تعرضنا خلال الآونة الماضية، لصدمة حقيقية عندما شاهدنا أعرق وأقدم المبانى التراثية والتاريخية بين يوم وليلة مهدمة بمحافظة الإسكندرية، بسبب السماسرة وتجار العقارات الذين يسعون إلى هدم المبانى الأثرية المهجورة عن طريق التحايل على القانون للحصول على تصريح يسمح بالإزالة، هذا الأمر جعلنا نعيد النظر من جديد بشأن استغلال المبانى التراثية، فهل يمكن لوزارة الثقافة فتح المبانى التراثية وإعادة توظيفها لصالح الجماهير؟!.
وقبل أن نجيب عن السؤال، علينا أن نعلم أن أغلبية المؤسسات الثقافية التراثية فى أوروبا، مستغلة الاستغلال الأمثل فعلى سبيل المثال تم تحويل منزل كل من الروائية الانجليزية جاين أوستن الشاعرة الأمريكية والروائية الأمريكية إيميلي ديكنسون إلى متحفين يتفقدهما الزائرون.
ومن هنا تدارك فى أذهاننا سؤال، ما سبل تحويل المبانى والقصور التراثية مراكز ثقافية وفنية نقدم لوزارة الثقافة كل السبل لتذليل جميع الصعوبات التى من الممكن أن تعوق فتح المبانى واستغلالها لتصبح مركزا ثقافيا متنوعا بنكهة تاريخية وتراثية.
فعلى سبيل المثال، هناك العديد من المبانى التراثية المسجلة فى قائمة التنسيق الحضارى بكل محافظات الجمهورية، ومن الممكن الاختيار من بين هذه المبانى والقصور المسجلة مبانى حالتها الإنشائية والمعمارية جيدة، حتى تصلح للاستفادة منها، فبعض هذه المبانى تابعة للمالكين والبعض الآخر تابع للحكومة.
ورحب الدكتور شاكر عبد الحميد، وزير الثقافة الأسبق، بالفكرة قائلا: إنه لابد مراعاة حقوق المالكين الأصليين، ففتح القصور والمبانى التراثية واستغلالها سيعد الجمال الذى افتقدناه فى جميع محافظات الجمهورية.
وأوضح شاكر عبد الحميد، أنه يتمنى فى بداية 2018 أن يسود الجمال لأنه سيبعث الروح المعنوية لجميع الناس وسيزيد نسبة الإقبال على الحياة، مضيفا أنه على جهاز التنسيق الحضارى وزارة الآثار التعاون ليحققوا نتائج مرجوة.
الصعوبات التى تواجه الثقافة فى تنفيذ المشروع
ومن الصعوبات الحقيقة التى ستواجه وزارة الثقافة، أن أغلبية المبانى التراثية التى تتمتع بحالة جيدة تحتاج إلى عمليات صيانة وترميم، والكل يعلم أن ميزانية وزارة الثقافة محدودة، فمن الممكن تذليل هذه العقبة عن طريق جمع تبرعات مالية من أهالى المنطقة والمحافظة المتواجد بها القصر أو المبنى، خاصة لأن هذا مشروع ثقافى خدمى سيعود بالنفع عليهم وعلى أبنائهم، أو عن طريق تبرع المستثمرين الذين يقدمون خدمات ثقافية وما إلى ذلك.
كما ستواجه الوزارة عقبة أخرى، بالنسبة للقصور والمبانى التى يمتلكها الأشخاص، فمن الممكن أن تواجه الوزارة رفض المالكين استغلال المبانى لصالح الخدمة الثقافية، ومن هنا يمكن للوزارة أن تضع حل للمالكين عن طريق استثمار أى مشروع داخل المبانى يعود بمردود مالى يصب كله فى خزانة المالك.
ومن الممكن أن تطبق الحكومة، قانون رقم 10 لسنة 1990 بشأن نزع الملكية للمنفعة العامة، وبالنسبة للمبانى والمشروعات القومية، فيخطر ذوو الشأن بخطاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول قبل دخول العقار، ويكون حصر وتحديد العقارات والمنشآت التى تقرر لزومها للمنفعة العامة بواسطة لجنة مؤلفة من مندوب الجهة القائمة بإجراءات نزع الملكية ومن أحد رجال الإدارة المحلية ومن الصراف.
ويسبق عملية الحصر المذكورة إعلان بالموعد الذى يعين للقيام بها، يلصق فى المحل المعد للإعلانات بالمقار الرئيسية لوحدات الإدارة المحلية وفى مقر العمدة، كما يخطر ذوو الشأن بالموعد المذكور بخطاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول، وعلى جميع الملاك وأصحاب الحقوق الحضور أمام اللجنة المذكورة فى موقع المشروع للإرشاد عن ممتلكاتهم وحقوقهم.
وإذا تجاوزت وزارة الثقافة كافة هذه الصعوبات، وقامت باستغلال هذه المبانى من جديد، فما هى المزايا التى ستعود على وزارة الثقافة من خلال ذلك؟!.
أولا: هذه المبانى التراثية ستضم جميع الأنشطة الثقافية ومن الممكن أن يديرها قطاعات الوزارة لإقامة ندوات ثقافية ينظمها المجلس الأعلى للثقافة، كما يمكن للوزارة تخصيص قاعات فنية لعرض الأعمال الفنية ينظمها قطاع الفنون التشكيلية، إضافة إلى إقامة فعاليات مسرحية وسينمائية وحفلات غنائية تديرها دار الأوبرا، وورش لتعليم فن الخزف والحلى يديرها قطاع صندوق التنمية الثقافية، ومن الممكن أن يقدم بداخلها منفذ لبيع الكتب والروايات الصادرة من وزارة الثقافة.
ثانيا: هذا المشروع سيحل أزمة وزارة الثقافة فى توفير ميزانية لإقامة قصور ثقافة جديدة، فهذه المبانى التراثية ستصبح بمثابة قصور ثقافية تضم جميع الأنشطة.
ثالثا: ما يميز هذه المشروع أن جميع الزائرين سيقبلون على المبنى أو القصر لتفقده ومشاهدة معالمه التراثية النادرة على عكس القصور الثقافية التى لا تتمتع بأى شىء لافت للنظر.
رابعا وأخيرا: هذا المشروع سيحافظ على المبانى التراثية من الوقوع فى دائرة الهدم وفقد الجانب الثقافى والتاريخى النادر الذى بالطبع لا يعوض.
ورحب المهندس محمد أبو سعدة، رئيس جهاز التنسيق الحضارى، بالفكرة، قائلاً: إنه وضع خطة للمحافظة على المبانى التراثية واستغلالها من خلال توفير صندوق دعم مالى، يشرف عليه وزارة الاستثمار وذلك من أجل ترميم وصيانة المبانى التراثية.
وأوضح محمد أبو سعدة، أن الصندوق سيقدم الدعم المالى ووزارة الثقافة المتماثلة فى جهاز التنسيق الحضارى ستضع تصور للترميم وكيفية الاستغلال والمحافظة على المبانى.
وأشار محمد أبو سعدة، إلى أنه يمكن تزويد الصندوق بالعديد من الموارد المالية التى منها ضرائب تراخيص المبانى والمخالفات المبانى، أو عن طريق الحصول على ضرائب من الإعلانات المتواجدة بالشوارع، وغيرها.
وأكد رئيس جهاز التنسيق الحضارى، أن العديد من المبانى التراثية مستغلة الاستغلال الأمثل فى الخارج، سواء بمشروع استثمارى أو بمشروع ثقافى.