قالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إن تطبيق ضريبة القيمة المضافة فى مصر أحد "شروط النفاذ" باتفاقية الحكومة مع البنك الدولى لاقتراض 3 مليارات دولار، وهى آلية قانونية تسمح للبنك بحجب أموال القرض حتى بعد التوقيع إلى أن يعلن البنك رضاه عن تنفيذ شروط معينة.
وأوضحت فى دراسة للباحثة سلمى حسين، أن البنك يشترط لتنفيذ القرض فى وثيقة الاتفاق الموقعة من وزيرة التعاون الدولى وأقرها الرئيس السيسى أن يعلن البنك "قبوله للتقدم الذى حققه المقترض فى تنفيذ البرنامج وإطار سياسة الاقتصاد الكلى ـ الخاصة بالمقترض - على أن يكون متضمنًا من خلاله تبنى نظام لضريبة القيمة المضافة".
وأشارت الدراسة – التى تلق "انفراد" نسخة منها - إلى أن الحكومات تفضل ضريبة القيمة المضافة لسهولة جمعها وقلة تكاليفها الإدارية، فى حين يعاب عليها أنها معادية للعدالة الاجتماعية حيث يقع عبئها بشكل أكبر على الفئات الاجتماعية الأضعف، كما أنها غير قادرة على علاج التفاوت فى الدخول الذى يتسم به المجتمع المصرى.
ووفقًا لدراسة تشخيص حالة الاقتصاد المصرى الذى نشره البنك الدولى فى ديسمبر 2015، فإن نصيب الدخول بلغ 30? من إجمالى الدخل القومى، فى المقابل يحصل أصحاب الأرباح على نصيب قدره 70% من الدخل القومى، فى حين تبلغ النسبة فى الدول الرأسمالية المتقدمة العكس بالضبط – حسب ما أوردته المبادرة.
وانتقدت الدراسة غياب الشفافية فى توقيع اتفاقية القرض، حيث شابت السرية شروط التوقيع، وهو ما يشكل مخالفة دستورية، مشيرة إلى أن المشروطية التى ارتبطت بالاتفاقية تهدد سيادة الشعب.
وأوضحت الدراسة أن برنامج القرض – حسب نص وثيقة الاتفاق - الخاصة باتفاقية القرض بحصول مصر على بالشريحة الأولى بقيمة مليار دولار، مقابل تطوير سياسات التنمية، وهو نوع من القروض التى يمنحها البنك الدولى للدول الأعضاء Development Policy Financing. وبمقتضى ذلك النوع تتعهد الحكومة بحزمة من الإجراءات المحددة سلفًا بالاتفاق مع البنك.
ويرتبط الحصول على كل شريحة أو دفعة من قيمة القرض بتنفيذ كل مرحلة من الإجراءات، كما يسبق الاتفاق على القرض مجموعة إجراءات لإثبات حسن نوايا الحكومة (Prior Actions)، نفذتها الحكومة كلها خلال العامين 2014 – 2015، بدون أن تعلن أمام الرأى العام عن نيتها فى الحصول على القرض ولا أن تُعلِم الشعب بأن تلك الإجراءات هى شرط الحصول على القرض.
وقالت الدراسة إن أول مأخذ على وثيقة القرض هو السرية التى أحاطت بالمفاوضات على شروطها، مما حرم الوثيقة من فرصة النقاش المجتمعى العام.
وأشارت الدراسة إلى أن الحكومة لم تعلن عن نيتها الاقتراض من البنك الدولى إلا خلال اجتماعات الخريف 2015، فى حين أن المفاوضات والتعهدات وتنفيذ التعهدات بدأت قبل ذلك بأكثر من سنة، ثم تم التوقيع على القرض بِليلٍ – حسب نص الدراسة - قبل أيام من انعقاد الجلسة الأولى من البرلمان، فى 29 ديسمبر، لتفادى أى نقاش مجتمعى حوله.
وأكدت الدراسة أن هذه السرية تتناقض مع الدستور، حيث تنص المادة رقم 127 من الدستور على أنه: "لا يجوز للسلطة التنفيذية الإقراض، أو الحصول على تمويل، أو الارتباط بمشروع غير مدرج فى الموازنة العامة المعتمدة يترتب عليه إنفاق مبالغ من الخزانة العامة للدولة لمدة مقبلة، إلا بعد موافقة مجلس النواب".
كما تنص المادة رقم 151 من الدستور على أن: "يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور".
وأوضحت الدراسة أنه لم يرد بالدستور المصرى أية مواد تنظم كيفية التعامل مع الاتفاقيات الدولية فى غيبة البرلمان، ومن هنا فإنه يجب الرجوع إلى الأصل العام، والذى يقتضى بأنه فى حالة إبرام رئيس الدولة لأى اتفاقية أو معاهدة فى حالة غياب البرلمان، فيجب عرضها عليه فور انعقاده، وهذا ما تؤكده جملة "ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب".
وتابعت الدراسة: إنه من حيث الأصل العام وانطلاقًا من هاتين المادتين فإن سلطة رئيس الدولة تكون قاصرة على التوقيع والعرض على البرلمان "بحسب السلطة الأساسية للتشريع".
