خرج الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بخطاب، طالما ترقبه كل المتابعين للخلافات الأمريكية ـ الإيرانية التى تصاعدت حدتها منذ اعتلائه قمة السلطة فى واشنطن، لكنه وبالرغم من تأجيل الخطاب لأربعة وعشرين ساعة لم يحسم الجدل حول الملف النووى الإيرانى ولم يعلن تقويض خطة العمل الشاملة المشتركة التى تم التوصل إليها مع إيران فى نهار الرابع عشر من يوليو بالعام 2015.
استراتيجية غير محددة..
فى خطابه الذى ألقاه اليوم الجمعة، قال ترامب إنه لن يصادق على التزام إيران ببنود خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران، لكنه وبالرغم من ذلك لم ينسحب من الاتفاق، وفضلا عن انتقاده الحاد والمستمر لمؤسسة الحرس الثورى الإيرانية "الباسداران" لم يدرجها فى إطار المنظمات الإرهابية.
ترامب أعلن عن ما وصفها بـ"الاستراتيجية الجديدة تجاه الاتفاق النووى الإيرانى"، مشددا على التزام بلاده بعدم امتلاك إيران السلاح النووى أبدا، مؤكدا أنه كرئيس للولايات المتحدة يمكنه إلغاء الاتفاق فى أى وقت، ما يعنى أن تلك الخطوة مجرد حديث إجرائى يتوافق مع سياساته الخارجية.
كما شدد على أن الاتفاق النووى مع طهران كان أسوأ اتفاق وقعته الولايات المتحدة الأمريكية عبر تاريخها، وأن النظام الإيرانى أخاف المفتشين الدوليين لمنعهم من تفتيش المنشآت النووية، منوها إلى أن الاتفاق النووى النوى كان يفترض أن يسهم فى تحقيق السلم والأمن الدوليين، ولكن طهران لا تلتزم بروح الاتفاق النووى، وفى هذا الإعلان لم يأت بجديد، تماما كل ما فعله أن كرر العبارات ذاتها التى كان يدلى بها فى كل المناسبات.
ترامب والحرس الثورى..
وفى خطابه الذى مهد له وزير خارجية ريكس تيلرسون أكد أن أمريكا ستعمل على استراتيجية جديدة تجاه إيران أهمها أن طهران لن تحصل على سلاح نووى، وسيتم فرض عقوبات على الحرس الثورى الإيرانى الذى هو "منظمة خبيثة" استخدمت أموالا طائلة لتمويل عمليات إرهابية، وبالرغم من كونه منظمة خبيثة إلا إنه لم يصنفه كمنظمة إرهابية.
ويعنى ذلك ببساطة أن التهديدات العنيفة التى أطلقها قائد الحرس الثورى الجنرال محمد على جعفرى يوم الأربعاء الماضى، بخصوص المصالح الأمريكية فى المنطقة أتى أكله وثمره وحقق الغاية منه، بعبارة أخرى، أجبرت التهديدات الإيرانية الرئيس ترامب على عدم الإقدام على إدراج الحرس الثورى منظمة إرهابية، خشية على قواعد بلاده فى الخليج.
وأوضح ترامب أن إيران تخضع لنظام متطرف ومتشدد نشر الرعب والقتل فى أنحاء العالم، مشيرا إلى أن ميلشيات حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران دمرت مقار للولايات المتحدة فى لبنان وقتلت أكثر من 200 جندى أمريكى وهى واقعة يريد ترامب أن يبنى عليها موقف دوليا موحدا ضد إيران.
حول تأجيل الخطاب..
قبل الخطاب تلقى وزير الخارجية الأمريكى عددا من الاتصالات الهاتفية مع نظرائه فى أوروبا وروسيا والصين، ويبدو أن الجميع اتفق على أن إعلان أمريكا الخروج من الاتفاق سيكون إجراء منفردا، إى إنه سيعزل أمريكا عن المجتمع الدولى الذى وقع الاتفاق مع إيران وصادق عليه مجلس الأمن، ولذلك لم يطلب ترامب من الكونجرس فى الخطاب إعادة فرض عقوبات على إيران؛ لأن ذلك سيعنى بحكم الأمر الواقع انسحابا من الاتفاق، وهو ما لا يستطيع ترامب فعله بسبب صلاحياته الدستورية المحدودة فى النظام الأمريكى.
قبل الخطاب أعلن وزير الخارجية تيلرسون أنه ناقش مع نظيره الإيرانى محمد جواد ظريف إمكانية التوصل لاتفاقية جديدة "بجانب اتفاق 2015" حول البند الخلافى الذى يعرف بـ"بند الغروب" فى الاتفاق وكذلك إدراج بند جديد حول برنامج الصواريخ الباليستية الذى تطوره قوات الجو ـ فضاء التابعة للحرس الثورى، والمرجح أن ظريف لم يبد رأيا قاطعا حول هذين المطلبين، وإن كان أعلن فى وكالة الأنباء الإيرانية أمس الخميس عدم استعداد بلاده للتفاوض مجددا حول الاتفاق.
على كل حال يبدو أن تأخير الخطاب ليوم كامل كان يستهدف حصول البيت الأبيض على تأييد مؤسسات الولايات المتحدة الأمريكية (سى آى إيه ـ البنتاجون ـ الخارجية ـ الكونجرس ـ الحزبين الجمهورى والديمقراطى) لإعلان الخروج من الاتفاق، لكن ذلك لم يحدث، بسبب الانقسامات الداخلية الحادة؛ فخرج ترامب بخطاب الحسم ولم يحسم فيه شيئا.