خرج المهندس محمود يونس ومعه المهندس عبدالحميد أبوبكر من لقائهما بالرئيس جمال عبدالناصر، بعد تكلفيهما بمهمة تنفيذ قرار تأميم قناة السويس، «راجع ذات يوم 24 يوليو 2017».
ويروى «أبوبكر» فى مذكراته «قناة السويس والأيام التى هزت الدنيا»، «كتاب أكتوبر، دار المعارف، القاهرة»، تفاصيل الساعات التى تلت هذا اللقاء، حتى الوصول إلى لحظة تنفيذ القرار يوم 26 يوليو 1956.
يؤكد «أبوبكر» أن «عبدالناصر» طلب من «يونس» إعداد خطة التأميم، وترك لـ«يونس» حرية اختيار المجموعة التى ستتولى التنفيذ، على أن يكونوا من الموثوق فيهم، ومن ذوى الخبرة والكفاءة اللازمة، ووافق الرئيس على طلب «يونس» بضم المهندس عزت عادل، سكرتير مساعد هيئة البترول.
ويشير «أبوبكر» إلى أنه و«يونس» كانا مشغولين ببرنامج عمل بعد لقاء الرئيس، كان آخره حفل عشاء فى فندق سميرا ميس، حضره خبراء بترول ممن حضروا افتتاح خط أنابيب البترول الجديد «السويس - القاهرة» فى الصباح.
ويسجل «أبوبكر» حالتهم أثناء العشاء: «كنا نحاول بصعوبة بالغة السيطرة على أعصابنا، والظهور بمظهر طبيعى وعادى، والتزمنا الصمت المطبق عندما سئلنا عن نتيجة الاجتماع مع الرئيس». ويذكر أنهم انتقلوا إلى كورنيش النيل «لم يكن تم الانتهاء من تشييده»، و«هناك أبلغ يونس القرار لعزت، وجرى الحديث حول أشياء كثيرة تتركز كلها حول الموضوع، وهكذا شاء قدرنا ألا ننام فى هذه الليلة أيضًا».
يذكر «أبوبكر» أنهم بدأوا فى تصفح الملف والكتب التى أعطاها لهم «عبدالناصر»، ومنها مذكرة مقدمة مكونة من 55 صفحة «فولسكاب» عن الشركة العالمية لقناة السويس، أعدها العميد أركان حرب أمين أنور الشريف، مدير إدارة التعبئة، وكتاب مصطفى الحفناوى عن القناة.
يقول «أبوبكر»: طوال يوم 25 يوليو «مثل هذا اليوم» 1956 كان «يونس» يتردد على مبنى قيادة الثورة، ثم يعود إلى مكتبه بهيئة البترول لينجز أعماله ومقابلاته المتعلقة بالبترول، ثم يجتمع معى ومع عزت عادل لمناقشة خطة تنفيذ عملية التأميم، واختيار الأشخاص الذين سيشتركون فى تنفيذ التأميم، وحدد أساسًا للاختيار، هو وجوب الموافقة الإجماعية لثلاثتهم عن كل مرشح، وكانت نصيحة الرئيس الاستعانة بخبرات من بين المدنيين، لإعطاء عملية التأميم أمام الرأى العام العالمى صورة العملية القومية، بدلًا من صبغتها العسكرية فقط، ويؤكد «أبوبكر»، أنهم اختاروا ضباطًا بسلاح المهندسين لسابق وجودهم فيه كضباط، بالإضافة إلى عناصر من البترول، وشخصيات فنية مهمة.
فى اليوم نفسه «25 يوليو»، وفى الساعة العاشرة مساء، ووفقًا لأحمد حمروش فى كتابه «ثورة 23 يوليو»، «الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة»، التقى «عبدالناصر» مع مصطفى الحفناوى فى مكتبه بمبنى مجلس قيادة الثورة، وقال له «جمال» إنه يتفاءل بهذه الغرفة التى اتخذ فيها قرار صفقة الأسلحة التشيكية «سبتمبر 1955»، وراجع معه القانون الذى طلب منه إنجازه فى لقائهما يوم 24 يوليو، والخاص بعملية التأميم، وأجرى عليه بعض التعديلات ثم تفرغ لكتابة خطبته التى كان مقررًا أن يلقيها مساء 26 يوليو.
السرية الشديدة التى أحاطت بالموضوع قد تطرح سؤالًا: هل كان قرار التأميم مجرد رد فعل على سحب أمريكا لتمويل السد العالى؟.. يجيب «الحفناوى» فى الجزء الثالث من كتابه «قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة»، «الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة»: «لم يكن بالنسبة لى مفاجأة غير متوقعة، فأنا أعلم من سنوات مضت أن سيادته- عبدالناصر- كان دائم البحث والتفكير فى أمر شركة قناة السويس»، كقيد خطير من القيود التى فرضت على سيادة مصر، وعقبة كانت تحول دون نهضتها وتقدمها، وأعلم أنه بعد بحث عميق للمشكلة أعد برنامجه ووضع خطته بمفرده، واختار الوقت الذى رآه مناسبا لتسديد ضربته المباغتة للاستعمار.
ويؤكد «حمروش» أنه منذ الشهور الأولى لحركة الجيش «23 يوليو» تكون مكتب لقناة السويس، كان مقره مجلس الشيوخ، وكان تابعًا لرئاسة مجلس الوزراء، عمل به «الحفناوى» الذى أثارت الشركة اهتمامه وأحلامه وأصدر مجلة خاصة باسم «قناة السويس»، واستدعاه «عبدالناصر» لإلقاء محاضرة يفتتح بها الموسم الثقافى لنادى ضباط الجيش فى نوفمبر 1952 طالب فيها بالتأميم، ثم صدر قرار جمهورى بهذا المكتب فى نوفمبر 1954، وتولى رئاسته الدكتور حلمى بهجت بدوى، وضم الدكتور حامد سلطان، ومحمد على الغتيت، ومحسن شفيق، وأصبح اختصاصه دراسة شؤون قناة السويس، وإعداد بحث حول احتمال تأميمها.