كان ترشيحه المبدئى لمنصب وزير الخارجية فى إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، خلفًا للوزير جون كيرى الذى رحل مع إدارة باراك أوباما محل الكثير من الجدل، فرئاسته السابقة لشركة إكسون موبيل النفطية، فضلاً عن الصداقة التى جمعته بالرئيس الروسى فلادمير بوتين، جعلت من اسم ريكس تيلرسون محط اهتمام العديد من دوائر الإعلام ومراكز الأبحاث والدراسات، بل ودوائر الاستخبارات فى العديد من الدول، والتى بدأت بدورها ترسم سيناريوهات عن التقارب المحتمل بين واشنطن وموسكو فى ظل ولاية وزير الخارجية الأمريكى الجديد، ومدى تأثير ذلك على مناطق النزاعات فى سوريا والعراق وغيرها من مناطق نزاعات النفوز بين البلدين.
ومع التصديق على تعيين تيلرسون وزيرًا لخارجية واشنطن، تتابعت التقارير تلو التقارير، اهتمت غالبيتها بملفات روسيا والولايات المتحدة المشتركة، وأهتم آخرون بما يمكن أن يحرزه من تقدم فى إدارة الملف الإيرانى، إلا أن أحدًا لم يهتم بجذور العلاقات التى جمعته مع مسئولين قطريين ورجال أعمال مقربين من نظام تميم بن حمد، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على دوائر صنع القرار النهائية داخل الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب ومواجهة مموليه وفى مقدمتهم إمارة قطر.
ومع اندلاع المواجهة المباشرة بين قطر والدول العربية الداعية لمواجهة الإرهاب الممول من الدوحة، وإقدام دول الرباعى العربى الذى يضم كلاً من مصر والمملكة العربية والإمارات والبحرين على فرض عقوبات على النظام القطرى للحد من دوره فى دعم الكيانات الإرهابية والتنظيمات المسلحة فى الشرق الأوسط ومن بينها الإخوان وتنظيمى القاعدة وطالبان، بدأ اسم وزير الخارجية الأمريكى يتردد بقوة وبادرت مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام الأمريكية برسم سيناريوهات محتملة للدور الذى يمكن أن تلعبه الدبلوماسية الأمريكية فى احتواء الأزمة الخليجية فى اختبار كان الأول لإدارة ترامب فى هذا الشأن، إلا أن النتائج كانت مخيبة للأمال بعدما فشلت جولة تيلرسون الخليجية فى إنهاء ما هو قائم من خلافات، وبعدما تبنى المسئول الأمريكى البارز الرواية القطرية فى تخلى لافت عن إلتزام واشنطن بالتصدى للدول الراعية والممولة للإرهاب.
انحياز تيلرسون لتنظيم الحمدين الإرهابى، وتبنيه وجهة نظر الدوحة فى الأزمة دفع العديد من المراقبين للبحث والتنقيب عن جذور علاقات وزير الخارجية الأمريكي بالمسئولين القطريين ورجال الأعمال خلال توليه رئاسة شركة إكسون موبيل النفطية، والتى كان لها بطبيعة الحال اتصالات وعلاقات مفتوحة مع إمارة قطر لما تمتلكه من ثروة نفطية كبيرة، مؤكدين على أن تحركات تيلرسون الحالية محكومة باعتبارات ليس من بينها مصالح الولايات المتحدة فى المنطقة.
وفى تقرير لها، كشفت منظمة كلاريون الأمريكية للدراسات قبل أيام التفاصيل الكاملة لعلاقة تيلرسون وإمارة قطر ـ الراعى الأول للإرهاب فى الشرق الأوسط ـ وذهبت إلى ما هو أبعد من الأزمة الخليجية، متهمة وزير الخارجية الأمريكى بعرقلة تصنيف جماعة الإخوان على قوائم الإرهاب، لافتة إلى أن هذا الإجراء هو من الاختصاصات المباشرة لوزارة الخارجية عما سواها.
