ينشر "انفراد" مضمون التحريات والمكالمات الهاتفية بين المتهمين فى القضية المعروفة إعلاميًا بـ"رشوة النقل العام"، حتى القبض على المتهمين، والتى كشفت وجود موظف فى وزارة الداخلية بين المتهمين يدير 17 أتوبيسًا بشركتى نقل جماعى من الباطن، والتى كشفت مساومة المتهم الرئيسى لباقى المتهمين فى حالة تأخير دفع مبلغ الرشوة الشهرى فى الموعد المحدد، ودور هيئة الرقابة الإدارية فى كشف القضية وملابستها.
فى 13 أغسطس الماضى وردت معلومات لهيئة الرقابة الإدارية تفيد بطلب "ف. ر" مفتش بإدارة الرقابة الميدانية بهيئة النقل العام بمحافظة القاهرة مبالغ مالية شهريًا على سبيل الرشوة من بعض سائقى "المينى باصا" التابعة لشركات النقل الجماعى من ضمنهم "م. ع" من شركة السلام للنقل الجماعى، و"م. ر"، و"م. م. ع"، و"أ. ع" من شركة الإبراهيمية للنقل الجماعى، و"أ. ج" من شركة الإنجليزية، مقابل التغاضى عن اتخاذ الإجراءات القانونية حيال مخالفات تلك الشركات بنود التعاقد مع هيئة النقل العام ضمن مشروع النقل الجماعى.
وبإجراء التحريات حول الواقعة وأطرافها تبين أن "ف. ر" مواليد 1967، حاصل على ليسانس آداب قسم إعلام جامعة الزقازيق، ويعمل بوظيفة مفتش بإدارة الرقابة الميدانية بهيئة النقل العام بالقاهرة ويختص وظيفياً بالمتابعة الميدانية للشركات المتعاقدة مع هيئة النقل العام وتسجيل مخالفات جميع الشركات واتخاذ الإجراءات اللازمة للخصم من مستحقاتهم طبقاً للعقد المبرم مع الهيئة، أو سحب الترخيص أو سحب اللوح المعدنية أو سحب المركبة لمدة لا تزيد عن شهر.
وتبين تعاقد هيئة النقل العام مع بعض شركات النقل الخاصة لتقديم خدمة نقل المواطنين على بعض خطوط السير، مقابل توريد تلك الشركات مبالغ مالية محددة لهيئة النقل العام، على أن تلتزم بالضوابط المحددة للنقل، ومنها الالتزام بخطوط السير المتفق عليها، ومراقبة موظفى إدارة الرقابة الميدانية بالهيئة مدى التزام تلك الشركات بتنفيذ شروط التعاقد.
وأسفرت التحريات عن حصول "ف. ر" المفتش بإدارة الرقابة الميدانية بهيئة النقل العام حصل على مبالغ مالية شهرية على سبيل الرشوة من كل من السائقين الخمسة بالمخالفة لشروط التعاقد مع الهيئة مقابل التغاضى عن مخالفات تلك الشركات المتمثلة فى عدم وجود ترخيص، أو ترخيص منتهى للمركبة، أو رخصة لا تسمح بقيادة المركبة، وتحميل ركاب زيادة عن السعة المقررة للركاب، وتغيير خطوط السير المحددة لشركات النقل الجماعى.
وأكدت التحريات إنهاء "ف. ر" اتفاقاته المؤثمة مع السائقين من خلال لقائهم فى الأماكن العامة والخاصة، ومن خلال الأحاديث الهاتفية، وتم إخطار النيابة لاستصدار إذن بتصوير لقاءات المتهمين وأحاديثهم الهاتفية.
وفى 10 سبتمبر الماضى بناءً على إذن نيابة أمن الدولة العليا المتضمن مراقبة وتسجيل وتصوير الأحاديث واللقاءات التى تجمع المتهم الرئيسى "ف. ر" مع المتهمين، فُتِحَ محضر آخر تضمن ما أسفرت عنه التسجيلات.
وأوضحت التسجيلات وجود محادثة هاتفية فى 13 أغسطس بين كل من "ف. ر" و"م. م. ع" تضمنت معاتبة الثانى للأول على سحبه رخصة القيادة الخاصة به حيث، رد "ف" بأنه أعطاه إيصال المخالفة وعليه التوجه لسداد مبلغ الغرامة أو أن يشكوه فى الإدارة المختصة، وقاطعه "م" مستفسرا عن سبب هذا التصرف رغم دفعه مبلغ الرشوة المتفق عليه مقابل عدم سحب الترخيص أو إصدار مخالفات حياله قائلاً "ما أنا قابلتك ودفعت لك الفلوس اللى أنت عايزها" وسأله "ف" عما إذا كان يوجد أحد الأشخاص يدعى "م" على قرابه به حيث رد بأنه ليس له شأن بأفعال قريبه قائلا "أنا مالى بيه" ثم سأله عن مكانه فأجابه "ف" بأنه فى الإدارة وأخطره "م" بأنه فى الطريق إليه.
