لأسرة متوسطة الحال.. ولد حسنين هيكل فى 23 سبتمبر عام 1923 فى حى الحسين بالقاهرة.. وكان والده تاجر حبوب من قرية بسوس بالقليوبية.. ونشأ الكاتب الصحفى فى شارع الجيش بحى باب الشعرية الشعبى بعدما اضطرت عائلته إلى مغادرة سكنها الأول بعدما قررت المحافظة آنذاك عمل توسعات، وهدم بيت والد الأستاذ القديم.
فى حى باب الشعرية.. تشكلت ملامح حسنين هيكل الذى درس فى مدرسة "خليل أغا"، إحدى المدارس التابعة لمدرسة التوفيقية الثانوية، مدرسة التجارة المتوسطة بعدما اضطرته الظروف للتنازل عن حلمه الأول بأن يُصبح طبيبًا.. وكاد مسار حياة الكاتب الصحفى يتغير بعدما طلب منه والده ألا يُكمل دراسته بعد وفاة أولاده من زوجته الأولى لذا أراد الاستعانة بأكبر أبناءه من زوجته الثانية فى علمه بتجارة الحبوب إلا أن عم هيكل أصر على استكمال تعليمه.. وبالفعل كان يُراعى شئونه بنفسه حتى مراحل متقدمة من عمره.
باسوس الأصل
بالنسبة لقرية باسوس فى محافظة القليوبية لم تكن لها حيز كبير فى حياة هيكل سوى أنها اعتاد على زيارتها مرة كل أسبوع أو أسبوعين من أجل زيارة أقاربه هناك فى بيتهم المقابل "للجسر" أى نهر النيل.. وداوم هيكل على ذلك من أجل زيارة قبر والده لكنه انقطع عن الأمر بعدما قرر نقل رفات والده إلى مكان آخر لم يُطلع عليه أحد.
لم يكتف هيكل بالدراسة فى مدرسة التجارة المتوسطة وقرر مواصلة دراسته فى القسم الأوروبى بالجامعة الأمريكية، وخلال تلك الفترة تعرف على سكوت واطسون الصحفى، الذى استطاع عن طريقه الالتحاق بجريدة الإيجيبشيان جازيت فى 8 فبراير 1942، كصحفى تحت التمرين، التى مكنتها من الانطلاق فى عالم الصحافة.. وكان هيكل وقتها فى التاسعة عشرة من عمره.
وفى حوار مطول مع مجلة الهلال عام 2012، تحدث هيكل عن نشأته قائلا: "إن أول كتاب قرأته كان "أدب الدنيا والدين"، وعانيت كثيرا فى فهمه، وأعقبه دواوين الشعر وكتاب الأغانى للأصفهانى وكتاب ألف ليلة وليلة، ثم جذبتنى كثيرًا كتب السير الشعبية مثل "ذات الهمة"، و"الظاهر بيبرس" الذى يُعد أحد الشخصيات التى تأثر بها كثيرا والتى رأيت فيه صورة البطل".
وتابع الأستاذ حديثه عن جذوره الثقافية قائلا: "فى منزل جدى لوالدتى وهو من عائلة سلام المعروفة، كان هناك تقليد صارم لكل أطفال العائلة، وهو حتمية تعلم وحفظ القرآن الكريم، وكان فى بيت جدى "مندرة" مليئة بالكتب جمعها جدى وخالى من مكتبة صبيح بالأزهر، مؤكدًا: "البيت وتلك البيئة ساهمت بكل ما تحمله من زخم دينى فى تشكيل ملامح شخصيتى الأولى".
وفى يناير عام 1955 تزوج هيكل من السيدة هدايت علوى تيمور التى حصلت على ماجستير فى الآثار الإسلامية وأنجب منها على "طبيب".. وأحمد وحسن "رجال أعمال".. ويقول هيكل:" تربية الأولاد مسئولية أما الأحفاد متعة.. من خلال رؤية عيون طفل يضع الإنسان يده على الفوارق بين الأجيال".
لم يفصح هيكل عن الكثير حول حياته الخاصة لكنه كتب فى روز اليوسف عن تجربته مع بنت الجيران قائلا: "لن أنسى أبدا بنت الجيران الأولى، التى خفق لها قلبى.. ولن أنسى أبدا كيف كنت أسهر الليالى أكتب لها الخطابات الغرامية الملتهبة.. واللحظات الهانئة التى قضيتها معها فى ركن المنزل القديم أكل معها الشيكولاتة التى كنت أشتريها بكل مصروفى.. ولن أنسى يوم هجرتنى إلى ابن الجيران الآخر لأنه كان يشترى لها شيكولاته أكثر منى".
