انتهت زيارة وزير الدفاع الأمريكى «تشينى» إلى السعودية، وكانت مصر هى محطته الثانية، وذلك فى سياق الجهود الأمريكية للحشد لصالح تنفيذ خطتها العسكرية ضد العراق الذى احتل الكويت يوم 2 أغسطس 1990.
أسفرت زيارة «تشينى» إلى السعودية عن موافقة الملك فهد على الخطة الأمريكية «1200-90 0» (راجع ذات يوم 6 أغسطس 2017)، وجاء إلى القاهرة للحصول على موافقة الرئيس مبارك، وحسب محمد حسنين هيكل فى كتابه «حرب الخليج - أوهام القوة والنصر»، فإنه وأثناء توجهه إلى مصر عرف أن الرئيس مبارك موجود فى الإسكندرية، ولأن طائرته الكبيرة لم تكن قادرة على الهبوط فى مطار النزهة، توجه بها إلى مطار القاهرة ونزل فيه، ومنه استقل طائرة الملحق العسكرى الأمريكى فى مصر ومعه السفير الأمريكى «فرانك ويزنر» متوجها إلى الإسكندرية.
أثناء الرحلة إلى الإسكندرية، قال «ويزنر» لـ«تشينى» إنه تلقى قبل دقائق تعليمات من واشنطن ليطلب إذنا من الرئيس مبارك بمرور حاملة الطائرات «إيزنهاور» من قناة السويس، وإنه يعرف أن هذه مسألة حساسة عند المصريين لأنهم يمانعون عادة فى مرور سفن نووية من قناة السويس خوفا على القناة، والمنطقة الآهلة بالسكان التى تجرى فيها، وإنه فكر فى أنه إذا جاء الطلب مباشرة من وزير الدفاع إلى الرئيس المصرى فإن استجابته سوف تكون مضمونة أكثر، ويذكر هيكل أنه طبقا لراوية «تشيني» فإن طلب ويزنر «كان فى ذهنه قبل أى موضوع آخر، وتصور أن «الحاملة» قد تكون فى حاجة إلى الدقائق لكى لا تتوقف لحظة فى انتظار إذن».
وصل «تشينى» إلى الإسكندرية وبدأ لقاءه بمبارك، وحسب هيكل: «بدأ فطلب الإذن للحاملة «إيزنهاور» من الرئيس، وسأله مبارك: متى تصل إيزنهاور من طريق السويس؟، فرد تشينى: الليلة يا سيادة الرئيس، وأصدر الرئيس مبارك أمره بالموافقة، وخرج فرانك ويزنر، ليطلب إلى الملحق العسكرى الأمريكى الذى رافق الوفد إلى قصر رأس التين، أن يبلغ قرار الموافقة.
فى نفس الوقت كانت طلائع لقوات أمريكية فى الطريق إلى السعودية وهى «مجموعة لواء من الفرقة 82 المحمولة جوا ووصلت يوم 8 أغسطس، وترافق مع وصولها هبوط 48 طائرة من طراز «إم- 15» فى قاعدة الظهران، وفى ظل هذه التطورات المتسارعة كان لقاء تشينى ومبارك، وحسب هيكل: «بدأ تشينى يحكى للرئيس مبارك بالتفصيل وقائع ما جرى بينه وبين العاهل السعودى الملك فهد، وكان الرئيس مبارك يتابع بدقة ويناقش»، ويؤكد هيكل، أنه طبقا لرواية تشينى أيضا، فإن مبارك لم يظهر موافقته على إرسال قوات إلى السعودية عندما طرح عليه «تشينى» الاقتراح، وإنما وافق عندما اتصل به كل من الرئيس جورج بوش (الأب)، والملك فهد بعد ساعات من لقائه بـ«تشينى». خرج تشينى من مقابلته مع مبارك ليعود إلى القاهرة، ويستقل طائرته إلى الولايات المتحدة، حسب هيكل: «بينما طائرته فوق إيطاليا تلقى مكتب الاتصال على ظهرها رسالة من البيت الأبيض موجهة من الرئيس إلى وزير الدفاع تطلب إليه أن يتوجه من حيث يكون إلى المغرب لمقابلة الملك «الحسن»، وبدوره عرف ملك المغرب بتفاصيل الاتفاق بين وزير الدفاع الأمريكى وملك السعودية، وأبدى الملك «الحسن» استعداده على الفور لإرسال قوات إلى السعودية، وظل «تشينى» مع الملك الحسن وقتا طويلا حتى بعث إليه السفير الأمريكى فى الرباط رسالة يقول له فيها «إنه مطلوب على الفور للسفارة لأن الرئيس بوش يريد أن يتحدث معه».
كان «بوش» على وشك أن يوجه خطابا للأمة فى الساعة التاسعة من صباح يوم 8 أغسطس، ويؤكد هيكل أن الرئيس الأمريكى أراد فى اتصاله بوزير دفاعه، أن يتثبت من «تشينى» حتى لا يستعمل فى خطابه أية عبارات يمكن أن تؤدى لحرج طرف من الأطراف، وفكر «تشينى» بسرعة، وقال للرئيس بوش، إن النقطة التى يجب التركيز عليها طبقا لما فهمته من «فهد» أن قواتنا ذهبت إلى المملكة العربية السعودية بناء على طلب سعودى، وأنها سوف تغادر المملكة فور أن تطلب منها الحكومة السعودية ذلك، وفى الساعة التاسعة صباحا كان بوش على كل شاشات التليفزيون فى كل بيت ومكتب فى الولايات المتحدة، وكانت نبراته حازمة وقاطعة.