على غرار حكاية جحا وحماره وابنه ، ثار الجدل خلال الأيام الماضية حول ثلاثة موضوعات تتعلق بحجاب الفنانات.
اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعى وانشغل الكثيرون بقصة حجاب المطربة اللبنانية أمل حجازى، وصورة الفنانة المعتزلة حلا شيحة التى نشرتها على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعى فيسبوك مرتدية النقاب، بينما اشتعل الهجوم والسخرية بسبب برنيطة الفنانة سهير رمزى، حيث ظهرت الأخيرة فى إحدى الصور التى نشرتها الفنانة نادية الجندى على صفحتها بموقع فيسبوك أثناء وجودها بصحبة عدد من أصدقائها فى الساحل الشمالى، وظهرت فيها سهير رمزى مرتدية برنيطة بدلا من الحجاب وظهرت بعض خصلا
ت شعرها.
وعلى اختلاف الحالات الثلاثة ظهر حجم التناقض الذى نعيشه وحجم ممارسة كل منا لهواية التدخل فى حياة الآخرين ومصادرة حقوقهم طبقا لهواه وميوله وأفكاره.
وكما لم يستطع جحا إرضاء الناس الذين سخروا منه حينما ركب الحمار وترك ابنه يمشى ، فاتهموه بالقسوة، وحين ركب الابن على الحمار وسار جحا ، فاتهم الناس الابن بالعقوق، وحين نزل جحا وابنه من فوق الحمار فاتهمها الناس بالحماقة والجنون ، حتى باع جحا الحمار ليريح نفسه من كلام الناس واتهاماتهم.
هكذا تعددت اتهامات الناس واختلفت حول حجاب أمل حجازى ونقاب حلا شيحة وبرنيطة سهير رمزى.
أثار إعلان الفنانة اللبنانية أمل حجازى ارتدائها الحجاب عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك مصحوبا بصورها وهى ترتدى غطاء الرأس، وكلمات تؤكد فيها أنها تشعر منذ سنوات بألم داخلى بسبب الصراع بين الدين ونوع الفن الذى تقدمه، ردود أفعال واسعة، بين مؤيد ومرحب بالقرار، وبين من شنوا هجوما عليها بسببه، ما بين منتقد لشكل حجابها ومشكك فى نيتها، ورافض لفكرة الحجاب من الأساس، بينما طارد أخرون الفنانة بصورها الجريئة قبل قرار الحجاب.
وعلى النقيض مما حدث مع أمل حجازى جاءت حملة السخرية والغضب من الفنانة سهير رمزى بسبب صورة لم تنشرها، ولكن نشرتها الفنانة نادية الجندى على صفحتها بموقع فيسبوك أثناء وجودهما معا بالساحل الشمالى، وانهالت التعليقات بأن سهير رمزى تخلت عن الحجاب بعد 24 عاما من ارتداءه لأنها ظهرت فى الصورة وهى ترتدى برنيطة فوق رأسها تظهر منها خصلات شعرها، بينما تحتفظ بملابسها الفضفاضة.
لم تكن هذه هى المرة الأولى التى تشتعل فيها حملات الهجوم على سهير رمزى وغيرها من الفنانات اللاتى ارتدين الحجاب أو قررن الاعتزال بسبب ظهور بعض الخصلات الشعر من رؤوسهن، فقد سبق وشن الكثيرون حملة انتقاد لسهير رمزى عام 2015 ، وأكدوا أنها خلعت الحجاب، وهو ما نفته الفنانة مؤكدة استحالة أن تخلعه ، وأنها ستدخل قبرها به، وقالت وقتها :"مش معنى إن خصلة من شعرى بانت فى حدث أو احتفالية غصب عنى إنى خلعته."
ونفس السيناريو حدث مع الفنانة شهيرة وصابرين وغيرهن من الفنانات اللاتى ارتدين الحجاب أو أكدن أنهن محتشمات.
