نزل ديك تشينى وزير الدفاع الأمريكى بطائرته فى مطار جدة بالسعودية وخلفه الجنرال «شوارتزكويف»، وفى أعقابهما «روبرت جيتس» نائب مدير وكالة المخابرات الأمريكية، ومديرها فيما بعد، وذلك يوم فى يوم 6 أغسطس «مثل هذا اليوم» من عام 1990، وكان هدف الزيارة هو دفع العاهل السعودى الملك فهد إلى الموافقة على قرار نزول القوات الأمريكية إلى السعودية لمهاجمة العراق بعد احتلاله الكويت «راجع ذات يوم 4 أغسطس 2017»، وحسب محمد حسنين هيكل فى كتابه «حرب الخليج- أوهام القوة والنصر»: «أثناء الرحلة من واشنطن إلى جدة، قام تشينى بإجراء تجربة حية للأسلوب الذى يمكن أن يتبعه مع الملك فهد، وكرر هذه التجربة حتى حفظ سيناريو الحديث عن ظهر قلب». ويؤكد هيكل: «كان الأمير بندر بن سلطان فى استقبال تشينى فى المطار»، وسأله: كيف حال الملك؟، فرد الأمير: «إنه يقوم باستطلاع رأى بعض الزعماء الدينيين حول مسألة مجىء قوات أمريكية إلى السعودية».
وفى مساء اليوم كان تشينى ومعه «جيتس» والجنرال «شوارتزكويف» والجنرال «ولفووينز» والسفير «فريمان» سفير أمريكا فى السعودية يدخلون القصر الصيفى للملك فهد، وكان الملك فى انتظارهم فى صالون بجناحه الخاص، ومعه عدد من أفراد الأسرة الذين يتولون مناصب سياسية كبرى فى المملكة: الأمير عبد الله ولى العهد ونائب رئيس الوزراء الذى جلس وحده فى ناحية، بينما جلس وزير الخارجية الأمير «سعود الفيصل» ونائب وزير الدفاع، وعدد آخر من الأمراء على الناحية الأخرى، وكان الأمير «بندر» هو الذى سيتولى الترجمة بنفسه بين الجانبين».
افتتح «تشينى» كلامه بقوله: «إن الولايات المتحدة تعتبر السعودية شريكا وصديقا رئيسيا له، وأنها وقفت بجانبها فى كل الظروف، وأخطرها الظروف الذى واجهت المملكة عندما تواجدت القوات المصرية فى اليمن سنة 1962، وأحست المملكة بالتهديد، وساندتها الولايات المتحدة بكل حزم، ثم كانت بعد ذلك أزمة الحرب العراقية الإيرانية، والسعودية تتعرض الآن لأخطر تهديد فى تاريخها، ونحن بلد اعتاد أن يأخذ التزاماته بجد وإخلاص، وأرسلنى الرئيس إلى هنا لأعزز لكم ما ذكره أثناء أحاديثه التليفونية معكم، ومؤداه أنه يضمن شخصيا الوفاء بضمانات الأمن الأمريكية المقدمة لكم، وأن صدام حسين استخدم الأكاذيب والخداع والعدوان السافر لتغيير موازين الأمن فى المنطقة، وما لم نتصد لعدوانه فإنه سوف يزداد شراسة».
يضيف هيكل: «دخل تشينى إلى صميم الموضوع فقال إن الرئيس «بوش» يقترح استراتيجية على مستويين، الأول: أن تتعاون الولايات المتحدة مع السعودية فى الدفاع عنها ضد أى هجوم محتمل، والمستوى الثانى: العمل على خنق العراق بالوسائل الاقتصادية، والعقوبات الاقتصادية وحدها- من وجهة نظر الرئيس بوش- لن تكون كافية لأداء الغرض، لكن تقديره أنه عندما يبدأ صدام حسين فى الشعور بالضغط، فقد يجد مخرجه فى شن هجوم على السعودية، ولهذا فإنه من المهم أن نكون مستعدين على مستويين:مستوى الدفاع ومستوى الخنق».
استأذن «تشينى» الملك فى أن يتحدث الجنرال «شوارتزكويف» عن مسرح العمليات، وخلال ذلك قال الملك: «كنا نعتقد أن صدام حسين رجل صادق، ولقد قال لنا ولكم ولمبارك إنه لن يهاجم الكويت وحدث العكس، وإننا الآن على بينة من نواياه، وطالما أن الاستعداد كاف والقوة متوافرة فإننا فى وضع يسمح لنا بدفع هذه العمليات العراقية، وإنى لممتن أن يحدث هذا»، وحسب هيكل فإنه بعد انتهاء «شوارتزكويف» من حديثه قال فهد: يا معالى الوزير نحن موافقون على المبدأ، والله يساعدنا على أن نقوم بالعمل الذى يلزم، والمهم الآن أن نحمى بلدنا بالتعاون مع الولايات المتحدة، وفكرنا فى دعوة بلاد عربية صديقة أخرى للاشتراك معنا ومعكم»، ويؤكد هيكل: «لم تكن الفكرة مفاجئة لتشينى»، ورد بقوله: «إن هذه فكرة رائعة، وعقب الملك على ذلك بقوله: «بعضهم أصدقاء لنا ولكم» ثم استطرد الملك: «علينا أن نعمل معا بصرف النظر عما يمكن أن يقوله الآخرون، فالكويت بلد ساكن حتى فات الوقت، ولم تعد هناك كويت»، وعلق الأمير عبد الله على ذلك بقوله: «لا تزال هناك كويت»، ورد الملك بسرعة: «ولكن أهلها مقيمون عندنا فى فنادقنا».
انتهى اللقاء وعاد تشينى إلى الفندق، واتصل من هناك عن طريق شبكة خاصة بالرئيس بوش فى البيت الأبيض ووجده فى اجتماع مع مارجريت تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية، وطلب مقاطعة الاجتماع وتوصيله بالرئيس، وفور أن سمع تشينى صوت بوش على الناحية الأخرى من التليفون قال له: «لقد وجه الدعوة إلينا، وقبل الخطة كلها».