وفى 22 أغسطس وردت محادثة هاتفية بين "ف. ر" و"م. ر. ا" تضمنت إخطار الأول للثانى بسحب ترخيص السيارة الخاصة به من أحد العاملين بالرقابة فى الهيئة، ورد "ف" بأنه لا شأن له بذلك، وأخطره بأنه بناء على الاتفاق بينهما لن يوقفه أو يتخذ أية إجراءات قانونية حياله ولكن لا يمكنه منع باقى العاملين بالإدارة من اتخاذ الإجراءات القانونية حيال المخالفات قائلا: "أنا مالى بتكلمنى ليه، أنا عن نفسى مابجيش على سكتك، لكن حد تانى ماليش علاقة بيه، هاتشترينا كلنا ولا إيه؟" وسأله "م" عما إذا كان يمكنه التدخل فى الأمر ورد "ف" بأنه سيحاول مع المختصين بالإدارة، وبذات التاريخ وردت بينهم محادثة أخرى تضمنت إخطار محمود لـ"ف" بأن مفتش الإدارة يدعى "ع. ا" هو الذى سحب الترخيص وأخذ منه 150 جنيهًا مقابل السماح له بأخذ الترخيص، وطلب رقم هاتفه للاتفاق معه بشأن مبلغ مالى على سبيل الرشوة بصفة شهرية، حيث رد "ف" قائلا: "براحتك لو عايز تتعامل معاه" ونفى "م" ذلك بأنه يتعامل معه شخصياً.
وفى 25 أغسطس وردت محادثة هاتفية بين "ف. ر" و"م. م. ع" تضمنت استفسار الأول من الثانى عن مكانه، حيث أجابه بأنه فى الشرقية لإنهاء بعض الأعمال الخاصة به، وسأله "ف" عن موعد عودته فرد بأنه سيكون متواجدًا قبل العيد تحديدًا يوم الاثنين أو الخميس، فرد "ف" قائلاً "أنت كده هاتعيد فى البلد يا فى الجراج خليهم بقى ينفعوك" فرد محمود قائلا "اؤمرنى لو عايزنى آجيلك يوم الأحد هاجيب اللى أنت عايزة تحت البيت".
وفى 27 أغسطس وردت محادثة هاتفية أخرى بينهما تضمنت استفسار "ف" عن موعد إحضار المبالغ المالية على سبيل الرشوة الخاصة به فأخطره "م" بأنه سيحضرها فى اليوم التالى، فأخطره "ف" بأن يحادث قريبه "م. ر" ليحضر المبلغ الخاص به هو الآخر فعلق محمود متسائلاً: "هو هيدفع؟" فرد "ف": "امال لا؟!".
فى 28 أغسطس وردت بينهما محادثة أخرى تضمنت معاتبة "ف" لـ"م" لعدم إحضاره المبالغ المالية، إذ رد محمود متعللاً بمرض ابنته واحتجازها فى المستشفى، واعتذر له ووعده بإحضار المطلوب فور خروج ابنته.
وفى 6 سبتمبر وردت محادثة هاتفية بين "ف" و"أ. ع. ر" تضمنت إخطار الأول للثانى بأنه سيسلم "الأمانة" وهى مبلغ الرشوة الشهرى المتفق عليه، لشخص يدعى "أ"، فعاتبه "ف" على التأخير قائلاً: "خلينا حبايب هو كل شهر؟" فرد بأنه هو من تذكر الموعد وحادثه لإعطائه المبلغ.
وأسفرت التحريات عن إخطار "م. ع. ا" أحد أصحاب المينى باصا من أقاربه بأنه يدفع مبالغ مالية على سبيل الرشوة إلى "ف. ر" مقابل عدم تحرير اية محاضر مخالفات، أو سحب رخصة القيادة الخاصة به، وأنه يحادثه "ف" ويتفق معه بشأن دفع نفس المبالغ التى يحصلها منه، الأمر الذى أدى إلى غضب "ف. ر" عقب تلقيه محادثة هاتفية من قريبه للاتفاق معه.
وأكدت التحريات حصول "ف. ر" على مبالغ مالية شهرية على سبيل الرشوة من "م. م. م. ا"، ويعمل محاسب ورئيس سكرتارية بوزارة الداخلية، كما يدير من الباطن 17 "مينى باص" تابع لشركتى "الإنجليزية" و"السلام" للنقل الجماعى المتعاقدين مع هيئة النقل العام بالقاهرة، وإنهاء "ف. ر" اتفاقاته المؤثمة مع "م. ا" من خلال لقائهما فى الأماكن العامة والخاصة ومن خلال الأحاديث الهاتفية بينهما.
وصدر إذن من نيابة أمن الدولة لاستكمال التسجيلات، والقبض على "ف. ر"، حال تقاضيه أى مبالغ مالية أو عطايا عينية على سبيل الرشوة، وأسفر الإذن عن ورود محادثة هاتفية فى 23 سبتمبر بين "ف. ر" و"أ. ع" تضمنت إخطار الثانى للأول عن ضبط أحد العاملين بإدارة الرقابة إحدى السيارات التابعة له، ورد "ف" معاتبًا إياه: "إيه المشكلة أنت مش مكسوف إنى لما بتصل بيك مش بترد؟.. لكل فعل رد فعل"، وأخطره بأنه لم يدفع مبلغ الرشوة المتفق عليه، ومع ذلك سينهى الأمر، فرد "أ. ع" بأنه سيدفع المبلغ فى الموعد المحدد.
