انتهى العاهل المغربى الملك الحسن الثانى يوم 17 سبتمبر 1965 من توديع الملوك والرؤساء العرب المشاركين فى مؤتمر القمة العربية بمدينة «الدار البيضاء»، وفى يوم الأحد 19 سبتمبر كان مع جمال عبدالناصر فى الطريق بالقطار إلى العاصمة المغربية «الرباط»، وحسب محمد حسنين هيكل فى كتابه «سنوات الغليان» عن «مركز الأهرام للترجمة والنشر - القاهرة»: «كانت أمامهما صحبة تمتد خمسة أيام بلياليها، وكان الحسن اتفق مع عبدالناصر على أن يبقى بعد انتهاء المؤتمر لعدة أيام يقوم فيها بزيارة للمغرب، وكان الملك يريد أن تكون الزيارة مزيجا من العام والخاص، ولذلك حرص على أن يتضمن البرنامج زيارات لبعض مدن المغرب الرئيسية (الرباط، مكناس، ايفران)، كذلك كان حريصا على أن يجعل البرنامج مفتوحا إلى أكبر حد ممكن، حتى يتيح لنفسه ولضيفه فرصة كافية لأحاديث طويلة».
فى يوم الثلاثاء 21 سبتمبر «مثل هذا اليوم» من عام 1965، عقد الملك والرئيس أهم اجتماع بينهما فى قصر «ايفران» الواقع وسط الجبال المغطاة قممها بالثلوج فى أجمل منطقة من مناطق المغرب، وحسب هيكل: بدأ الملك بأن أشار إلى قلقه من الخطة التى عرضت على المؤتمر لتحرير فلسطين، وأبدى تخوفه من أن مثل «هذه الأوهام» كتبت على ورق، وعلق عبدالناصر على ذلك بقوله، إنه من سوء الحظ أن بعض الزعماء العرب لا يفرقون بين «القدرة على الحلم» و«القدرة على الفعل»، وأنه أول من يعرف أن المعركة مع إسرائيل حتمية، لكن أوانها مازال فى مستقبل بعيد لم تتوفر شروطه حتى الآن، وهو «لم يجد غضاضة فى أن يصارح الجماهير العربية بذلك رغم أنه كان يعرف مقدما أن هذه المصارحة ستعرضه لانتقادات من جانب البعض».
راح «عبدالناصر» يشرح تصوراته لتوجهات العمل العربى فى المرحلة القادمة، وكان تقديره «أن المعركة الحالية والدائرة فعلا والموجبة لاهتمام العالم العربى كله هى معركة الجنوب العربى والخليج العربى، فهذه آخر معاقل السيطرة البريطانية فى الشرق العربى، وقال، إن قيام ثورة فى اليمن طرح بشدة مسألة تحرير الجنوب والخليج، ورفعها إلى أعلى فى قائمة الأولويات العربية، فالإنجليز الذين يركزون جهدهم الآن ضد الثورة اليمنية لا يفعلون ذلك بسبب اليمن ذاته، ولكن بسبب رغبته فى تسوية الأوضاع فى الجنوب العربى وفى الخليج، فى غيبة من أى تواجد أو تأثير لبقية الأمة العربية»، ثم أبدى عبدالناصر أن «الملك شاهد على كل الجهود التى بذلها من أجل تصفية الأجواء فى العلاقات بين مصر والسعودية، وأنه لهذا السبب ذهب مبادرا إلى مقابلة الملك فيصل فى جدة الشهر الماضى، وكان بين أهدافه أن يكون الملك على ثقة أن المطلوب الأول فى شبه الجزيرة العربية ليس هو إحراج السعودية، ولكن إخراج بقايا السيطرة البريطانية من الجنوب العربى والخليج، وأنه حاول قدر ما يستطيع طمأنة الملك، ولكن المشكلة تكمن فى أن بعض العناصر والمصالح تركز جميعا على إثارة مخاوف الملك، بينما يرى هو «أى جمال عبدالناصر» أن استكمال مهام تحرير الجنوب والخليج هو دعم للسعودية وليس تهديدا لها.
قال الملك، إنه يريد أن يفتح قلبه للرئيس، فهو شديد الإحساس فى أعماقه بالصلات التاريخية والثقافية بين مصر والمغرب، وهو لا يستطيع أن ينسى لمصر دورها فى مقاومة المخطط الاستعمارى الذى أبعد والده عن العرش، كذلك فهو مؤمن بأن مستقبل المغرب موصول بالعلاقات مع المشرق وبدور مصر فيه، ثم أشار إلى أنه ليست هناك خلافات بين البلدين سوى أن بعض الساسة المغاربة من المعارضة يستغلون صلاتهم بمصر وبالرئيس شخصيا، وهذا الوضع يحدث التباسا فى العلاقات بين البلدين تستحسن مواجهته بالمصارحة والاتصال الدائم، وأشار الملك بوضوح إلى النشاط الذى يقوم به الزعيم المغربى «المهدى بن بركة»، وقال «جمال عبدالناصر» إنه يعتبر «بن بركة» صديقاً، وهو رجل يقوم بدور كبير فى الحركات السياسية التى يزخر بها العالم الثالث، وأضاف عبدالناصر أنه يخشى أن يكون هناك من يضخمون الأمور أمام الملك، وألمح إلى الدور الذى يقوم به الجنرال محمد أوفقير، وزير الداخلية، لكنه أكد على أن آخر ما يفكر فيه هو أن يقحم نفسه على الشؤون الداخلية للمغرب.
و عبد-الناصر