لم تكن تتخيل رضا أن ابنتها زينب محمد محمد دياب ستفارق الحياة، عقب "دور البرد"، الذى ألم بها قبل بداية الفصل الدراسى الثانى، وعلامات الخوف على وجه الطبيبة الخاصة، التى أخبرتها أن تذهب على عجل لمستشفى المنزلة العام، لم تكن مجرد انزعاج طبيب لم يستطع تشخيص المرض، إنما كانت جرس إنذار.
شهد مركز المنزلة، شمالى محافظة الدقهلية، وفاة ما يقرب من 9 أطفال، تتراوح أعمارهم بين 5 أشهر إلى 6 سنوات، بأعراض تشبه الأنفلونزا العادية، وترددت أنباء حول وجود فيرس غير معلوم، يتسبب فى وفاة الأطفال، فى الوقت الذى نفت فيه وزارة الصحة، على لسان المتحدث الإعلامى بها هذه الأنباء.
تقول رضا والدة زينب والمقيمة بقرية الأحمدية التابعة لمركز المنزلة بمحافظة الدقهلية، أن نجلتها كانت تعانى منذ ما يقرب من أسبوعين من إسهال مزمن وتبعته كحة شديدة وضيق فى التنفس، فقامت بالذهاب لإحدى الطبيبات بعيادتها الخاصة فأخبرتها بضرورة التوجه للمستشفى بشكل عاجل.
ذهبت زينب إلى المستشفى برفقة والدتها، لم تكمل ساعات قليلة وتوفيت فى الحال، بعدما قام طاقم التمريض بتعليق محلول لها، وجاءت شهادة وفاة الطفلة معللة السبب بالتهاب رئوى وضمور فى المخ.
يقول الدكتور سعد مكى وكيل وزارة الصحة بالدقهلية، إن مستشفى المنزلة منذ بداية يناير الماضى وحتى الآن استقبل 7400 طفل من دائرة مركز المنزلة للعلاج بالمستشفى، من أصل 53 ألف طفل مقيمون بالمركز من سن يوم وحتى 5 أعوام، توفى منهم 4 أطفال فقط، منهم اثنان مولودان بعيب خلقى الأول مصاب بضمور بالمخ، والآخر مصاب بعيب خلقى فى القلب، وأصيب بالتهاب رئوى ووصل المستشفى وهو فى حالة متأخرة فتوفى، الأمر الذى علقت عليه والدة زينب إن ابنتها لم تكن تعانى من أى ضمور وكانت ذكية وتذهب للحضانة بشكل طبيعى.
زينب لم تكن الطفلة الوحيدة، التى وافتها المنية، بمستشفى المنزلة العام، عقب أعراض أنفلونزا شديدة، بل توفى أطفال آخرون بقرى مختلفة محيطة بمدينة المنزلة، فبحسب مصدر طبى وصل عدد الأطفال الذين وافتهم المنية بعد دخولهم للمستشفى 9 حالات لأسباب غير معلومة، فيصاب الأطفال بأعراض تشبه أعراض الأنفلونزا الموسمية، ولكنهم لا يستجيبون لعقارات الأنفلونزا ويتوفون فى الحال.
وعلى إثر ذلك لم يمهل الوقت الطفل مازن رامى حسن النقيب، 5 أشهر بقرية العجيزية، بمركز المنزلة، المولود الأول لوالدته، حيث أصيب بأعراض أنفلونزا وذهبت به والدته للطبيب، فأمرها أن تذهب إلى المستشفى بشكل عاجل، والدته التى لم تتمكن من الحديث لـ"انفراد"، مطلقة لدموعها العنان، حزنا على فراق مولودها الأول قالت "يارتنى مارحت المستشفى".
وقالت جدة الطفل لأمه فى حديثها لـ"انفراد"، إنه أصيب بأعراض تشبه أعراض الأنفلونزا، فذهبت والدته لأحد الأطباء الذى أخبرها بضرورة الذهاب للمستشفى، وبالفعل ذهب الطفل للمستشفى يوم الأربعاء وتم إعطاؤه محلولا، وفى اليوم التالى وافته المنية دون أى أسباب واضحة أيضا.
قلق لا يتوقف حول مستشفى المنزلة العام، تشديدات أمنية من أفراد الأمن الإدارى بالمستشفى، عيونهم لا تتوقف عن متابعة كاميرات الصحفيين، فتقرير مديرية الصحة بالدقهلية، أكد بشكل قاطع أنه لا يوجد فيرس مجهول، أودى بحياة 9 أطفال بالمستشفى، وأن الوفيات بلغت 5 أطفال فقط، وأن 5 أطفال يتوفون فى موسم واحد من بين 53 ألف طفل بمركز المنزلة، فهى نسبة جيدة جدا ـ على حسب تصريحات الدكتور سعد مكى وكيل وزارة الصحة بالدقهليةـ.
