اتصل الرئيس العراقى صدام حسين بالرئيس المصرى محمد حسنى مبارك تليفونيا مبديا انزعاجه من سوء تأويل ما نسب إلى وزير خارجيته طارق عزيز، وحسب محمد حسنين هيكل فى كتابه «حرب الخليج.. أوهام القوة والنصر» الصادر عن «مركز الأهرام للترجمة والنشر- القاهرة»: «قال صدام لمبارك إنه أمر وزير خارجيته بأن يحمل شريطا مسجلا لاجتماع وزراء الخارجية العرب فى تونس، ويتوجه به إلى لقاء الرئيس مبارك فى الإسكندرية، وبعد أن يسمع الرئيس مبارك شريط التسجيل فله أن يفعل بوزير الخارجية العراقى ما يشاء».
كان الموضوع الذى أزعج «صدام» ودفعه إلى الاتصال بـ«مبارك» يتعلق بالزعيم الوطنى «مصطفى النحاس باشا» رئيس حزب الوفد ورئيس الوزراء قبل ثورة 23 يوليو 1952، ويؤكد هيكل «مؤكدا أن وقائعه بدأت فى اجتماعات وزراء الخارجية العرب بمقر جامعة الدول العربية» المؤقت «بتونس»، وكان يترأسها الشاذلى القليبى أمين عام جامعة الدول العربية وكانت الاجتماعات مخصصة لمناقشة موضوع «هجرة اليهود السوفيت إلى إسرائيل» «أثارت هذه الهجرة وقتها ضجة سياسية وشعبية هائلة»، غير أن طارق عزيز فاجأ الاجتماع بمذكرة من حكومته سلمها إلى «القليبى» وطالب بمناقشتها، وتشمل اتهامات من العراق للكويت بأن الحكومة الكويتية استغلت انشغال العراق بالحرب مع إيران، ومضت فى تنفيذ مخطط يهدف إلى تصعيد وتيرة الزحف التدريجى والمبرمج باتجاه أرض العراق، والاشتراك مع الإمارات فى تنفيذ علية مدبرة لإغراق سوق النفط بمزيد من الإنتاج خارج حصتها فى الأوبك بمبررات وهمية، وخسرت الدول العربية من جراء ذلك فى الفترة من 1981 إلى 1990 ما قيمته خمسمائة مليار دولار، كانت حصة العراق منها 89 مليار دولار.
عرض «القليبى» مذكرة الحكومة العراقية، ووفقا لهيكل: «دارت مناقشات مشوشة فى معظمها، لأن وزراء الخارجية لم يكونوا على استعداد للقنبلة التى تفجرت فى مجلسهم فجأة، وكان ياسر عرفات قد حضر بنفسه جانبا من هذه الاجتماعات ليلفت نظر الوزراء إلى خطورة موضوع هجرة اليهود السوفيت، وفى الجو المشوش جرى كلام كثير، وتناثرت ألفاظ وحكايات نقل بعضها إلى القاهرة بما فيه عبارات بدا بعضها غير مناسب فى حق النحاس باشا، فقد نقل عن ياسر عرفات أنه فى معرض حديثه عن موضوع هجرة اليهود السوفيت قوله، إن «النحاس» عندما كان رئيسا لحكومة مصر سنة 1939، استقبل وفدا فلسطينيا مسافرا إلى لندن لمؤتمر يعقد هناك حول القضية الفلسطينية، وقال لأعضائه: «تمنعون اليهود من الوصول إلى حائط المبكى، فاعطوهم الحائط وخلصونا»، وعقب طارق عزيز على ذلك بقوله: «النحاس باشا وغيره من زعماء تلك الفترة أطيح بهم فى الخمسينيات «القرن العشرين»، وأن هذا مصير المسؤولين الذين لا يقومون بمسؤولياتهم».
يعلق هيكل: «كان أبسط رد على مثل هذه الروايات والأقوال- كما جرى نقلها- هو أن النحاس باشا لم يكن رئيس وزراء مصر سنة 1939، وبالتالى فالواقعة من أساسها مشوشة، شأنها شأن كثير مما دار فى تلك الجلسة الغريبة»، وينقل رد فعل الأطراف العربية المعنية على ما جرى فى الاجتماع، مؤكدا رفض الكويت والإمارات لاتهامات الحكومة العراقية لهما، وفى القاهرة «بدا أن هناك غضبا من التعريض بـ«النحاس باشا» باعتبار أن التعريض به فى هذا السياق هو اتهام لمصر بالتفريط فى الحقوق الفلسطينية، واتصل الرئيس صدام بالرئيس مبارك تليفونيا مبديا انزعاجه من سوء تأويل ما نسب إلى طارق عزيز».
جاء «عزيز» إلى القاهرة حاملا معه شريط الجلسة بناء على اتفاق مبارك وصدام فى اتصالهما، وحسب هيكل: «مساء يوم 23 يوليو 1990 استقبل مبارك، طارق عزيز الذى دخل إليه فى مكتبه بقصر رأس التين يقول له: «الرئيس صدام أمرنى بأن أضع نفسى تحت تصرفكم بالكامل، وهذا هو شريط تسجيل مجلس الجامعة العربية الذى نقلت منه عبارات محرمة، وإننى على كل حال جئت إلى هنا بحقيبة ملابس صغيرة، ومستعد للخروج من هنا لسجن طرة إذا رأيتم أننى أخطأت»، وقدم للرئيس مبارك شريط التسجيل، ورد مبارك بأنه يكفيه أن يقول طارق عزيز: «إن ما نقل عنه كان محرفا»، ثم أضاف: «الوقت لا يسمح باستماع شرائط تسجيل، والأولى أن نواجه الموقف العصيب الذى نحن فيه الآن».