على مدار السنوات الماضية، ومع تراجع الموارد الدولارية لمصر نتيجة تأثر الاستثمارات الأجنبية المباشرة والسياحة، والحرب الاقتصادية التى شنتها "قوى الشر" ضد "القاهرة"، ظهرت السوق السوداء للدولار، نتيجة الفجوة بين المعروض والطلب على العملة الأمريكية، وتلاعبات تمت لشراء العملة الصعبة من المصريين العاملين بالخارج بأى سعر للتأثير على حجم المعروض الدولارى فى الاقتصاد المصرى.
وشنت مباحث الأموال العامة عدة حملات خلال الشهور الماضية، على تجار العملة، وبالتنسيق مع البنك المركزى المصرى، الذى أحكم الرقابة على شركات الصرافة المخالفة، وأغلق وعاقب أكثر من 50 شركة مخالفة للتعليمات الرقابية، وهو ما ساعد فى إحكام الرقابة على سوق العملات الأجنبية، وبالتزامن مع القرار الاقتصادى الأهم فى تاريخ مصر الحديث بتحرير سعر الصرف – تعويم الجنيه – فى 3 نوفمبر 2016، وما تبع ذلك من القضاء على تعاملات السوق السوداء للدولار، نتيجة توحيد السعر من 8.88 جنيه للدولار قبل التعويم إلى متوسط 18 جنيهًا للدولار فى الوقت الحالى، وسط توقعات بتراجع العملة الأمريكية نتيجة تحسن أرصدة العملة الصعبة، خلال الفترة المقبلة.
وأحد أوجه الحرب الاقتصادية التى واجهتها مصر، تمثل فى التأثير السلبى على سمعة مصر كوجهة استثمارية دولية، عن طريق التأثير على تدفقات رؤوس الأموال من الاستثمار الأجنبى إلى مصر برفع تكلفة التحويل بين البنوك الخارجية ونظيرتها المصرية، وبالترويج الزائف بأن مصر ذات مخاطر مرتفعة فى تعاملات العملة الصعبة، إلى جانب بعض الحملات مدفوعة الثمن فى الإعلام الغربى، وأن قرض صندوق النقد الدولى سوف يتم إهداره، على الرغم من خطة إصلاح الاقتصاد المصرى بخفض عجز الموازنة ودعم أرصدة الاحتياطى الأجنبى وقانون القيمة المضافة وهيكلة منظومة الدعم، وهى خطط سابقة للتقدم للحصول على تمويل من المؤسسة الدولية.
ووجه آخر للحرب الاقتصادية التى انتصرت فيها مصر ضد "قوى الشر"، تمثل فى آلية منع تحويل العملات العربية والأجنبية من الخارج إلى شرايين الاقتصاد المصرى، فى شراء جماعات ودول العملة الصعبة فى الدولة التى يقيم بها المصرى خارج البلاد، فى مقابل فارق أكبر من السعر فى السوق الرسمية فى البنوك، والدفع بمقابل تلك العملة بالجنيه المصرى لأهل هذا المواطن فى مصر، وبالتالى حرمان الاقتصاد المصرى من دخول العملة الصعبة من الخارج.
وإعادة تدوير أرباح الشركات العالمية فى السوق المصرية، عن طريق التوسعات فى الأنشطة القائمة لتلك الشركات بمصر، أحد أبرز ملامح الحفاظ على أرصدة النقد الأجنبى فى دورة النشاط الاقتصادى فى مصر، وهو ما تحققه الحكومة فى الوقت الحالى، بالحوافز والإعفاءات الضريبية والجمركية والاستثمارية تتيح استثمار أرباح الشركات فى مصر، ما يحقق أهدافا عدة، أهمها تصدير لمنتجات مصنعة داخل مصر بقيمة مضافة، وتخفيف الضغط على العملة الصعبة فى مصر، إلى جانب تعزيز قدرة مصر على جذب الاستثمارات وطمأنة المجتمع الاستثمارى العالمى بالبيئة والمناخ الاستثمارى المصرى وقدرته على تقديم حوافز وضمانات لحماية رؤوس الأموال.
واتبع البنك المركزى المصرى آلية عطاءات العملة الصعبة، قبل تحرير سعر الصرف، وهو ما عمل على تقليص تعاملات السوق السوداء، حيث إن تلك السوق تنتهى فعليًا مع تدفق الاستثمارات والعملة الصعبة، والإنتاج والعمل، وتشجيع الاستثمار المحلى والأجنبى، ووضع القوانين التى تحمى المستثمر، والمسؤول القائم على وضع الخطط الاستثمارية، حيث إن فرص النمو الاقتصاد المصرى كبيرة جدًا، وبالتالى نمو الاحتياطى من الاستثمارات الأجنبية المباشرة وإيرادات قطاع السياحة هو الأهم خلال الفترة المقبلة لدعم الاحتياطى النقدى، ويسهم فى بناء الاحتياطى من موارده المعتادة، خاصة مع تفعيل قانون الاستثمار الجديد، وجذب رؤوس الأموال.
وتبلغ أرصدة الاحتياطى الأجنبى لمصر أكثر من 31 مليار دولار، ومكون العملات الأجنبية بالاحتياطى الأجنبى لمصر يتكون من سلة من العملات الدولية الرئيسية، هى الدولار الأمريكى والعملة الأوروبية الموحدة "اليورو"، والجنيه الإسترلينى والين اليابانى واليوان الصينى، وهى نسبة تتوزع حيازات مصر منها على أساس أسعار الصرف لتلك العملات ومدى استقرارها فى الأسواق الدولية، وهى تتغير حسب خطة موضوعة من قبل مسئولى البنك المركزى المصرى.
وتعد الوظيفة الأساسية للاحتياطى من النقد الأجنبى لدى البنك المركزى، بمكوناته من الذهب والعملات الدولية المختلفة، هى توفير السلع الأساسية وسداد أقساط وفوائد الديون الخارجية، ومواجهة الأزمات الاقتصادية، فى الظروف الاستثنائية، مع تأثر الموارد من القطاعات المدرة للعملة الصعبة، مثل الصادرات والسياحة والاستثمارات، بسبب الاضطرابات، إلا أن مصادر أخرى للعملة الصعبة، مثل تحويلات المصريين فى الخارج التى وصلت إلى مستوى قياسى خلال العام الماضى، واستقرار عائدات قناة السويس، تساهم فى دعم الاحتياطى فى بعض الشهور.