تحول حدث إقالة وزير الحقانية «العدل» عبدالعزيز باشا فهمى يوم 5 سبتمبر 1925 إلى قنبلة أثارت الرأى العام، حسب وصف أحمد شفيق باشا فى «حوليات مصر السياسية– الحولية الثانية 1925» عن الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة.
تمت الإقالة لعدم تنفيذ «فهمى» قرار هيئة كبار العلماء بطرد الشيخ على عبد الرازق من زمرة العلماء بسبب كتابه «الإسلام وأصول الحكم»، مما أغضب رئيس الوزراء بالنيابة يحيى باشا إبراهيم «راجع ذات يوم 5 سبتمبر 2017»، وكان الملك فؤاد هو من يقف وراء هذه الأزمة كلها مصمما على معاقبة «عبدالرازق»، حسب تأكيد محمود عوض فى كتابه «أفكار ضد الرصاص» عند دار المعارف– القاهرة، مشيرا إلى أنه من اليوم التالى لإقالة وزير الحقانية «بدأ كل فريق يأخذ موقفا مع أو ضد كل طرف من طرفى الأزمة».
ويؤكد«شفيق باشا» أن القضية قسمت الرأى العام إلى فرق «فريق يتشيع إلى عمل دولة رئيس الوزراء بالنيابة «يحيى باشا إبراهيم» ويؤيده، وفريق يؤيد الوزير فى تمسكه برأيه وعدم إذعانه إلى مبادئ الظلم والاستبداد، وفريق آخر أظهر الشماتة فى اختلاف الحزبين المؤتلفين اللذين كانت تتألف منهما الوزارة «حزب الاتحاد وحزب الأحرار الدستوريين»، وفريق كان ينظر إلى الأمر من الوجهة الدينية، وآخر ينظر إليه من الوجهة الدستورية».
كانت جريدة «الاتحاد» هى لسان حال حزب «الاتحاد»، وتتزعم الدفاع عن تصرفات القصر ورئيس الوزراء بالنيابة، حسب تأكيد عوض، فيما كانت جريدة «السياسة» تخوض المعركة إلى جانب «فهمى» فهو رئيس حزب الأحرار الدستوريين، ووفقا للدكتور محمد حسين هيكل باشا فى الجزء الأول من مذكراته: «كان عبد العزيز باشا فهمى هو وزير الحقانية، وهو لذلك الوزير المسؤول عن على عبد الرازق، وكانت أسرة عبدالرازق من الأساطين التى يعتمد عليها حزب الأحرار الدستوريين، فأقل حقوقها على رئيس الحزب أن يحميها فى حدود القانون، وهذا ما اتجه إليه الرجل بكل نزاهة وأمانة واحترام القانون، ولهذا الغرض شكل لجنة لتنظر الموضوع».
كان هيكل رئيسا لتحرير «السياسة»، لسان حال «الأحرار الدستوريين»، ويذكر أسباب وقوفها إلى جانب «عبد الرازق» قائلا: «نحن محررى السياسة أخدنا على عاتقنا الدفاع عن حرية الرأى فى غير هوادة، معتمدين على أن كل قانون يخالف الحقوق الأساسية التى قررها الدستور للمصريين قد أصبح لاغيا بنص الدستور نفسه، وقد ظن قوم يومئذ أننا كنا فى هذا متأثرين بصداقتنا للشيخ على عبدالرازق ولأسرة عبدالرازق كلها، وربما كان فى هذا القول جانب من الصدق، لكن لم يكن هو الحافز الأقوى لنا، بل كان اعتدادنا برأينا وحصرنا على احترام الدستور، هو الدافع لشدتنا فى حملتنا، فتصون للمفكرين وأولى الرأى حريتهم وكرامتهم».
فى هذا السياق اشتعلت المعركة بين الصحيفتين «الاتحاد» و«السياسة» لعدة أيام تمسك فيها كل طرف بموقفه، وتبادلا الاتهامات، وكان يوم 6 سبتمبر «مثل هذا اليوم» من عام 1925 ساخنا فى هذا، حيث نشرت «الاتحاد» مقالا رئيسيا بعنوان «دين الله لن يصاب بسوء فى بلد ينص الدستور فيه على أن الإسلام دين الدولة»، وبعد أن فصلت أسباب خروج «فهمى» من الوزارة فى المقال، ونوهت بإرساله قرار هيئة كبار العلماء إلى لجنة أقسام القضايا لأخذ رأيها فيه قالت: وهل يدرى القراء ما هذه اللجنة التى أحال سعادته إليها قرار هيئة كبار العلماء؟ ثم كتبت بخط جلى كبير بارز فى المقال: «هى لجنة جل أعضائها من غير المسلمين»، وأضافت:»هل يكون من المعقول من سعادة الوزير السابق أن يستفتى فى قرار أصدرته أكبر هيئة دينية فى موضوع يتعلق بالدين لجنة رئيسها المسيو روستى ومن أعضائها المسيو غوره؟.. هل سمع أحد قبل اليوم، وقبل أن يفعل سعادة الوزير السابق «فهمى» ما فعل، أن قوما حكموا فى أمر دينهم رجالا يعتنقون دينا آخر؟
ونشرت «السياسة» مقالا رئيسيا بعنوان «أسباب سياسية لا أسباب دينية» دافعت فيه عن موقف وزير الحقانية، ومما جاء فيه: «الحقيقة أن المسألة ليست مسألة دين، ولكنها مسألة سياسية، ومهما يجاهد بعض الكتاب لسترها بستار الدين فهم أعجز من أن يستروها، ولعبتهم فى ذلك مفضوحة، والطريقة التى اتبعت فى إقالة عبد العزيز باشا فهمى طريقة شاذة لم تعرف الحياة الدستورية فى الأمم المتمدينة لها مثالا».
ولم تنته المعركة