وفى مقابل القرض ألزمت الحكومة نفسها بثلاث مجالات للإصلاح، أولها تعزيز انضباط المالية العامة، والتحقق من استدامة عرض الطاقة، وتحسين مناخ الأعمال، وتساءلت الدراسة عمن حدد تلك السياسات كأولويات للإصلاح؟ ولماذا تعتبر الحكومة الحالية والتى سبقتها أن تلك هى الأولويات الأجدر بالاهتمام فى الوقت الذى تعجز فيه الحكومة عن تلبية المطلب الشعبى برفع جودة وإتاحة التعليم والصحة وعجزها عن زيادة الإنفاق العام على هذين القطاعين وعلى البحث العلمى وفقًا لمقتضيات الدستور؟
وقالت الدراسة إن الحكومة المصرية لم تطلب مساعدة البنك فى تنويع الاقتصاد أو تعزيز تقديم الخدمات العامة أو زيادة التشغيل أو تطوير المالية العامة (بحيث تستطيع أن تلبى الاستحقاقات الدستورية فى التعليم والصحة والبحث العلمي)، وهى كلها بحسب موقع البنك الدولى مجالات ينطبق عليها هذا النوع من القروض، وتمثل أولويات للإصلاح فى مصر.
وانتقدت الدراسة إخفاء الحكومة عن الشعب لبعض الحقائق التى تتعلق بحالة الاقتصاد والسياسة، وأهمها تباطؤ النمو وزيادة أسعار الطاقة، وفتح قطاعات ذات طبيعة احتكارية أمام القطاع الخاص تتعلق بالسماح له باستيراد الطاقة، وعدم الاستقرار السياسى.
وأوضحت الدراسة أن معدلات النمو أبطأ من توقعات الحكومة، وسيظل راكدًا حتى العام 2018-2019، فوفقًا للوثيقة بدأ معدل النمو فى التباطؤ منذ يوليو 2014، واستمر انخفاض المعدل على مدى ثلاثة أرباع من العام وحتى مارس 2015، وهو ما يرجع إلى انخفاض الطلب الكلى، على الرغم من الارتفاع الكبير فى الاستثمارات الحكومية.
وفسرت الدراسة هذا الأمر بأنه يعنى أن الاستثمارات الحكومية لم تكن كافية لتدر دخلًا كافيًا لعموم المواطنين، ولم تخلق وظائف لائقة تساعد الناس على شراء السلع والخدمات، كما لم تسهم فى زيادة التصدير الذى من شأنه أن يدر النقد الأجنبى، إضافة إلى ذلك فيتوقع البنك مزيدًا من ضعف الجنيه فى مقابل الدولار، حيث يتوقع أن يصل الدولار إلى 9.3 جنيه بنهاية العام 2019 – حسب ما أوردته الدراسة.
وانتقدت الدراسة أيضا تعهدات الحكومة بخفض نفقات الأجور فى القطاع الحكومى بما تراه معاديا للعدالة الاجتماعية، وقالت الدراسة: "على أى بنك أن يتأكد من قدرة المقترض على سداد قرضه، ولهذا فرض البنك الدولى تخفيض أهم ثلاثة بنود فى الإنفاق الحكومى، دون مراعاة أثر ذلك فى العدالة الاجتماعية، هذه البنود هى: الأجور، الدعم، والفوائد على الدين العام".
وتنص وثيقة الاتفاق المسربة مع البنك الدولى – حسبما ورد بالدراسة – أن الحكومة بدأت منذ مطلع العام المالى الحالى فى خفض إجمالى الأجور الحكومية، حيث من المفترض ان تبلغ 8.2% من الناتج المحلى، ويطلب البنك الدولى أن تبلغ 7.5% من الناتج المحلى بحلول عام 2018/2019، وتجميد نسبة المعينين الجدد.
وطالبت المبادرة فى دراستها أن يقتصر هذا التخفيض على مكافآت كبار الموظفين، وأن يتم ضم كل الصناديق الخاصة إلى الموازنة العامة، والتى تخفى جزءا كبيرا من دخول كبار الموظفين، بما يعزز محاربة الفساد وتفاوت الدخول داخل القطاع الحكومى، كما دعت لاستبعاد احتياجات التعليم والصحة من تجميد نسب التعيين.
وأيدت الدراسة اتجاه الحكومة لتخفيض دعم الطاقة بشكل عام، ولكن بشرط أن يراعى بعد العدالة الاجتماعية، ولكان ما كشفته وثيقة الاتفاق لم يتطرق لمجرد الإشارة إلى المستفيد الأكبر من الدعم الحكومى، وهو كتلة من كبار المنشآت الصناعية والسياحية والخدمية، وهم بصفتهم منشآت هادفة – ومحققة - لتعظيم الأرباح، فليس من المفترض أن تدعمهم الدولة فى الأساس إلا بعد حوار وموافقة مجتمعية.
وقالت الدراسة: "كانت العدالة الاجتماعية تقتضى أن تبدأ الحكومة برنامًجا لتخفيض فاتورة الدعم الذى يذهب إلى الشركات الكبرى (من محاسيب نظام مبارك، وفقًا لدراسة حديثة للبنك الدولى)، قبل أن تلجأ إلى تحميل الجموع العريضة من المواطنين فاتورة سداد القرض".
وأشارت الدراسة إلى أن الفوائد على الدين العام تستقطع حوالى ربع الموازنة العامة، ومع ذلك لا يتناول البنك الدولى ارتفاع معدل الفائدة على الدين العام، إلا من زاوية المخاطر المقترنة بهذا الارتفاع (مخاطر عدم سداد القرض).
وبحسب تحليل الدراسة، فإن البنك الدولى خالف قواعده مرتين فى هذه الاتفاقية، فبالإضافة إلى عدم الحصول على موافقة البرلمان، لم تلتزم وثيقة برنامج القرض المسربة بما يفرضه البنك الدولى من شرط تقييم الآثار على الفقر والآثار الاجتماعية جراء تطبيق برنامج السياسات التى تفرضها وثيقة القرض.