يكفى اسم محمد حسنين هيكل وكتاباته لتعرف أنه شاهد على عصر كامل بسياسته وثقافته وبرجاله فى كل الجوانب التى صنعت مصر، وأثرت فى مناطق أخرى مختلفة من العالم فعلى مدار عمره المديد كانت له علاقاته العميقة بصناعة الثقافة فى مصر وبعدد كبير من المثقفين، والجميع يعرف علاقته بنجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس، الذين فتح لهم أبواب الأهرام، كما خاض مع نجيب محفوظ أزمة رواية "أولاد حارتنا" التى بدأت الأهرام نشرها مسلسلة قبل حدوث الأزمة، لكن هناك مثقفون آخرون كانت علاقتهم بـ"هيكل" قوية ومنهم ومن هؤلاء الكتاب جمال الغيطانى والدكتور والمفكر عبد الوهاب المسيرى، والشاعر الراحل عبد الرحمن البنودى، والروائى الكبير يوسف القعيد.
هيكل وعبد الوهاب المسيرى
ربطت محمد حسنين هيكل والعلامة الدكتور عبد الوهاب المسيرى علاقة وطيدة يحكمها التقدير والإعجاب المتبادل، وعندما تقلد هيكل وزارة الإعلام عين المسيرى مستشارا فى وزارته، وكانت العلاقة بين هيكل والمسيرى علاقة شخصية وفكرية وكانا يلتقيان كل أربعاء بمكتب هيكل المطل على النيل فى الدقى، وعندما قرر هيكل ترجمة كتابة “عودة آية الله” من الإنجليزية للعربية، عهد إلى المسيرى بالمهمة ونشره تحت اسم “مدافع آية الله”.
هيكل وجمال الغيطانى
كما توجد علاقة قوية من الصداقة التى تربط الأستاذ محمد حسنين هيكل والروائى الراحل جمال الغيطانى، وقال عنه الغيطان، إن هيكل صحفى عظيم، وأكبر مثقف فى مصر والعالم العربى بالمعنى الحقيقى، وهذا الرجل يرجع إليه الفضل فى إبراز دور الثقافة المصرية فى الخمسينيات والستينيات بحكم موقعة بالأهرام، وبما لديه من وعى كبير، وقد عمل على توفير المناخ المناسب للكتاب والمثقفين لأن يكتبون مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وثروت أباظة، فكنا نحلم بأن نكتب بالأهرام وكنا نتخيل أنه عندما نكتب بها يكون شعر الرأس شاب، ولكن بفضل هيكل الذى حمى الكتاب كتبنا بها، فهو أستاذى وله دور كبير فى خدمة الثقافة.
هيكل وعبد الرحمن الأبنودى
قال هيكل فى ديوان الأبنودى الأخير "مربعات" الذى قدمه له: "لا يحتاج إلى من يقدمه للناس، لأنه حاضر أمامهم طلعةً وطّلة، وصوتًا هادرًا، وجاذبية مغناطيس يشد ما حوله، ولا يحتاج إلى من يحلل الإنسان فيه، فالخلاصة فى شأن الأبنودى، أنه شراع على النيل جاء من صعيد مصر، مرتحلًا إلى الشمال، حاملًا معه خصب النهر العظيم، ينثره حيث يصل، ويحول الطمى بالفن إلى زهر وورد - وإلى شوك أحياناً، ولا يحتاج إلى من يمهِّد لعمله، فذلك العمل أغنية تتردد صوتاً وصدى فى أرجاء الوطن".
وحين سألنى «عبدالرحمن الأبنودى» إذا كنت أستطيع تقديم مربعاته عندما تنشر على شكل كتاب، فإن طلبه أسعدنى، ليس فقط لأننى كنت أتمنى لهذه المربعات أن تظهر كاملة على شكل كتاب، وإنما سعادتى أن طلبه جاء فرصة متجددة أقرأ فيها المجموعة موصولة ببعضها، بعد أن تابعتها يوما بيوم تنشر متقطعة على صفحات جريدة يومية.
هو شاعر عاش وسط الجماهير وهى تحاول بالثورة أن تصنع مستقبلا، وهو لا يغنى لهذا المستقبل من بعيد، وإنما ينشد من وسط الجموع وبلغتها، وهى تتدافع بالزحف أحيانا، وبالتراجع أحيانا أخرى، خطوة بالأمل وخطوة بالإلم، وهى أحيانا صيحة بالفرح تهلل، وفى أحيان أخرى جرح بالوجع مفتوح.
والثائر الشاعر فى قلب المعمعان، هو الثائر يوما، وهو الشاعر فى اليوم التالى، هو بالفعل فى الصبح، وهو الضمير فى المساء.
هيكل والقعيد
قام الأستاذ محمد حسنين هيكل باختيار الروائى يوسف القعيد لإجراء العديد من الحوارات فى مختلف المجالات فقد تكون فى السياسة أو الفن والثقافة، وكان يجمع بينهما صداقة قوية حيث ذهب الأستاذ الاحتفالية التى نظمتها دار الهلال للاحتفال بعيد ميلاد القعيد السبعين.
ومن جانبه أصدر يوسف القعيد كتابا يحمل عنوان " "هيكل يتذكر.. عبد الناصر المثقفون والثقافة"، والذى قدم من خلاله الإجابات التاريخية والسياسية التى لم يستطع المؤرخون والسياسيون التحدث عنها، وقال القعيد عن الكتاب لم أخجل فى طرح الأسئلة على أستاذى.
اختار هيكل الأديب والكاتب يوسف القعيد لإجراء عدة حوارات حول الأدب والفن والسياسة وأكد محمد حسنين هيكل أن بطل ثورة 1952 هو الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وأن هنالك العديد من اللقاءات التى كانت تضم هيكل وجمال عبد الناصر فى الحقبة التاريخية التى مرت بها البلاد، مما استدعاه إلى أن يعينه وزيرا للإرشاد القومى (الإعلام)، وكان من أهم الحوارات التى أجراها هيكل فى السنوات الأخيرة.
وقال يوسف القعيد عن هيكل، عرفته بعد أن ترك الأهرام وكان متفوق على الأهرام نفسها وأشهد أنه لم يرفض أى سؤال ولم يعترض على أى سؤال وطلب منى عدم نشر أى شىء يتعلق بالأمور الشخصية التى لا تؤثر فى المجتمع العام، كما أن لديه الحس الروائى، فهو روائيا من التراث الأول لقدرته على الحكى والسرد لما يشاهده، ولا يحكى أى موقف إلا إذا كان طرفا فيه بشكل مباشر.
وحول علاقته بالزعيم جمال عبد الناصر، قال القعيد أن هيكل تعرف على عبد الناصر فى معركة المنشية مع محمد نجيب ووجد عبد الناصر ينام على سرير بسيط، وبعد ذلك ذهب عبد الناصر إلى هيكل ليطلب منه نسخة من كتابة إيران فوق البركان وكان اللقاء الحاسم فى منزل محمد نجيب قبل الثورة بسبعة أيام، وكان بينهم حوار ممتد وارتبط بعد الناصر، وهو يحكم وظل إلى اليوم مخلصا ومدافعا عن عبد الناصر بشكل موضوعى وجيد والكتاب يرصد الكثير من الحكايات.