطرية استهدفت عائلات ينتمى أفرادها للمؤسسة العسكرية والأمنية، التى كان لها الدور فى حفظ الأمن البحرينى فى الاضطرابات التى شهدتها فى عام 2011! كما يتركز الحديث عن استهداف الإمارة الخليجية لأفراد من عائلات بعينها مثل عائلات «المهندى» و«الجلاهمة» و«السويدى»، وحسب تصريحات وزير الخارجية البحرينى الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، لقناة روتانا خليجية فى يوليو 2014، فإن قطر مارست تمييزًا طائفيًا ومذهبيًا وسياسيًا فى عمليات التجنيس، فإذا كان المجنس سنيًا من قبائل عربية من أهل البحرين فالباب القطرى مفتوح، وإذا كان شيعيًا فالباب أمامه مغلق، كما أن الكثير من أبناء البحرين يتم إغراؤه بمنحه الجنسية القطرية تحت مسبب أن له انتماء عائليًا هناك!
ما الذى دفع قطر لذلك؟ الحقيقة عدم وجود داع سياسى واقتصادى ملح، بقدر وجود الكراهية من نظام الحكم فى الإمارة لجيرانها بالمنطقة، ولكراهيتها استقرار الدول العربية، يدفعها للتجنيس واستقطاب أىّ عناصر تقف ضد تقدم الدول العربية، ناهيك عن دعم مالى كبير لعدد من الكيانات والأفراد داخل البحرين مثل مرتضى مجيد السندى، وأحمد الحسن الدعسكى، وعلى مستوى الكيانات تقف قطر وراء جمعية الوفاق الوطنى الإسلامية المحظور نشاطها فى المملكة منذ 2016، كذلك تنظيمات «ائتلاف 14 فبراير» و«سرايا الأشتر» و«سرايا المقاومة» و«حركة أحرار البحرين» و«سرايا المختار».
رسميًا، اتهمت الحكومة البحرينية وسائل الإعلام القطرية ببث الفتنة والتطرف، فمن جهة صرّح وزير الإعلام البحرينى على بن محمد الرميحى بأن هناك قنوات ووسائل إعلام خرجت من المنطقة تبث الفتنة والتطرف، وأكد خلال الاجتماع أن هذه القنوات قامت خلال السنوات الماضية بممارسات لا تمت للعمل الإعلامى بصلة، موضحا أن بلاده من أكثر الدول المتضررة من ممارسات قنوات «الجزيرة»، كما لم تلتزم بأخلاقيات العمل المهنى.
فى السعودية، لم تتوقف إمارة قطر عن التدخل فى الشأن الداخلى، وكشفت وثيقة مسربة من وزارة الخارجية القطرية عن تمويل الدوحة لعدد من المعارضين السعوديين لشن حملات ممنهجة ضد المملكة، وبينت الوثيقة دعمًا ماليًا موجهًا من الدوحة للمعارض السعودى «غانم الدوسرى»، وهو ناشط سعودى يقيم فى لندن منذ 2003، ويبث عبر وسائل التواصل الاجتماعى ومنصات السوشيال ميديا أخبارًا كاذبة عن المملكة العربية السعودية، من شأنها إثارة الفتن وخلخلة الاستقرار المجتمعى.. بينما واصلت الحكومة القطرية مدّ الدعم إلى جماعة الإخوان فى الإمارات، وكتائب حزب الله الخليجى، وهو تنظيم خلاف حزب الله اللبنانى، وهو كيان متعلق بشكل خاص بالنشاط الشيعى الجهادى، ومدرج فى دول مجلس التعاون الخليجى على قوائم التنظيمات الإرهابية، ويستخدم الإيرانيون «كتائب حزب الله» لمحاولة تصدير الثورة الإيرانية إلى الدول العربية!
الأمر لا يتوقف عند الكيانات الإرهابية المدعومة من قطر داخل دولة الإمارات المتحدة، بلّ تلعب الدوحة على الأجنحة كافة وتصطاد من الموائد جميعها، وتساند الإخوانى الإماراتى حسن الهوتى، الذى أبرزته ولمعته قناة الجزيرة بوصفه «المفكر الإسلامى» فى حين أنّه هارب من عدّة قضايا متعلقة بجرائم إرهابية من الإمارات، وتورط فى دعم تنظيمات إرهابية داخل الأراضى السورية.
ومن جهتها، ترى الدول المكافحة للإرهاب، أنها مارست ضبط النفس طويلًا تجاه الدوحة، لكن التحرك كان حتميًا ولابد منه؛ لأن قطر أصبحت خطرًا على الأمن القومى الخليجى والعربى، وبدا جليًا للجميع أن قطر تسير فى الطريق الخاطئ؛ لذلك وجب عقابها ومن ثمَّ ردعها. وسبق أن أوضحت البروفيسرة دانية قليلات الأكاديمية بجامعة إيكستر البريطانية، فى تصريحات لـ«انفراد» سبب توقيت موقف الدول الأربعة المكافحة للإرهاب، «أن القشة التى قسمت ظهر البعير كما نشرت مجلة الفايناشيال تايمز منذ فترة هى الفدية، التى دفعها القطريون، التى بلغت مليار دولار وذهبت لفصائل تابعة للقاعدة، كما ذهبت لمسؤولى أمن إيرانيين، وقد نشرت جريدة الأندبندنت البريطانية أن الحكومة العراقية قد وضعت يدها على أكياس مال بلغت 500 مليون دولار وتلك الأموال ذهبت كفدية لإطلاق سراح القطريين، الذين تم اختطافهم فى العراق فى 2015، ما دفع إلى أخذ تدابير حازمة».