قطر ترتمى فى أحضان بريطانيا طمعا فى الدعم والسلاح لمواجهة الصف الخليجى
رحلة الخيانة القطرية وبيع الأشقاء تتخبط بين محطات الأتراك والبريطانيين
قبائل قطر تقسم فى القرن السابع عشر على الولاء للعثمانيين ضد الخليج
حاكم قطر يطلب إنشاء قاعدة عثمانية على أراضيه فى العام 1871
"كان والد الشيخ جاسم، مرتبطا منذ العام 1868 بالتزامات تجاه الحكومة البريطانية، وكان يجتهد فى سعيه للحفاظ على أواصر الصداقة مع المندوب البريطانى، إلا أنه وبسبب تقدمه فى السن، تخلىّ عن إدراة شؤونه الشخصية وشؤون إمارته، وأوكلهما لابنه جاسم، الذى كان يكره بريطانيا، فسمح للقوات العثمانية بالنزول لمدينة البدع القطرية والاستقرار فيها عام 1872"، هذا جزء من نص مقدمة بحث تاريخى عن نشأة قطر، صادر عن إحدى المدارس القطرية الدولية، ومنشور عبر موقع "التاريخ القطرى".
تلك المقدمة تلخص وتفسر كثيرا من المواقف والسياسات التى تنتهجها قطر الآن، فبعد قرن ونصف القرن من الواقعة السابقة التى تذكرها الدراسة، ما زالت قطر تعيد إنتاج نفس الممارسات، لتمثل إدارتها الحالية امتدادا طبيعيا لتاريخها البعيد، الذى بدأ بدولة قبلية فى بدايات القرن السادس عشر، وحمل عبر تلك القرون الخمسة كثيرا من التحالفات والتواطؤ والمعارك التى خاضتها قبائل وأمراء قطر ضد جارتها البحرين، ثم الاحتماء بخندق الدولة العثمانية فى مواجهة الدولة السعودية الأولى وتمددها الذى كان يهدد التواجد العثمانى بالمنطقة، ثم بعد ذلك بسنوات وسنوات تنهار الدولة العثمانية فيهرب حكام قطر إلى المحتل البريطانى، طالبين الدعم والحماية والسلاح، ومعلنين خضوعهم لوصاية إنجلترا، التى اعتبروها أكرم لهم وأكثر شرفا من الوقوف فى صف الأشقاء فى العروبة والخليج.
القرن الـ17.. قبائل قطر تقسم على الولاء للدولة العثمانية ضد "عائلات الخليج"
تقول مصادر تاريخية عديدة، إن الدولة القطرية بدأت بمفهوم القبيلة فى الفترة بين 1551 و1600، فى ظل سيطرة الحكم العثمانى على المنطقة وقبائلها، ولم تكن إدارة الدولة العثمانية مباشرة لقبائل قطر، بل كانت من خلال تفويض العشائر الموجودة بها، بشرط الولاء للعثمانيين، ضد محاولات قبائل وعائلات باقى مناطق الخليج العربى لضم قطر إلى الخليج الواحد، بدلا من سيطرة إسطنبول عليها، وبالفعل وافقت قبائل قطر.
تواصل هذا الموقف الذى بدأ فى القرن السادس عشر، عابرا إلى القرن السابع عشر، إذ أقسمت القبائل القطرية على الولاء للعثمانيين ضد عائلات الخليج العربى، وقادتهم قبيلة "بنو خالد"، لتؤسس الشكل الأول لدولة قطر تحت رعاية الدولة العثمانية.
القرن الـ18.. الدولة السعودية الأولى تنجح فى استعادة قطر تحت لواء الخليج
ظلت قبيلة "بنى خالد" تحكم المنطقة القطرية بعائلاتها، وتقدم فروض الطاعة والولاء للدولة العثمانية، حتى بدأت سيطرة إسطنبول على المنطقة تضعف نسبيا، بسبب انشغالها بالحروب فى أوروبا والبلقان، لتستطيع الدولة السعودية الأولى فى العام 1795 إعادة قبائل قطر ومناطق الخليج العربى كاملة تحت لواء "الخليج العربى الواحد"، والسيطرة على شبه الجزيرة العربية بكامله، بقيادة محمد بن سعود، الذى ضم الأحساء وقطر والبحرين فى ولاية واحدة.
القرن الـ19.. قبائل قطر تنقلب على الخليج وترتمى مرة أخرى فى أحضان الأتراك
لم تمر السنوات هادئة، فبعد نصف قرن تقريبا استطاع محمد بن ثانى قيادة قبائل قطر للانقلاب ضد الدولة السعودية الأولى ومحاولاتها لجمع شمل منطقة الخليج العربى فى مواجهة التمدد العثمانى فى المنطقة، كان هذا فى العام 1850 تحديدا، وقتها نجح محمد آل ثانى فى خطته بالتعاون مع الدولة العثمانية، إلا أن والده تمكن من عقد اتفاق مع الدولة السعودية الأولى، وأخذ من قادتها عهدا بعدم عودتهم مجددا لضم قطر لراية الخليج الموحد، فاعتبرت القبائل القطرية ذلك خيانة لها، إذ كان التواصل والتنسيق والولاء وقتها مع الدولة العثمانية، وكانت الخيانة أن يتواصل أحدا من القبائل القطرية مع باقى عائلات الخليج فى السعودية والبحرين وأبوظبى.
