طلب الرئيس السادات من الفريق أحمد إسماعيل، وزير الحربية، أن يمر عليه فى قصر الطاهرة، ليخرج معه فى سيارة مكشوفة وموكب رسمى من القصر إلى مجلس الشعب يوم 16 أكتوبر (مثل هذا اليوم)من عام 1973،حسبما يؤكد محمد حسنين هيكل فى كتابه «أكتوبر 73 – السلاح والسياسة».
كان السادات سيلقى خطابًا سياسيا كتبه هيكل أمام البرلمان، وكان الأول للرئيس منذ بدء الحرب ضد إسرائيل يوم 6 أكتوبر 1973، وكان استقباله فى شوارع القاهرة مظاهرة شعبية رائعة، ويؤكد هيكل: «كان استقباله فى مجلس الشعب عاصفة مدوية من الحماسة والكبرياء، وكان أهم البنود فى خطابه هو أنه عرض مشروعه للسلام، وجاءت الفقرة الخاصة به على شكل رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأمريكى نيكسون.
كانت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل تخطب فى نفس الوقت بالكنيست، وأعلنت رفضها لوقف إطلاق النار (لاعتقادها أن المعركة تسير لصالح إسرائيل)، وحسب هيكل: «عاد السادات إلى قصر الطاهرة فى موكب أكثر حماسة وعاطفية من ذلك الذى لقيه ذاهبا إليه، واتصل به قائلا: «رائع يا محمد، ألف ألف شكر»، وذلك تعبيرا عن تقديره ورضاه عن الخطاب، الذى كتبه له، وكان خطاب مائير مجالا للحديث بينهما، قال السادات: «يظهر إن الأمور مفكوكة فى إسرائيل، وقد عملوا اليوم مسرحية فبعثوا بشوية دبابات تبرجس»، ولما أبدى هيكل عدم فهمه لكلمة «تبرجس» فسرها الرئيس بقوله: «يعنى فوتوا شوية دبابات يتسللوا للغرب ويستخبوا فى وسط الشجر علشان تقدر تقول إن عندها قوات فى الغرب، ثم أبدى السادات اقتناعه إنها مسرحية قصد بها إعطاء جولدا مائير شيئا تتكلم عنه فى خطابها لكى تغطى على خطابه هو وتشوش عليه.
يوضح الفريق سعد الدين الشاذلى الوضع على الجبهة فى مذكراته «حرب أكتوبر» عن «دار رؤية–القاهرة»: «كانت المعلومات الأولية مقتضبة ولا تثير أى انزعاج، وكان البلاغ يقول: لقد نجحت جماعات صغيرة من العدو فى العبور إلى الضفة الغربية ويقوم الجيش باتخاذ الإجراءات اللازمة للقضاء عليها»،يضيف الشاذلى: رفعت درجة استعداد اللواء المدرع 23 الموجود فى القاهرة، وأصدرت إليه أمرا إنذاريا بأن يستعد للتحرك إلى الجبهة فى قطاع الجيش الثانى، وفى خلال النهار بدأت المعلومات تصل إلينا بأن عددا من كتائب الصواريخ قد هوجمت بواسطة دبابات العدو، وكانت بعض هذه الكتائب على عمق حوالى 15 كيلو مترا غرب القناة، وكان هذا الاختراق بداية «ثغرة الدفرسوار».
فى ظل هذا الأجواء عقدت القيادة العسكرية مؤتمرا بعد ظهر يوم 16 أكتوبر لبحث الموقف، ووفقا لـ«الشاذلى»: «اتفقت مع الوزير (أحمد إسماعيل)على توجيه ضربة قوية ضد العدو فى منطقة الاختراق صباح يوم 17 أكتوبر، لكننا اختلفنا على طريقة توجيه الضربة،كانت نظريتى، سحب جزء من قواتنا فى الشرق إلى غرب القناة، ولكن مع تعديل فى الأسلوب طبقًا للموقف الجديد، واقترحت سحب الفرقة 4 المدرعة، واللواء المدرع 25 من قطاع الجيش الثالث خلال الليل، ونقوم فجر باكر بتوجيه الضربة الرئيسية ضد قطاع الاختراق بثلاثة ألوية مدرعة ولواء مشاة ميكانيكى من غرب القناة، وفى اتجاه شمال شرقى، وفى الوقت نفسه يقوم اللواء 116 مشاة بتوجيه ضربة ثانوية من الغرب إلى الشرق، بينما تقوم الفرقة 21 مدرعة بتوجيه ضربة من مواقعها شرق القناة فى اتجاه جنوبى بهدف إغلاق الطريق المؤدى إلى الثغرة من الشرق».
رفض إسماعيل أى فكرة لسحب القوات من الشرق إلى الغرب، وطبقا للشاذلى: صمم على ذلك عكس الإجماع بين العسكريين، ويدلل على هذا الإجماع بقوله: «فى حديث هاتفى مع اللواء عبدالمنعم واصل أفاد بأنه يفضل سحب اللواء 25 المدرع وأن يوجه ضربته ضد الثغرة من الغرب، وأبلغنى بأن قائد اللواء 25 المدرع يشاركه هذا الرأ ى».
استعان الشاذلى برئيس الجمهورية الذى وصل إلى المركز 10 وشرح له اقتراحاته، ويؤكد: الرئيس لم يمهلنى لكى أتم وثار ثورة عارمة وفقد أعصابه وأخذ يصرخ فى وجهى بعصبية: «لا أريد أن أسمع منك مرة ثانية هذه الاقتراحات،إذا أثرت هذا الموضوع مرة أخرى سأحاكمك،حاولت أن أشرح له بأن المناورة بالقوات شىء والانسحاب شىء آخر، ولكنه كان فى ثورة عارمة لا يريد أن يسمع».