بعد قطيعة تتجاوز الـ1000 عام ألتقى بابا الفاتيكان وممثل المسيحيين الكاثوليك فى العالم، البابا فرانسيس، ببطريرك موسكو للأرثوذكس الأنبا "كيريل"، فى لقاء تاريخى رسمى بكوبا.
انقسمت كنائس الشرق تحت قيادة كنيسة الاسكندرية والتى تعرف بالكنائس الأرثوذكسية، وكنائس الغرب تحت قيادة كنيسة روما، فى القرن الخامس على إثر بعض الخلافات العقائدية مع استمرار العلاقات، لكن تعود القطيعة الرسمية بين الكنيستين إلى القرن الـ11 وتحديدا لعام 1054 حيث انفصلت كنائس القسطنطينية واليونانية عن الكنيسة اللاتينية وأصبحت تعرف بالكنيسة الأرثوذكسية.
وجاءت هذه القطيعة فى العمق نتيجة الاختلاف الحضارى والثقافى والسياسى والاقتصادى الذى كانت تبنى فوقه العلاقات الطيبة أحياناً. وبحسب دكتور أندريه كحالة، بهيئة الثقافى السريانية، فإن العلاقة بين الكنيسة الشرقية والغربية هى فى حقيقتها علاقة بين حضارة شرقية بيزنطية وحضارة غربية لاتينية، كعالمان لكلّ منهما قيمه وتراثه وبيئته.
علاقات وثيقة عبر التاريخ
لكن على الرغم من عدم وجود لقاء رسمى بين قادة الكنسيتين منذ ذلك الحين، فلم تتوقف العلاقات الشخصية والزيارات غير الرسمية. بل ترى مجلة فورين بوليسى أن اللقاء لا ينفصل عن لقاءات تاريخية هامة ففى عام 1964 ألتقى البابا بولس السادس مع الأنبا اثينا غوراس البطريرك المسكونى للقسطنطينية حيث وضعا حجر الاساس للمصالحة. وتبع هذا اللقاء علاقات وثيقة بين الباباوات اللاحقين والبطاركة المسكونيين.
وقالت المجلة الأمريكية، تعليقا على اللقاء الأخير أن 1.2 مليار مسيحى كاثوليكى وأكثر من 250 مليون أرثوذكسى، ثلثيهم من الروس الأرثوذكس، استيقظوا على خبر بهذا الحدث التاريخى الهام. ونقلت عن الاب ميتشل روزانسكى، رئيس لجنة الأساقفة الشؤون المسكونية والأديان فى الولايات المتحدة قوله "مرة أخرى البابا فرانسيس يذكرنا بأننا نعبد اله المفاجآت".
البابا فرانسيس أيضا على علاقة جيدة مع البطريرك المسكونى برثلماوس الأول الحالى. وتقول المجلة أن الاجتماع الذى أجرى فى كوبا تم بين الرجال الذين لم يتحدثوا فقط عبر الهاتف، ولكن لديهم الكثير من الخبرة مع الكنائس الأخرى، على أعلى المستويات.
وبصفته السابقة كرئيس العلاقات الخارجية للكنيسة الأرثوذكسية الروسية قضى البطريرك كيريل الكثير من الوقت فى الفاتيكان، حيث زار الكرسى الرسولى عدة مرات، حيث عقد اجتماعات مع البابا يوحنا بولس الثانة وبندكت الخامس عشر.
مسيحى الشرق
اللقاء الأخير مدفوع بالقلق المشترك بشأن اضطهاد المسيحيين فى الشرق الأوسط. ففى البيان المشترك بين البابا فرانسيس والبطريرك كيريل، قالوا " نتوجه بنظرنا أولاً نحو مناطق العالم حيث يعانى المسيحيون من الاضطهاد. يُقتل أخواننا وأخواتنا فى المسيح، فى عدد كبير من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أسراً أسراً وبلدات بلدات.
تُدمر كنائسهم وتتعرض للنهب البربارى كما وتُدنس مقدساتهم وتُدمر مبانيهم. ونشاهد، بألم شديد، هجرة المسيحيين الجماعية من العراق وسوريا وبلدان أخرى من الشرق الأوسط وهى الأرض التى انطلق منها ايماننا وحيث عاشوا منذ أيام الرسل جنباً إلى جنب مع الجماعات الدينية الأخرى."
ودعوا فى البيان المجتمع الدولى إلى اتخاذ إجراءات طارئة من أجل تفادى استمرار طرد المسيحيين من الشرق الأوسط. وأضاف البيان "إذ نرفع الصوت من أجل الدفاع عن المسيحيين المضطهدين، نتماهى أيضاً مع آلام المؤمنين من جماعات دينية أخرى أصبحت هى أيضاً ضحية الحرب الأهلية والفوضى والعنف الإرهابى."
وتقول المجلة أن سياسيا، كان الوقت قد حان لتقارب البابا والبطريرك. ولكن من دون علاقات شخصية قوية، بنيت على مدى سنوات من الهدوء، وبذل جهود متضافرة، لكان اللقاء من غير الممكن. ولفتت إلى أنه بعد أقل من ثلاث سنوات على انتخابه، حقق البابا فرنسيس ما لم تستطع أجيال سبقته تحقيقه إذ أنه بحسب نص البيان قالت الكنيستين "لقد عقدنا العزم لبذل كل الجهود اللازمة من أجل تخطى الاختلافات التاريخية التى ورثناها".
أوكرانيا نقطة ساخنة
لكن تأتى المصالحة ومحاولات التقارب بين الكنيسة فى روسيا والفاتيكان فى وقت حرج فيما يتعلق بأوكرانيا، حيث تشتعل أزمة سياسية منذ إعلان روسيا ضم شبه جزيرة القرم لسيادتها فى 2014.
وظهرت خلافات بين البطريركية الروسية والكرسى الرسولى فى مرحلة ما بعد تفكك الاتحاد السوفياتى، فى عام 1991، عندما وجد أتباع الكنيسة الكاثوليكية اليونانية الوحدوية فى أوكرانيا، التى يبلغ عدد رعاياها 5 ملايين مؤمن، والتى ينتمى إليها رئيس الوزراء الحالى أرسينى ياتسينيوك، الفرصة سانحة، وبخاصة فى غرب البلاد، للاستيلاء على مئات الكنائس الأرثوذكسية التابعة لبطريركية موسكو وسائر روسيا، بحسب قول الكنيسة فى موسكو.
ويشير تقرير لموقع روسيا اليوم أن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية اتهمت الفاتيكان برعاية نشاط هؤلاء ولسياسة التبشير على المناطق التابعة تقليديا للكنيسة الأرثوذكسية الروسية. وكذلك لإقامة الكاثوليك أبرشياتهم فى الشرق الأقصى الروسى وسيبيريا وفى كثير من المناطق الروسية.
وشارك فى أزمة أوكرانيا السياسية روم كاثوليك إلى جانب كييف ضد موالين لروسيا فى الشرق، نقطة الصراع هذه دفعت الأب مانويل نين، النائب البطريركى للكاثوليك فى اليونان، للتعليق فى مقابلة مع موقع أليتيا الكاثوليكى، أن لكيريل مشاكل كثيرة بسبب الحرب الدائرة فى أوكرانيا ولذلك يأتى اللقاء مع البابا فى المقام الثانى إلا أن الرغبة فى اللقاء والمضى قدما كانت موجودة."