قطر تحارب البحرين وتطلب إنشاء قاعدة حربية عثمانية على أراضيها
سعت البحرين وأبوظبى لاستعادة المناطق القطرية من جديد فى وقت لاحق، وخاضت عدة مواجهات ضدها، لكنها فشلت جميعا، وكانت آخرها المعركة التى دارت بينهم فى 1868 بمنطقة "دامسة" البحرينية، فى هذه المعركة ألحقت قبائل قطر هزيمة كبيرة بالبحرين، بدعم وتمويل مباشرين من الجيش العثمانى، وكان ذلك - وفق مراجع تاريخية - أول استقلال فعلى لقطر عن البحرين والسعودية والخليج.
أعقب هذا الانفصال القطرى عن الخليج، إرسال حاكم قطر محمد بن ثانى خطابا للحاكم العثمانى، فى العام 1871، يطلب فيه إنشاء قاعدة حربية عثمانية على الأراضى القطرية، ووافقت الدولة العثمانية على الطلب القطرى، وأنشأت بالفعل قاعدة فى مدينة "البدع"، التى أصبحت سريعا نقطة ارتكاز وانطلاق عسكرى عثمانى للتوسع فى منطقة الخليج وتقويضها.
قطر تسقط فريسة للصراع بين العثمانيين وبريطانيا
تسبب الصراع بين قوات البحرين وأبوظبى من جانب، وقطر من جانب آخر، والذى اشتعل فى الفترة من 1867 حتى 1868، فى نشأة علاقات سياسية رسمية بين قطر وبريطانيا العظمى، وفى 12 سبتمبر 1868 وقع أمير قطر، محمد بن ثانى، معاهدة مع المقيم السياسى البريطانى فى الخليج، لويس بيلى، ومع نهايات القرن الـ19 بدأت الدولة العثمانية تضعف وتتراجع سيطرتها على أغلب أراضيها، بما فيها قطر التى وجدت نفسها وحيدة تفتقد الحماية العثمانية ولا تملك الولاء لبريطانيا الطامعة فى المنطقة، وترفض الدخول فى وحدة مع دول الخليج ضد مطامع القوى الاستعمارية، وبدلا من التوافق مع أشقائها ظلت قطر تبحث عن راع تقدم له فروض الطاعة والولاء على أن يكفل لها الحماية، حتى انهارت الدولة العثمانية.
كانت قطر وقتها تخوض صراعا عسكريا بقيادة "آل ثانى" ضد "آل سعود" بالدولة السعودية، إضافة إلى الدخول كطرف فى المعارك الدائرة بين الدولة العثمانية والقوات البريطانية الساعية للتوسع على حساب الإمبراطورية العثمانية العجوز، إلا أن حاكمها رأى وقتها أن بقاءه تحت راية العثمانين غير مفيد، فخاض معركة حربية ضد العثمانيين انتهت بموقعة "الوجبة" عام 1893، ثم وجد حاكم قطر نفسه وحيدا، فارتمى فى أحضان بريطانيا، وعقد اتفاقيات وصفقات عدة معها، واعتمد الإنجليز قطر منطقة انطلاقهم للسيطرة على الخليج العربى كاملا، لتتوالى المعاهدات بين البلدين وتكتمل بإعلان الحماية البريطانية على قطر فى 1916.
قطر تبدأ القرن العشرين بلعب دور الجاسوس البريطانى فى الخليج
فى السنوات التالية لإعلان الحماية البريطانية على قطر فى 1916، بدأت أسرة "آل ثانى" سلسلة من المباحثات مع بريطانيا، مطالبة بضرورة تسليحها وفقا لبنود الاتفاقية، إلا أن الأخيرة ظلت عازفة عن تسليحها، مكتفية بمطالبة السعودية بعدم المساس بجارتها، واستطاعت على الجانب الآخر أن تجعل قطر منطقة نفوذ للمملكة العظمى فى المنطقة، وظلت إنجلترا مستفيدة من الولاء القطرى لها فى دعم قوتها ونفوذها بمنطقة الخليج، فى مواجهة التهديدات الألمانية للدولة البريطانية، والمحاولات العربية لتحرير المنطقة واستقلالها ووحداتها.
قطر تشم رائحة الاستقلال وتبدأ رحلة "النشوز" الثانية
مع بداية 1968، أعلنت بريطانيا سحب قواتها من كل المناطق الواقعة شرق قناة السويس، وفى 1971 أنهت معاهدتها مع قطر، وحصلت الإمارة على استقلالها لتكون دولة مستقلة ذات سيادة كاملة، وتنضم فى الشهر نفسه لجامعة الدول العربية والجمعية العامة للأمم المتحدة.
