كانت الساعة الخامسة فجر يوم الخميس 2 أغسطس «مثل هذا اليوم» عام 1990 حين دق جرس التليفون بجوار سرير العاهل السعودى الملك فهد بن عبد العزيز، وحسبما يؤكد محمد حسنين هيكل فى كتابه «حرب الخليج..أوهام القوة والنصر»: «لم يكن هذا التليفون يدق فى العادة، ومعنى سماع صوته كان كفيلا بأن يوحى على الفور بحدوث أمر جلل، ثم عرف الملك فهد أن القوات العراقية دخلت الكويت».
كانت المفاجأة للملك غير قابلة للتصديق فهو قبل ساعات قليلة ودع الشيخ سعد عبد الله الصباح ولى العهد ورئيس وزراء الكويت، وعزة إبراهيم نائب الرئيس العراقى صدام حسين، على تصور بأن الأمر على ما يرام «راجع ذات يوم 31 يوليو 2017»، ويضيف هيكل: «استدعى الملك أحد مساعديه، وطلب إليه أن يصله تليفونيا بالسفير عبد العزيز السديرى، سفير السعودية فى الكويت «وهو فى نفس الوقت قريب للملك من ناحية والدته»، وبينما الملك ينتظر أن تصله المكالمة التى طلبها، راح يبدى عجبه مما يسمعه ويسأل: هل احتلوا البلد؟ أم احتلوا الجزر؟، وجاءت المكالمة، ولم يكن السفير السديرى على بينة من أية تفاصيل سوى أنه عرف الآن أن القوات العراقية قريبة من مدينة الكويت».
وضع الملك سماعة التليفون ودهشته لم تفارقه، وحسب هيكل: «كان تعليقه إنه زلزال، وأنه لا يقدر على تجميع أفكاره، ثم عاد ورفع سماعة التليفون، وطلب أن يصلوه بالرئيس صدام حسين فى بغداد، وبعد قليل دق جرس التليفون وكان سكرتير الملك المكلف بالاتصالات يقول له: إن مكتب الرئيس صدام معه على الخط، لكن الرئيس العراقى نفسه ليس موجودا، وطلب الملك أن يحول الخط إليه، واكتشف أن الطرف الآخر الموجود على خط بغداد هو السيد «أحمد حسن خضير» أحد المستشارين المقربين من الرئيس صدام «أصبح وزيرا للخارجية فيما بعد»، وسأل الملك: أين الأخ صدام؟ وجاء الرد: «طال عمرك إنه الآن بعيد، وسوف نبلغه بمكالمة جلالتكم ونطلب إليه الاتصال بكم على الفور».
يواصل هيكل: «لم يكن الملك فهد قادرا على الانتظار، فطلب توصيله بالملك حسين، وأيقظه من نومه فى الساعة الخامسة والربع صباحا وبادره بسؤال: هل سمعت؟، ورد عليه الملك حسين متسائلا: «سمعت بماذا؟، فروى فهد له تفاصيل ما سمع، وكيف أنه حاول الاتصال بالأخ صدام ولم يوفق، وكان الملك حسين مأخوذا بما سمع، وشرد للحظة فى تصوراته، وأحس الملك فهد أن الملك حسين شرد عنه، فعاد يسأله فى خطورة ما حدث، وقال الملك حسين: اعطنى فرصة حتى أستوعب، ورد عليه فهد مقترحا أن يحاول هو، أى الملك حسين، الاتصال بالأخ صدام ليعرف منه ما هى الحكاية؟، وكان الملك حسين يحاول بدوره أن يستجمع أفكاره، وقال للملك فهد: «الغالب كما أظن أنها عملية محدودة، وقد نستطيع تداركها وعلاجها فورا، وسوف أتصل بالأخ صدام، وأعود إليك فى ظرف دقائق، وراح الملك حسين يحاول بدوره أن يتصل ببغداد».
اتصل حسين بالعراق فرد طارق عزيز مبديا أسفه عن أن التليفون مازال بعيدا عن الرئيس صدام، ورد على سؤال الملك حول ما جرى قائلا: «لم يكن هناك مع الأسف سبيل آخر»، وفى القاهرة كان توقيتها متأخرا ساعة عن توقيت الكويت، أى كانت الرابعة صباحا، ووفقا لهيكل: «استيقظ الدكتور مصطفى الفقى على تليفون من السفير سعيد رفعت السفير المصرى فى الكويت وأبلغه أن القوات العراقية احتلت الآن حقل الرميلة،وأنها تزحف الآن إلى مدينة الكويت، ولم يشأ الفقى أن يوقظ الرئيس مبارك وكان ليلتها فى استراحة برج العرب، قبل أن يتأكد من دقة ما لديه من معلومات، وأراد فيما يبدو أن يستوثق من حجم العملية، وما إذا كانت محدودة أو شيئا أكبر؟، وقرابة الساعة الربعة والنصف دق التليفون مرة ثانية بجوار الدكتور الفقى، وكان المتحدث هو السفير عبد الرازق الكندى سفير الكويت فى القاهرة، وقال له: «أرجوك إيقاظ الرئيس فورا، فالعراقيون الآن فى قلب مدينة الكويت، وقام الفقى بإيقاظ مبارك وراح يصغى إلى ما ينقله إليه الفقى ثم سأل فى دهشة: هل هى عمليات على الحدود؟، ورد الفقى بأنها عمليات فى العمق، والمعلومات تشير إلى أن القوات العراقية احتلت قصر الأمير وقصر ولى العهد ووزارتى الدفاع والخارجية وعددا آخر من الوزارات».