وبإجراء التحريات تبين اتخاذ المتحرى عنه وسائل الحيطة والحذر، بتعمده غلق هواتفه المحمولة فى بعض الأوقات وعدم التحدث فيها إلا فى أضيق نطاق، واعتماده فى استلام مبالغ الرشوة المتفق عليها على مقابلاته الشخصية مع ممثلى شركات النقل الجماعى، الأمر الذى أدى لصعوبة ضبطه متلبساً حال وعقب تقاضيه لتلك المبالغ.
وفى 2 أكتوبر الماضى صدر إذن من نيابة مدينة نصر ثان فى القضية رقم 13 لسنة 2017 عرائض مدينة نصر ثان، بضبط وإحضار كل من المتهمين "ف. ر"، و"م. ع"، و"م. ر. ا"، و"م. م. ع"، و"أ. ع. م"، على أن يُعْرضوا على النيابة العامة فور التمكن من ضبطهم، بخلاف الإذن الصادر من نيابة أمن الدولة بتسجيل المحادثات ولقاءات المتهمين، حيث أسفر تنفيذ تلك الأذون عن المحادثات الهاتفية على الخط الخاص بالمتهم الرئيسى "ف. ر"، بتاريخ 27 سبتمبر، وورود محادثة هاتفية بين "ف" و"م. ا"، تضمنت إخطار الأول للثانى بأنه سبق له إرسال مبلغ الرشوة الشهر السابق قبل الموعد المحدد بـ20 يومًا، ولكن الشهر الحالى لم يتم دفع المبلغ المتفق وباقى على الموعد 3 أيام، ليرد السائق بأنه سيقابله فى اليوم التالى لتسليمه المبلغ، وفى ذات التاريخ وردت محادثة هاتفية بين "ف" و"أ. ع"، تضمنت استفسار الأول من الثانى عن أحد الأشخاص يريد منه أن يسحب ترخيصه، وطلب منه مبلغ الرشوة الشهرى فأخطره بأنه سيدفع جزءًا فى اليوم التالى، والباقى يوم 5 من الشهر.
وفى 28 سبتمبر وردت محادثة هاتفية بين نفس الطرفين، تضمنت إخطار "أ. ع." لـ"ف" بأنه سيرسل مبلغ الرشوة المتفق عليه وهدية مع أحد الأشخاص يدعى "أ"، وفى نفس التاريخ وردت محادثة هاتفية بينهما تضمنت إخطار السائق لـ"ف" بأنه أرسل مبلغ الرشوة المتفق وقطعة من مخدر الحشيش مع أحد الأشخاص يدعى "هـ".
وأكدت التحريات أن المحادثات السابقة بين كل من المتهم "ف. ر"، و"أ. ع"، و"م. ا" استمرارا للاتفاقات المؤثمة بينهم، والتى تتضمن تسديد الثان والثالث مبالغ مالية على سبيل الرشوة بصفة شهرية للمتهم "ف" مقابل تغاضيه عن اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المخالفات لشركتى المتهمين "الإبراهيمية والإنجليزية"، إذ أن وفقًا لعقود النقل المبرمة بين الشركتين السابقتين وهيئة النقل العام والتى يتولى المتهم "ف" راشد متابعة التزام تلك الشركات بتنفيذ بنود التعاقد بحكم عمله مفتش بإدارة المتابعة الميدانية بالهيئة.
وأوضحت التحريات عن حجز المتهم "ف. ر" وسحب تراخيص سيارة من سيارات شركة الإبراهيمية بتاريخ 23 سبتمبر الماضى نظرا لعدم رد المتهم "أ. ع" على اتصالاته والتى كان بصدد ترتيب سداد المبالغ الشهرية التى تدفع له على سبيل الرشوة، وعقب اتصل به السائق تليفونيا للاستفسار عن سبب حجز السيارة، وأخبره فى ذلك الاتصال أنه قد علم بتوقيع الغرامات على السيارة بمبلغ 1500 جنيه، وأخبره المتهم "ف. ر" بأن السبب هو عدم رده على اتصالاته الهاتفية، ليعتذر المتهم عن ذلك، وطلب تخفيض مبلغ الغرامة، ليوافق على سداد مبالغ الرشوة المتفق عليها فى موعدها، وتخفيض المتهم "ف. ر" قيمة الغرامة إلى 500 جنيه، وإثبات قيمة تلك الغرامة بإيصال السداد المحرر فى 24 سبتمبر 2017.
وألقى القبض على المتهم "ف. ر. ع"، و"م. ر. ا"، و"م. م. ع"، بديوان هيئة النقل العام بمنطقة الحى السادس بمدينة نصر، والتحفظ على كل من "أ. ع. م"، و"م. م. ا"، وعُرِض على النيابة العامة، وأمرت بحبسهم 4 أيام، ثم جددت للمتهمين 15 يوماً على ذمة التحقيقات.