وجاء رد سهير رمزى على حملة الانتقادات الأخيرة معبرا عن حالة بائسة من اضطرار البعض لتبرير أمر يتعلق بحريتهم وحياتهم الشخصية أمام حملات هجوم تافهة تعبر عن خواء مجتمعى ، وحالة من التصيد المقيت قائلة : "حجابي أمر شخصي بحت ويخصني بمفردي..أنا مش محجبة ولكني محتمشة.. ومش عيب أبداً إني ألبس بورنيطة خاصة وأنا في المصيف".
وأضافت: "كنت مع أهلي وأصدقائي المقربين وفي مصيف ومثل أي محجبة ارتديت "بورنيطة" أو "كاسكتة" وبطبيعة المكان ومع الهواء الشديد، ظهر جزء من شعرى فاعتقد البعض أننى خلعت الحجاب".
اضطرار سهير رمزى أو أى امرأة لتقديم مثل هذه التبريرات لمجتمع اعتاد الهجوم الدائم على المرأة بسبب مظهرها أيا كانت محجبة أو منتقبة أو بدون حجاب، يعبر عن حجم القهر النفسى والحجر على الحريات الذى نمارسه على بعضنا البعض، سواء تحت شعار الفضيلة والتدين أو الحرية والتحرر.
فلماذا نجبر شخصا تحت ضغط الهجوم إلى أن يقدم مثل هذه المبررات ليدافع عن نفسه أمام حملات مريضة وسياط الغل والتفاهة والسادية التى نجلد بها بعضنا بعضا ، ويكون للنساء منها النصيب الأكبر، لماذا يتطفل كل منا على الأخر فى أمر يتصل بقناعاته وحريته وعلاقته بربه ، بهذه الصورة الفجة والبشعة.
هكذا أيضا اشتعل الهجوم على الفنانة المعتزلة حلا شيحة ، بعد نشر صورها بالنقاب على صفحتها الشخصية ، واتهمها الكثيرون بالرجعية والتخلف، مؤكدين أن عليها أن تختفى ولا تظهر مطلقا طالما ارتدت النقاب.
الثلاث نماذج للهجوم على كل من سهير رمزى وحلا شيحة وأمل حجازى ، تعبر عن نظرة مجتمعنا للمرأة فى كل أحوالها، منتقبة أو محجبة أو بدون حجاب، تعبر عن ملاحقتنا للنساء وعدم احترامنا لاختيارات المرأة وحريتها ومظهرها وعلاقتها بربها، وعن تاريخ طويل من القبح والقسوة والحكم على النوايا ، بدأ منذ اعتزال وحجاب شمس البارودى ومستمر حتى الأن.
ما الضرر الذى يلحق بأى من المهاجمين فى أن ترتدى فنانة أو امرأة عادية الحجاب أو النقاب أو أن تخلع أى منهما، طالما لم تدعى أنها على صواب وغيرها على خطأ، ولم تتقمص دور الداعية أو القديسة أو المدافعة عن حريات النساء، و هل حصل أى منا على صكوك المغفرة والفضيلة ليتهم غيره ويفتش فى نواياه ؟ّ.
فلترتدى أى امرأة الحجاب أو تخلعه، ولتختار النقاب أو تتخلى عنه، ولنترفع عن تفاهات الهجوم على النساء بسبب مظهرهن، فارتداء الحجاب والنقاب ليس دليلا على احتكار الإيمان والعفة ، وتركهما ليس دليلا على الفسق وسوء الأخلاق، وبعيدا عن فرضية أى منهما أو الحديث فى أمور فقهية، فلا تتحدد شخصية المرأة وأخلاقها بحجم قطعة قماش على رأسها، ولن نتقدم طالما يشغل الكثيرون منا أنفسهم باختيارات النساء للشكل الذى يردن الظهور به ، ولن ترضى النفوس الضعيفة ومعشر التافهين عن النساء فى مجتمعاتنا مهما اختلفت صورهن ما بين الحجاب والنقاب والسفور ..فارحمونا من التفاهات يرحمكم الله.