نعرف جميعا أن للانتخابات منطقها الخاص، وأنها لا تفرز بالضرورة من هو أفضل من حيث الكفاءة والخبرة والجدية والطموح والرؤية، وإنما تأتي كثيرا بمن هو أجدر على عقد التحالفات وصياغة التربيطات وتكوين التكتلات، وصولا إلى شراء الأصوات، لكنني في الحقيقية لم أكن أتخيل أن هذه السمات المميزة لعملية الانتخابات تنسحب أيضا على انتخابات أعرق مؤسسات العالم وأكثرها رقيا، ألا وهي مؤسسة "اليونسكو"..
فقد شهد العالم أمس مهزلة حقيقية، لم يكن أكثر المتابعين تشاؤما قادرا على تخيلها، ففي الوقت الذي يعترف العالم كله بالدور القطري القميء في رعاية الإرهاب، كان لأعضاء المجلس التنفيذي رأيا آخر، مانحين بهذا الرأي سماسرة الإرهاب شرف التقدم في أول جولة انتخابية لاختيار مدير عام المنظمة!!
اسمها "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة" واسمها المختصر هو "اليونسكو" وإذا أمعنا النظر إلى هذا الاسم سنجد أن المفارقة تتجلى في أبهى صورها، فقطر لم تكن يوما من رعاة مفهوم "المنظمة" فتاريخها في رعاية الفوضى أكبر، كما أنها لم تكن يوما من رعاة المنظمات العالمية ولا من داعيمها، فتاريخها في رعاية المنظمات الإرهابية أكبر وأكثر حيوية، كما أنها لم تكن يوما من رعاة "الأمم المتحدة" لكنها تبذل كل ما في وسعها من أجل تعميم مفهوم الأمم المشرذمة المتفسخة المنحلة.
أما التربية والعلوم والثقافة فهي أيضا أبعد ما تكون عن تلك المفاهيم، فلا تربية صنعت ولا علم حققت ولا ثقافة أنتجت، والمفارقة الأكبر في الأمر أن كل مفهوم قطر عن الثقافة والحضارة هو الاستيلاء على كل ما هو مصري وعرضه في متاحفها، ومن لا يصدق فليبحث في مواقع متاحف قطر ليتأكد من أنها متاحف لثقافة مصر وتاريخها ليس أكثر، حيث تتكون غالبية المجموعات القطرية الفنية من لوحات لفنانين مصريين، كما يتكون متحفها الإسلامي من منتجات أثرية مصرية لا يعلم أحد هل سلكت الطرق الشرعية حتى وصلت إلى قطر أم أنها دخلت إليها بطرق غير شرعية.
ألاأونا .. ألا دوي ألا تري.. فتح المزاد على "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة" وقطر هي المشتري الأكبر، قطر هي نخاس الحضارات، قطر هي المسمار الذي يدقه المجلس التنفيذي لليونسكو في جسد اليونسكو، ومنح المرشح القطري صدارة أصوات اليوم الأول من انتخابات اليونسكو لا يعني سوى أن هذه المنظمة سقطت تماما في بحر الأموال القطرية، فليس هناك من سبب سوى الأموال، وليس لمرشحها الذي حصد أصوات 19 دولة إسهام يذكر في الثقافة أو التربية أو العلم، وليس لها من ثقل من الحفاظ على التراث العالمي وكل ثقلها في الحفاظ على تدمير التراث العالمي، تراث ليبيا يشهد على هذا، وتراث سوريا يشهد على هذا، وتراث العراق يشهد على هذا، ويشهد على هذا أيضا متاحف مصر التي دمرها حلفاء قطر من الإخوان المسلمين، ومنها متحف ملوي للآثار المصرية بالمنيا ومتحف الفن الإسلامي الذي يضم أكبر مجموعة آثار إسلامية في العالم.
يتخيل البعض أن وصول المرشح القطري لهذا العدد من الأصوات يهدد مصر ومرشحتها "مشيرة خطاب" وهذا هو سبب استياء المصريين، وفي الحقيقة فإني أكتب هذا الكلام ليس دفاعا عن مصر ومرشحتها ولكن دفاعا عن منظمة اليونسكو ذاتها، فسواء كان وصول المرشح القطري إلى هذا الترتيب في سباق الانتخابات حقيقيا أم "تمثيلية" لتمرير المرشحة الفرنسية فهذا أمر يسيء إلى المنظمة تمام الإساءة، فهذه أزمة للمنظمة وليست أزمة بالنسبة لمصر، فبهذه التمثيلية الهزلية الهزيلة تسقط عن "اليونسكو" آخر أوراق التوت، وتتحول من منظمة دولية لرعاية الآثار والتربية والعلوم والثقافة إلى شبكة دولية لغسيل السمعة وغسيل الأموال وتدعيم رعاية الإرهاب وعلى المجلس التنفيذي أن يتحمل مسئولية قراراته، واختياراته.