التكوين الصحفى
ويُعد من المراحل الفاصلة فى حياة هيكل تعرفه على البكباشى جمال عبد الناصر، خلال عمله الصحفى وقت حرب فلسطين عام 1948، الأمر الذى أثر على مسيرته المهنية بشكل كبير.. واستمر التقارب بينهما حتى وفاة الرئيس الأسبق.. وحول ملامح تكوينه الصحفى، أوضح هيكل أنه عمل بقسم الفن فى مجلة "آخر ساعة"، وكذلك مراسلا حربيا، نجحت فى تطبيق اثنين من نظريات العمل الصحفي؛ الأولى لأحد مراسلى الصحف الأجنبية فى القاهرة، والتى أكدت ضرورة أن يعمل الصحفى فى بداية حياته بقسم الجريمة أو الحوادث ليتعرف على خبايا النفس البشرية، وأن يعمل أيضًا مراسلا عسكريا ليكتشف كيف تلجأ الشعوب إلى الحرب عندما لا تجد حلولا لمشاكلها.
وتابع الكاتب الصحفى حديثه: "النظرية الصحفية الثانية كانت للدكتور محمود عزمى، والصحفى الشهير محمد التابعى، والتى أكدت على أن الصحفى فى بداية حياته عليه أن يعمل بقسم الفن ليتعرف على تفاصيل "الحياة" ولكن بصورة مصغرة، ثم عليه أن يعمل فى قسم البرلمان، ليتعرف أسرار وخبايا الحياة السياسية"، مضيفا: "فى فترة عملى بالصحافة الفنية ارتبط بعلاقة صداقة قوية مع الفنان نجيب الريحانى حيث كان يجلس معه بعد نهاية عروضه المسرحية".
الأستاذ هيكل كان له العديد من اللوازم الشخصية أشهرها قلمه الرصاص الذى لم يفارقه طيلة حياته وأيضًا سيجاره الفاخر.. فقد كان هاو للموسيقى والأدب والشعر.. وغناء وخصوصا صوت أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب.. كما كان حريصًا على حضور مهرجان موتسارت السنوى برفقة زوجته.. كما كان الكاتب الصحفى من عشاق رياضة الجولف التى يقول عنها:"الجولف ليس رياضة الأثرياء.. أغنياء مصر لا يلعبون الرياضة مشغولون بجمع المال.. رغم أن المشى أحسن وأجمل وأرخص رياضة فى الدنيا".
برقاش والنهاية
رحلة هيكل الطويلة التى بدأت من حى الحسين اختار لها الكاتب الصحفى النهاية بإنشاء قصر فى "قرية برقاش" التابعة لمحافظة الجيزة بعيدًا عن ضجيج المدن.. تلك القرية التى تحدث أهلها بفخر لوسائل الإعلام عن تواجد هيكل بجوارهم، مؤكدين أنه أسهم بالكثير من أجل تطوير القرية على صعيد المرافق أو المنشآت.
وأفرد هيكل مبنى مستقلاً داخل مزرعته فى هذه المدينة المتآخمة للقاهرة، لإنشاء مكتبة والتى تعرضت إلى حادث شهير بعدما التهمت النيران جزء منها فى عام 2013 بعدما اقتحمتها مجموعة من عناصر الإخوان عقب فض اعتصام رابعة العدوية.. ويقول الكاتب الصحفى عن المكتبة والحادثة: "أمنى نفسى بأن يكون الحريق فى مبنى مكتبة برقاش محدوداً، وأن تكون هذه المكتبة إحدى المكتبات الفرعية التى يحتفظ فيها ببعض ما يقتنيه من كتب حديثة، يسهل العثور على نسخ منها فى غيرها من المكتبات العامة والخاصة، وأطمئن نفسى بأن الوثائق التاريخية المهمة التى يحتفظ بصور منها، أو بأصول من بعضها، لم تكن من بين ما أودعه فى مكتبة برقاش وأتى عليه الحريق!".
وتابع صلاح عيسى حديثه: "طبقا لما قاله فى أحاديث صحفية نشرت قبل حوالى عشرين عاماً، فقد كان لديه آنذاك 175 ألف وثيقة مصرية، من بينها أوراق عبد الناصر والرسائل المتبادلة بينه وبين ملوك ورؤساء الدول العربية، وعشرات الساعات الصوتية المسجلة لعدد من الشخصيات السياسية التى لعبت أدواراً مهمة فى تاريخ مصر، قبل الثورة وبعدها، فضلاً عن 700 ألف وثيقة أخرى، جمعها فى شتى أنحاء العالم حول العلاقات العربية بكل من بريطانيا وفرنسا وأمريكا وإسرائيل".
وفى 28 سبتمبر عام 2009.. أرسل هيكل طلب إلى وزارة التنمية المحلية من أجل الحصول على تصريح لإنشاء مقبرة خاصة فى قصره بـ"برقاش".. والذى برره الكاتب الصحفى فى وقت لاحق أنها لا يرغب فى التسبب بالمتاعب لأولاده وأحفاده.