فى القاعة الكبرى بجامعة الدول العربى وجدتقناة الجزيرةنفسها فى محاكمة عربية دون سابق إنذار، تجنى فى حضرة وزراء الإعلام العرب ما زرعته على مدار السنوات الماضية من حقد وفتنة وفرقة بين أبناء الشعب الواحد، وفى لحظة صدق لم يتمالك وزير الإعلام السودانى نفسه أمام هذا الإجماع العربى على جرائم القناة القطرية، فصرح بما يٌرضى الضمير العربى حول جرائم إعلامية ارتكبتها القناة عبر الكاميرا والميكرفون لا تقل خطورة عن تلك التى ترتكب بالسلاح والقنابل.
وزير إعلام الخرطوم أحمد بلال عثمان، أبى أن يزيف الحقائق وقال على هامش اجتماعات وزراء الإعلام العرب الأربعاء الماضى:"أنا أعتقد أن الجزيرة خطها الإعلامى الواضح هو إسقاط النظام فى مصر، وإثارة الفوضى فيها، واتهام النظام باستمرار وهذا خطأ لن نسمح به"، مضيفًا أن "الشعب المصرى هو الأجدر بتحديد مصيره واختيار النظام الذى يحكمه"، وتابع: "مصر لديها نظام راسخ، والشعب المصرى قادر على تغيير نظامه دون تدخلات ومحاولات للتحريض من الخارج".
ما أعلنه الوزير السودانى أغضب القناة القطرية ومن يقف ورائها من حكام الإمارة الإرهابية الدوحة، التى تواجه انتفاضة عربية ضد دعمها للجماعات الإرهابية فى المنطقة وتمويلها، واعترضت قناة الجزيرة عبر مكتبها فى الخرطوم على تصريحات وزير الإعلام وتقدمت القناة برسالة لنائب الرئيس السودانى بكرى حسن صالح بخصوص تصريحات الوزير، التى نشرت بالصورة والصوت، معبرة فيها عن "استياء الشبكة الشديد وبالغ استهجانها".
وإمعانًا فى الضغط على الوزير، طالبت الجزيرة بتوضيحات من الحكومة السودانية حول تصريحاته، وهو ما يبدو أنه قد تم الاستجابة له على الأقل من قبل البرلمان السودانى.
فعلى الرغم من أن النظام السودانى يصرح فى العلن بالتزامه الحياد تجاه الخلاف العربى معقطرلدعمها الإرهاب، إلا أن التصرفات التى تتم من خلف الكواليس تنم عن تواطؤ الخرطوم مع الدوحة، وهو ما ظهر جليا أمس حيث استدعى البرلمان السودانى بشكل مفاجئ وزير الإعلام لمساءلته بشأن تصريحاته الهجومية التى كان شنها من القاهرة ضد قناة الجزيرة القطرية.
وبرر البرلمان السودانى سبب استدعاء الوزير بأنه مخالف للموقف المعلن من قبل الحكومة، وحاول الوزير تدارك الأمر حيث قالت تقارير إعلامية سودانية إن الوزير السودانى، أكد على أن هجومه على الجزيرة يمثل رأيه الشخصى لا موقف حكومة بلاده.
ويبدو أن نفوذ قطر وقناتها فى السودان فوق الحكومة والنظام، وأن الدوحة عبر ملياراتها استطاعت أن تفرض سياساتها على أرض الخرطوم فإلى جانب موقف البرلمان علم موقع النيلين السودانى من قيادى رفيع فى الحكومة السودانية أنه (سيصدر قرار رئاسى بإعفاء وزير الإعلام من منصبه قريبا على خلفية تلك التصريحات.
جبروت القناة الجزيرة فى الخرطوم أثار حفيظة الأوساط الإعلامية حيث شن صحفيون سودانيون على وسائل التواصل الاجتماعى هجوماً عنيفاً على "الجزيرة"، مستعرضين أدوارها التخريبية فى المنطقة العربية، مشيرين إلى أن سلوك إدارتها عبر رسالة لرئيس الوزراء السودانى يمثل انتهاكاً لرمزية مؤسسة الرئاسة فى السودان، ووصفوا الخطوة بالمشابهة لسياساتها التى تعتمد على التدخل فى شؤون الدول الأخرى.
واعتبر الإعلاميون تدخل الجزيرة فى تصريحات الوزير السودانى، محاولة للحجر على حقه فى التعبير عن رأيه الصريح، والذى يختلف مع القناة القطرية، واصفين الأمر بالسقوط المهنى والأخلاقى الكبير للجزيرة، ويبدوا أن الحق الذى نطق به وزير الإعلام السودانى فى خضم لحظة صدق عربية تعارض مصالح الخرطوم والحكومة السودانية، الذى يتلقى المليارات من الدوحة.