ظلت قطر بعد هذا التاريخ تشهد انقلابات عديدة من الأبناء على الآباء طمعا فى الحكم، انقلب خليفة بن حمد على ابن عنه أحمد بن على آل ثانى فى 1972، ثم انقلب حمد بن خليفة على أبيه فى 1995، وفى هذه الفترة بدأت قطر بقيادة حمد رحلة "النشوز" الثانية عن الخليج، بانتهاجه الطريقة البراجماتية نفسها لأجداده والخروج عن كل توافق عربى، وكانت البداية مع قناة الجزيرة القطرية التى طالت بتقاريرها الأمراء والحكام العرب بالتطاول والتجاوز وكسر المألوف فى الإعلام العربى، وتسببت فى خلافات كبيرة انتصر فيها "حمد" لقناته على أمراء الخليج، وفى الوقت نفسه استمر مسلسل الانقلابات، بانقلاب ناعم من تميم على أبيه حمد بن خليفة فى العام 2013، رعته موزة آل مسند، زوجة حمد، سعيا لاقتناص عرش الإمارة لابنها وحسم المنافسة مع إخوته غير الأشقاء، الأكبر والأحق بالإمارة.
القرن 21.. قطر تمهد لإسقاط الأنظمة العربية وتهديد دول الخليج
فى الفترة من 2005 حتى 2011، اعتمدت الجزيرة سياسات مهاجمة للأنظمة العربية، بما فيها دول الخليج، ودعمت قطر بأموالها وإعلامها كثيرا من الحركات السياسية والمسلحّة، تمهيدا لاستخدامها مستقبلا فى إطار أجنداتها وأهدافها، وجعلها "شوكة" فى ظهر الأنظمة العربية والخليجية.
مع انطلاق ثورتى تونس ومصر، فى ديسمبر ويناير 2011، اعتمدت الجزيرة سياسات وتغطيات تليفزيونية ملونة، هددت دول الخليج وحرضت على حكامها، وكانت نتائجها الأولى مع دول الأطراف، اليمن وسوريا نموذجا، كما شهدت البحرين توترات مدعومة من الدوحة وبإشراف رئيس وزرائها حمد بن جاسم، وهنا اشتد الخلاف بين دول الخليج وقطر التى دعمت الجماعات المسلحة والمتطرفة فى اليمن، رغم علمها بخطورة ذلك على الشقيقة السعودية، وظل العناد القطرى فى التعاطى مع قضايا المنطقة متنقلا من اليمن إلى سوريا إلى ليبيا، ومتصاعدا بخطى مشتعلة، حتى جاء تميم إلى الحكم فى 2013 بعد انقلاب ناعم على والده.
تميم يواصل خيانة أجداده لشعوب الخليج والمنطقة العربية
كانت الطعنة الأولى من "تميم" لحكام العرب بخيانة اتفاق الرياض الموقع على مرحلتين، الأولى فى 2013، والثانية الملحق التكميلى فى 2014، إذ خالف الأمير القطرى تعهداته بعدم التدخل فى شؤون دول الخليج، والتخلى عن دعم الإخوان والجماعات الإرهابية المهددة لدول مجلس التعاون.
ظلت المحاولات العربية مستمرة مع "تميم" لإعادته لدائرة الالتزام القومى والعربى تجاه الأشقاء، ومطالبته بالوفاء بتعهداته وفق بنود اتفاق الرياض، ولكنه تنصل من كل تعهداته، حتى جاء فجر الخامس من يونيو 2017، الذى أعلنت فيه نصف مجلس التعاون الخليجى، السعودية والإمارات والبحرين، ومعها مصر، المقاطعة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية الكاملة لقطر، الناشز عن وحدة الصف العربى والخليجى، بعد تصريحات أميرها الصادمة ضد وحدة الصف العربى، والداعية للتقارب مع إيران، لتؤكد التصريحات وما تلتها من مواقف، وما سبقها من تاريخ ملىء بالخيانة طوال خمسة قرون، أن "تميم" المدعوم من تركيا وإيران، وأجداده الذين خدموا البلاطين العثمانى والبريطانى، كانوا دائما شوكة فى خاصرة المنطقة العربية، وبالتأكيد سيظلون هكذا، ما لم تُكسر هذه الشوكة.
** المصادر
- تقرير بعنوان "مؤسس قطر".. موقع جامعة قطر
- بحث عن تاريخ قطر.. سجلات مكتبة الهند بمكتبة قطر الرقمية
- مقال "قطر إمارة مسالمة أم عدو لدود؟".. موقع إضاءات العربى
- دراسات عن التاريخ القطرى.. قسم التاريخ بموقع مدرسة المنار الدولية بقطر