فى أمور معينة فى التعامل مع الأخبار والأسماء فى الجيش المصرى، لإن هناك طبيعة خاصة تفرضها القوات المسلحة متعلقة بالحفاظ على سرية بعض المعلومات، وهذا أمر يحدث فى كثير من الدول وفى كثير من الجيوش، كذلك هناك سمة حقيقية يتميز بها أبناؤنا فى هذه المؤسسة وهى نكران الذات فى كثير من الأمور.
فى الأسبوع الماضى كان لى الشرف أن أتقابل مع قائد كبير فى الجيش كان هو الذى يقف وراء العرض العسكرى الرائع الذى شاهدناه يوم افتتاح قاعدة محمد نجيب، شخص بسيط ومتواضع وقوى ويمشى بين الناس ببساطة شديدة، ولا ينتظر منك شكرا، لكنك تفخر عندما يقول لك إن ما شهدناه هو واحد على ألف من إمكانيات جيشنا «وهو كمان بيقولها وراسه فى السما» حاجة كده فاخرة، لكن الحقيقة المشهد الذى نشره المتحدث الرسمى باسم القوات المسلحة على صفحته الذى شاهده المصريون جميعا لا يحتمل السكوت مهما كانت الأبعاد.
المشهد يظهر فيه قائد إحدى الدبابات فى شمال سيناء الذى كان على رأس قول أمنى من عدد من الدبابات، ويظهر متصديا لسيارة تسير بشكل مخالف، وبسرعة تنم عن نية مبيتة، ويرى بها عدد من الإرهابيين المسلحين فإذا به ودون أدنى تردد وفى ثوان معدودة يقوم بالانطلاق بدبابته ودهس هذه السيارة بمن فيها بشكل احترافى كبير وبطريقة لا تحتمل أى تأخير فى القرار، ثم يقوم بإخلاء المكان والابتعاد عن جسم السيارة التى تنفجر انفجارا هائلا بعدها ليحمى أرواح العشرات من زملائه ومن المواطنين، فقد كان عدد الوفيات سيتضاعف بكثير لولا هذه البطولة، وكانت كل هذه المعدات ستدمر تماما إذا ما طال الانفجار هذه الدبابات التى كانت تقف فى المواجهة.
الموقف كبير وعظيم وقد تكون هناك العديد من هذه المواقف التى قام بها أبطالنا من الجيش والشرطة فى شمال سيناء لكن لم تصور، لكن الحقيقة أن تصوير هذا المشهد أعطانا دليلا عمليا عن الصورة فى الحوادث التى تقع هناك، وعن طبيعة الخطر الذى نواجهه.
تخيلوا المشهد: فى وسط المدنيين العاديين الذين يمارسون حياتهم اليومية بكل صورها تظهر سيارة فى ثوان لتنفجر فى الجميع دون تفرقة بين كبير أو صغير مدنى أو عسكرى.. أى حرب هذه؟
غدر وخسة.. كان من السهل على قواتنا المسلحة دهس كل هؤلاء فى ساعات لكن المشكلة فى الحفاظ على الباقى من أهلنا فى سيناء.
كذلك أظهرت هذه الصورة أن هناك سلاحا خطيرا يمتلكه الجيش المصرى، وهو سلاح العقيدة فلا يمكن بأى حال من الأحوال أن يتكرر هذا المشهد إلا إذا كان بطله صاحب عقيدة وإيمان ورغبة حقيقية فى الثأر، وتدريب حقيقى على اتخاذ القرار وتنفيذ دقيق وكل ذلك فى ثوان، وهذه البطولة كانت كفيلة أن تودى بحياته وحياة من معه إلا أنه لم يتردد فى هذا العمل واتخذ قراره ونفذه.
ونقل العالم كله هذا الفيديو لتتناوله معظم وسائل الإعلام العالمية مشيدة بهذا البطل، ويراه أعداؤنا فى الداخل والخارج ويسأل كل شخص نفسه: بيعلموهم إزاى يعملوا كده؟
ما هو طريق أنك تشترى أحدث دبابة فى العالم معروف للجميع وفى غيرنا عنده فلوس تخليه يشترى أحدث ألف دبابة فى العالم، لكن يجيب منين اللى يسوق الدبابة بالشكل ده؟ وده بقى خير أجناد الأرض، ده السلاح اللى صعب شراؤه واللى لما تشوفه تفخر وتعتز بأبناء بلدك.
بالمناسبة هو ليه إحنا الكام سنة اللى فاتت بنتكلم كتير عن الجيش والشرطة وندعم بطولاتهم؟ وهو يعنى ما فيش حد بيحمى المجتمع غيرهم؟
الحقيقة أن كل الناس تتساوى «فى الظروف العادية» فى حمايتها لبلادها وأبناء أوطانها، فمثلا طبيب الطوارئ هو شخص مطلوب منه أن يتصرف بسرعة ومهارة لينقذ حياة المريض وأى خطأ من جانبه قد يودى بحياة الكثيرين، كذلك ضابط المراقبة الجوية فى مطار القاهرة أن أهمل يمكن أن تحدث كارثة مروعة، وأيضا الباحث فى الجولوجيا يمكن أن يدرس أن هناك خطر فيضان أو زلزال فيجنبنا كوارث تأتى بها الطبيعة، كذلك مهندس البناء إن أهمل يمكن أن يهدم أبراجا مشيدة وتضيع أرواحا بشرية كثيرة، وسائق الإسعاف أحيانا يجعله الله سببا لإنقاذ حياة ابنى وابنك.
الله!! طيب ما بتتكلموش عن دول ليه وبتتكلموا عن الجيش والشرطة بس؟
أقولك: لإن دول اللى فى قلب الخطر الكام سنة اللى فاتت ولإن ماعندهمش رفاهية الاختيار فهى معركة فرضت عليهم، ولإن لا قدر الله لو خسرناها هانخسر حاجة ما بترجعش هانخسر كرامة وطن واستقلاله وأمن وأمان أبنائه ونسائه.
ومطلوب إنه يدافع بحياته وهو رايح وعارف كده ومطلوب إنه يشوف زميله بيستشهد قدام عينيه ويرجع يكمل مكانه بنفس العزيمة وأكتر.
هيا المعادل] كدة وهى طبيعة الأمانة اللى شايلنها كده, ما فيش مجال للفشل وما فيش حديث إلا عن نصر مؤكد أو شهادة يتمناها الجميع.
إن مشهد قائد الدبابة يحتاج أن نعرف القصة من مصدرها يحتاج أن نرى هذا البطل ونكرمه، البعض يقول إن ذلك فيه خطر على حياته وأنا أقول أبدا وأنا أتمنى من كل أبطالنا من الجيش والشرطة أن يخرجوا أمام الجميع ليروا بطولاتهم وبطولات من استشهد منهم حتى يعلم القاسى والدانى العدو والحبيب أن هناك أسلحة لا تشترى وأن السلاح الذى له ثمن هو أرخص الأسلحة حتى وإن غلى.
أدعو إلى تكريم كبير لهذا البطل.. أدعو إلى أن نقف جميعا له احتراما لشجاعته, وتقديرا لزملائه، تكريما يليق بهذه الشجاعة، وأعرف أن الدولة المصرية ستقوم بالواجب فى هذا الشأن.
سيكتب التاريخ بأحرف من نور ما قام به هذا الجيل من قواتنا المسلحة والشرطة فى الحفاظ على كرامة هذا الشعب ومستقبل أبنائه.. والله حاجة تشرف.