بمنزل عبده القطان بمدينة المنزلة، لم يعبأ أحد بتصريحات "مديرية الصحة"، ولا يعتبرون أن وفاة 5 أطفال نسبة جيدة جدا، فقد رحلت ابنتهم "نورا" المولودة الأولى لوالديها أيضا بعد 6 أشهر من ولادتها، والتى وافتها المنية فى 31 يناير الماضى، بعد إصابتها بنفس الأعراض إلا أن والدتها كشفت جانب آخر حول الإهمال بالمستشفيات، مشيرة إلى أنها ظلت أكثر من نصف ساعة بعد دخولها المستشفى بطفلتها فى حالة حرجة وبعد ذلك تم إيداعها بقسم الأطفال، وتم وضعها على جهاز التنفس، ولم يقدم لها أية رعاية سوى ذلك.
وتضيف والدة "نورا" أن أنابيب الأكسجين جميعها بطرقات المستشفى، تقوم الممرضات بسحبها لداخل القسم، ومعظمها غير صالحة للاستخدام، وصمامات الهواء بها تعمل بشكل سيئ، وعندما أخبر الفنى الممرضة بهذا الأمر قالت له "ركبها كل الأنابيب منظمتها مفوتة" بحسب قولها، وتوفيت الطفلة بعد 24 ساعة من دخولها للمستشفى.
أما "مكى" فيضيف أن الطفلين المتوفين الآخرين أحدهما مصاب بالتهاب رئوى والآخر بنزلة معوية شديدة، وحول ما تردد من وفاة 9 أطفال، قال "مكى" إن ما دون بسجلات المستشفى وفترة دخول وخروج الأطفال وتسجيلات وفياتهم هم أربعة أطفال فقط، كل طفل مختلف عن غيره من المرحلة العمرية، وأيضًا مختلفين فى مواعيد دخولهم للمستشفى، ومقيمين بأماكن مختلفة هم "قرية العزيزية وقرية البصراط وقرية المعصرة، وبندر المنزلة" ولا تربطهم أى عوامل مشتركة حتى يصيبوا بوباء أو فيروس مجهول.
"انفراد" تكشف اختلاف العدد المنطوق على لسان أسر الأطفال 9، والعدد الرسمى الذى أعلنت عنه مديرية الصحة بالدقهلية، فتقول والدة نورا "ولم يعط المستشفى لنا شهادة صحية، ولم نتمكن من استخراج تصريح دفن وبقية الأوراق دون تلك الشهادة، ولم نستخرج أيضا شهادة وفاة، وعدنا مرة أخرى للمستشفى وحصلنا على التقرير الطبى بالقوة، الذى جاء به سبب الوفاة التهاب رئوى أيضا.
فيما قام العديد من أهالى مدينة المنزلة، والقرى المحيطة، بتناقل الشائعات، لأسباب المرض، فمنهم من قال إن أنفلونزا الخنازير هى السبب وراء وفاة الأطفال، وآخرون يرون أن فيروس "زيكا" وصل مصر وهو السبب وراء وفاة الأطفال، إلا أن الأسباب لا تزال غائبة حتى الآن.
مديرية الصحة بالدقهلية، على لسان وكيل وزرة الصحة بالدقهلية، قامت بإرسال لجنة لمتابعة الموقف والوصول للأسباب الحقيقة وراء وفاة الأطفال، كما أرسلت وزارة الصحة لجنة أيضا لفحص المستشفى والحالات، إلا أن إدارة المستشفى ومديرية الصحة لم تقم بالاتصال بذوى الأطفال، بأى شكل من الأشكال، ولم تحاول فحص المخالطين للأطفال وأشقائهم، تحسبا من انتشار أى فيروس أو ميكروب.
وقال الدكتور خالد الصياد أحد أطباء الأطفال بالمستشفى، إنه فور ملاحظة زيادة عدد الأطفال المتوفين تم إبلاغ إدارة الطب الوقائى بمديرية الصحة للوصول إلى نوع الفيروس المسبب للوفاة بالتزامن مع عزل الحالات المشتبه بها وإعطاء عقار التامفيلو المعالج لفيروس الأنفلونز.
وأضاف "الصياد" أن لحنة من إدارة الطب الوقائى بمديرية الصحة، قامت بزيارة لمستشفى المنزلة، وتم مناقشة الظروف المرضية الخاصة بحالات الوفاة، مع اللجنة والوصول إلى استنتاج مبدأى، هو حدوث الوفاة نتيجة نوع من الفيروسات المسببة للنزلات المعوية، مع وجود نزلة شعبية فى بعض الحالات، وتم أخذ مسحات وعينات دم من كافة الحالات المشتبه بها، والمتواجدة بالقسم للاطمئنان على عدم وجود انتشار وبائى لفيروس أنفلونزا الطيور أو الخنازير.
وتابع الصياد أنه لم تحدث حالات وفاة فى الأطفال المخالطين للأطفال المتوفين فى نفس المنزل والذين تم عزلهم فى قسم الأطفال من المصابين بنزلات معوية أو شعبية، و تحسنت حالاتهم موضحا أنه حتى الآن لم يصل من إدارة الطب الوقائى بمديرية الصحة تحديد لنوع الفيروس المسبب لحالات الوفاة المفاجأة، ولكن يمكن تأكيد أنه لا يوجد أى انتشار وبائى للفيروس كما أن آخر حالة وفاة حدثت منذ أكثر من أسبوع بحسب قوله.