بدأ الرئيس السادات نشاطه فى يوم 9 أكتوبر(مثل هذا اليوم)من عام 1973 متأخرا، حسب تأكيد محمد حسنين هيكل فى كتابه «أكتوبر 73–السلاح والسياسة»، والسبب أنه لم ينم فى اليوم السابق إلا فى الفجر، وحينما استيقظ كانت الأخبار، التى وجدها فى انتظاره طيبة بعد قراءته للتقارير العسكرية عن سير القتال، على الجبهتين المصرية والسورية، وعن الموقف فى إسرائيل فى اليوم الرابع للحرب.
يؤكد هيكل أنه من أسباب رضا الرئيس، حادثة سمعها بنفسه من اللواء «حسنى مبارك» قائد سلاح الطيران، الذى روى له أنه كان موجودا بنفسه فى مطار المنصورة، عندما تعرض المطار لغارة جوية إسرائيلية تم فيها إسقاط إحدى طائرات العدو وأسر طيارها، وطلب اللواء مبارك أن يستجوب بنفسه الطيار الإسرائيلى الأسير، وقال له فى بداية الاستجواب، إنه راقب طريقة عمل تشكيله من مركز قيادته فى القاعدة الجوية، وأدهشته كمية الأخطاء، التى وقع فيها التشكيل، وسأله:«ماذا حصل لكم؟يظهر أنكم اختلفتم عما كنا نعرفه من كفاءتكم، ورد عليه الطيار الأسير قائلا: «سيدى نحن لم نتغير، ولكن أنتم تغيرتم»، وراح الرئيس السادات يروى هذه القصة سعيدا بها وفخورا.
يقدم «هيكل»صورة الموقف فى هذا اليوم(9 أكتوبر)فى إسرائيل وواشنطن وموسكو، ففى إسرائيل عاد الجنرال موشى ديان، وزير الدفاع من زيارة لجبهات القتال متشائما، ووجد طلبا من رؤساء تحرير الصحف الإسرائيلية يرجونه أن يجتمع بهم لكى يعرفوا الصورة لمجرد العلم، وليس للنشر فى مطلق الأحوال، وعرضها عليهم: إن الموقف على الجبهة الشمالية قد تم تثبيته، وأن الجزء السى منه قد انتهى، وأما القتال على الجبهة الجنوبية يمكن أن يطول، ومن الصعب جدا أن يتم أى نوع من السيطرة على الموقف فيها خلال الأيام العشرة القادمة..إن المصريين لديهم سلاح بلا نهاية، إنه شىء مذهل، إنه لمن المخيف أن يحارب المرء فى مثل هذا الوضع.. لا أستبعد تقدم الجيش المصرى لاحتلال آبار البترول فى أبورديس، بل إنه فى استطاعة المصريين الوصول إلى شرم الشيخ، وأضاف ديان: «ليست هناك تحركات على الجبهة الأردنية او اللبنانية ضد إسرائيل، وبضرب سوريا بسرعة فقد أصبح احتمال أى تحرك على الجبهتين الأردنية واللبنانية صعبا، وذكر ديان، أن لبنان أبلغ إسرائيل بطريقة سرية أنه لن يسمح باستعمال الجيش السورى لأراضيه تحت أى ظرف.
انعقد اجتماع عاجل لمجلس الوزراء، برئاسة جولدا مائير، وحسب هيكل، كرر فيه الجنرال ديان ما سبق أن قاله فى اجتماعه المغلق مع رؤساء تحرير الصحف الإسرائيلية، وكان المجلس فى حالة ذهول وهو يستمع إلى تقرير وزير الدفاع، وأثناء انعقاد الاجتماع اتخذت «مائير» عدة إجراءات هى: طلبها من نائبها «آللون» أن يقابل السفير الأمريكى ليستعجل صفقات السلاح من أمريكا، وبالفعل وصل السفير الأمريكى «كيتنج»إلى مقر رئاسة مجلس الوزراء، وقابل «آللون» ومعه وزيره المفوض «فاليوتس»، وكان الإجراء الثانى هو، أنها أبدت رغم التأكيدات الواصلة لإسرائيل عن طريق الاتصال السرى مع لبنان، فإنه من المستحسن القيام بعمل حازم لمنع سوريا من الحصول على أية ميزات من لبنان، واتخذ المجلس نتيجة ذلك قرارًا بضرب محطة الرادار اللبنانية فى منطقة البارقة للاشتباه فى أنها ترصد معلومات تقوم بتبليغها للجيش السورى عن تحركات القوات الإسرائيلية.
كان الإجراء الثالث من «مائير» هو طلبها بتوجيه تحذير شديد للملك حسين لأن الضغوط الشعبية فى الأردن قد تدفعه إلى تدخل من نوع ما، ومن المستحسن أن تدخل أمريكا فى توجيه هذا التحذير، وبالفعل استجاب هنرى كيسنجر لطلبها وبعث فى نفس اليوم رسالة التحذير إلى الملك، وحسب هيكل، فإن الأكثر من الإجراءات السابقة، أن مائير بلغ بها القلق من تطور الأمور على الجبهة المصرية حد أنه خطر لها أن تهرع بنفسها لزيارة سرية إلى واشنطن لكى تقابل الرئيس الأمريكى نيكسون، وتقدم له شخصيا نداء مباشرا بنجدة إسرائيل، ووافقها ديان على هذه الفكرة قائلا لها: «إن ذلك قد يساعد إسرائيل فى الحصول على ما تحتاج إليه بشدة وعجلة فى هذه اللحظات».