وقالت المنظمة فى تقريرها: "تيلرسون اختار الإخوان وانصارها فى قطر وتركيا على حساب الدول العربية بعدما عارض فى منتصف يونيو الماضى مساعى إداراج الجماعة على قوائم الإرهاب بشكل صريح، بزعم أن الإخوان لديهم ممثلين فى أحزاب سياسية ويشاركون فى حكومات بعض الدول مثل البحرين وتركيا".
وعلقت المنظمة على مبررات تيلرسون قائلة: "الولايات المتحدة لتتعامل مع الحكومة اللبنانية التى يوجد بها حزب الله، المصنف كمنظمة إرهابية أجنبية، وهذا ما يجعل من مبررات تيلرسون حجج واهية".
وفى الوقت الذى يؤكد فيه مراقبون خضوع وزير الخارجية الأمريكى لإمارة قطر وعرقلته لكافة محاولات فرض عقوبات أمريكية على تنظيم الحمدين، نقلت منظمة كلاريون عن الخبير فى مكافحة الإرهاب باتريك بول قوله إن تيلرسون يخرب سياسة ترامب الخارجية، وعليه أن يرحل بشكل فورى عن الإدارة الأمريكية، ففى حين يدعو الرئيس الأمريكى لمواجهة قطر ويصفها بالممول الرئيسى للإرهاب، فإن تيلرسون يفعل العكس ويصف قطر بأنها منطقية فى رد فعلها على الضغوط العربية.
وتحدث التقرير عن علاقة تيلرسون بقطر، وأشار إلى أن شركة إكسون موبيل، التى كان يتولى رئيس مجلس إدارتها قبل توليه مهام الخارجية الأمريكية، هى عضو مؤسس فى مجلس الأعمال القطرى الأمريكى منذ عام 1996، وهى كيان تم تأسيسه من قبل النظام القطرى، وقتها كان تيلرسون مسئول رفيع المستوى.
وبعد توليه رئاسة الشركة النفطية العملاقة، أصبح عضو فى الهيئة الاستشارية لمجلس الأعمال القطرى الأمريكى، كما أن نائب رئيس إكسون موبيل للإنتاج مدرج كعضو فى مجلس مدير المجلس، ويبدو أن مسئولى الجزيرة فى الهيئة الاستشارية وهيئة المديرين.
ووفقا لموقع المجلس، فأنه يلعب دورا رئيسا فى تشكيل مؤسسة قطر الدولية فى الولايات المتحدة، ويعد مقر تلك المنطمة فى الدوحة داعما للإخوان وللإسلاميين فى أمريكا.
ورصد التقرير أيضا علاقة تيلرسون بتركيا، وقال إن إكسون موبيل كان عضوا فى مجلس الأعمال الأمريكى التركى، الذى يترأسه إكين ألبيتكين، نفس رجل الأعمال التركى الذى كان فى قلب الجدل المحيط بمستشار الأمن القومى السابق مايكل فلين، وفى الوقت الذى لم يجد فيه أردوغان سوى قليل من المدافعين عنه، زار تيلرسون تركيا فى التاسع من يوليو للحصول على جائرة من مؤتمر البترول العالمى.
وقبل أكثر من أسبوع، ذكرت شبكة سى إن إن نقلا عن مصدرين فى إدارة دونالد ترامب، أن تيلرسون يعتزم التقدم باستقالته ومغادرة منصبه قبل نهاية العام الجارى، فى مؤشر لما هو قائم من خلافات بين ترامب ووزير خارجيته، والتضارب اللافت الذى ظهر واضحا بتمسك الجناح الذى يقوده الرئيس وفريق مستشاريه وغالبية نواب الكونجرس الأمريكى من الجمهوريين بفرض حزمة عقوبات رادعة على قطر، مقابل انحياز وزير الخارجية والنواب الديمقراطيين للتهدئة والتزام الحياد السلبى فى إدارة الأزمة بين الدوحة والدول العربية.