على الرغم من الاحتفالات التى سادت العراق وتردد صداها فى العالم بعد تحرير الموصل من قبضة داعش، إلا أن سؤال "ماذا بعد" كان حاضرا بقوة فى العديد من المناقشات التى دارت حول هذا الأمر، ما دعا كثيرا من الخبراء إلى التشديد على ضرورة عدم السماح بعودة التنظيم للظهور مرة أخرى، والسعى لإعادة الإعمار سريعا.
من جانبها حذرت صحيفة "الأوبرزفر" البريطانية من أن تنظيم داعش، وبرغم خسائره الأخيرة، يمكن أن يصعد مرة أخرى، ما لم يتم كسر شوكته، مشيرة إلى أنه لم يتم احتواء التنظيم بعد كما أنه يمكن أن يستغل فراغ السلطة ـ ذلك الذى سمح له بالصعود من قبل ـ مرة أخرى.
وفى التقرير الذى كتبه، حسن حسن، الخبير فى شئون الجماعات الإسلامية المتطرفة، قال إنه قبل يوم من بدء معركة الموصل، تعرضت دعاية داعش لضربة قوية سرعان ما تم نسيانها، فالمعارضة السورية المدعومة من تركيا استطاعت إخراج التنظيم من مدينة دابق فى شمالى سوريا، تلك التى قام فيها الإرهابى البريطانى محمد إموازى بإعدام عامل إغاثة أمريكى.
ومع صعود داعش فى 2014، أصبحت المدينة الصغيرة مركز لداعيته، واستطاع المسلحون السنة أن يستعيدوا المدينة مرة أخرى، وضاعت فرصة لتقويض داعش، ولم يعد أحد يتذكر دابق اليوم.
وتابعت الصحيفة قائلة: "إنه على الرغم من خسارة داعش الموصل، وتحذير المراقبين بأنه لم ينته بعد، إلا أن أحدا لم يتحدث عن التهديد الذى يمثله التنظيم الإرهابى عقب انهيار خلافته المزعومة".
وسرد التقرير عددا من المكاسب التى حققها التنظيم طوال السنوات الماضية منها أنه كسب تنظيما عابرا للحدود لم يكن لديه قبل ثلاث سنوات، وأنه أصبح جماعة دولية كاملة تتنافس من أجل استعادة عباءة الجهاد العالمى من تنظيم القاعدة.
وأشارت الصحيفة كذلك إلى أن داعش لا يزال أقوى مما كان قبل تقدمه العسكرى فى يونيو 2014. وأصبح أكثر قوة مع سيطرته على الأراضى، الأمر الذى مكنه من جنى الأموال وتجنيد أعضاء جدد من السكان المحليين بناء على نجاحاته العسكرية، لكن تم إضعافه مقارنة بذروة قوته بعد أن استولى على ثلث العراق ونصف سوريا.
وكذلك، فإن معاقل داعش فى الأنبار، ورغم أنه سيكون من السهل استعادتها، لكنها ستظل على الأرجح مخابئ يمكن أن يعمل من خلالها التنظيم ويشن هجمات.
وأخيرا، فإن من المهم أن نتذكر، كما تقول الصحيفة، أن داعش قد كلف سوريا والعراق الكثير من الناحية الاقتصادية، وفى حين أن هزيمته ستحقق ارتياحا لمن تضرروا وسيشجع الآمال على بداية جديدة؛ إلا أنه تسبب فى دمار هائل فى البنية التحتية وللنسيج الاجتماعى فى مناطق كتيرة، وستتلاشى نشوة الانتصار وتبدأ بعدها الصراعات والتوترات.
وتحدث تقرير الأوبزرفر عن معركة الموصل، وقال إنها كعملية عسكرية كانت مثيرة للإعجاب، فلأول مرة تحارب قوات البيشمركة الكردية مع القوات العراقية، وتم إبعاد الميليشيات الطائفية إلى حد كبير عن القتال داخل المدينة.
وقال التقرير إن العملية يمكن أن تحقق أكثر من هذا، فكل من الموصل والرقة يقدمان فرصة، نظرا للقضايا السياسية المستمرة التى تحيط بالمدنيتين، لوضع خارطة طريق سياسية واضحة لسوريا وعراق جديدين. وفى كل من المدينتين، توجد فرصة أمام الولايات المتحدة والدول المتحالفة للعب دور كبير فى الحوار حول ما يجب أن يحدث بعد أن ساعدوا فى تحرير هذه المناطق من داعش.
وأنهت الصحيفة تقريرها بالقول: "بدلا من ذلك، فإن الخوف هو أن تسود نفس قضايا الانقسام الطائفى والفساد الحكومى وعدم الكفاءة، وهى نفس الظروف التى سمحت بصعود داعش فى المقام الأول".