تابع العالم كله بشغف منذ أشهر قليلة صفقة انتقال اللاعب العالمى نيمار إلى نادى باريس سان جيرمان فى صفقة هى الأكبر فى التاريخ الرياضى وبقيمة 450 مليون جنيه استرلينى، متضمنة راتب اللاعب وشرطه الجزائى المدفوع لناديه الأصلى برشلونة، لكن العالم لم يكن يعرف أن تلك الصفقة التى تابعها باستغراب نتيجة بذخها وارتفاع قيمتها المبالغ فيه، تحمل خلفها أمورا مظلمة، وتفاصيل مخيفة حول دولة تبحث عن صناعة دور لها فى العالم بما امتلكته من أموال باهظة تصرفها فى بذخ يمينا ويسارا محاولة للفت الانتباه، وأن هذا الدور يلعبه شخص يدعى ناصر الخليفى، الواجهة القطرية لتخريب الرياضة، وأن الأموال التى ينفقها الخرافى ليست فقط فى مجال شراء اللاعبين، بل رشاوى لشراء حقوق بث المباريات، وربما أكثر من ذلك.
قبل 7 أعوام فقط لم يكن ناصر الخليفى سوى لاعب مجهول لرياضة التنس، أمضى حياة رياضية فيها بلا أى علامة بارزة أو بطولة تذكر له، قبل أن ينتقل إلى العمل فى قناة الجزيرة الرياضية – بى إن سبورت لاحقا – كمعلق لرياضة التنس، فشل ناصر الخليفى على ما يبدو، فتقرر نقله على وظيفة إدارية فى قناة الجزيرة مسؤولا عن التعاقدات مع القناة، وفجأة هبطت عليه الملايين ليشترى نادى باريس سان جيرمان الفرنسى والذى لم يكن يحقق نتائج جيدة وقتها بقيمة 170 مليون دولار.
شبكة السى إن إن الأمريكية كانت أحد الشبكات التى استغربت الصعود الغريب والمريب لناصر الخليفة فى تحليلها عن ناصر الخليفى وشراء باريس سان جيرمان، "استراتيجية (قطر) بسيطة - الإنفاق بشكل كبير لجعل باريس سان جيرمان عملاقاً أوروبياً، ينافس ريال مدريد وبرشلونة وبايرن ميونيخ ومانشستر يونايتد. والنادي في طريقه لتحقيق ذلك. إذ اقترب باريس سان جيرمان قاب قوسين أو أدنى من التغلب على برشلونة في دوري أبطال أوروبا العام الماضي - حتى سجل نيمار نفسه مرتين (لصالح برشلونة). ولعل تلك كانت اللحظة التي قرر فيها فريق باريس سان جيرمان أن نيمار يجب أن ينضم لفريقهم"، هكذا ببساطة تبحث دولة صغيرة عن نشر اسمها عبر أى طريقة وعبر أى وسيلة وبمنتهى البذخ والإسراف اللامعهود.
عقب تملكه لنادى باريس سان جيرمان، أصبح ناصر الخليفى رئيسا لشبكة بى إن سبورت، الشبكة التى احتكرت بث المباريات فى الشرق الأوسط حتى بات يصبح حصريا عليها، لكن هذا الاحتكار لم يكن وليد اجتهاد، بل وليد أموال ورشاوى فساد توزع هنا وهناك، وهو ما انفجر أخيرا من فرط قبحه وانتشرت رائحته مدوية فى الأرجاء، فى 12 أكتوبر الجارى قررت الشرطة السويسرية فتح تحقيق حول أموال الخليفىى المنثورة هنا وهناك.
جيروم فالكه الأمين العام السابق للفيفا كان طرف الخيط، فلقد تلقى أموالا وما وصفته الشرطة السويسرية بـ "المساعدات غير المناسبة" لمنح قطر الحقوق الإعلامية لبث المباريات، لا يتوقف الأمر فقط على كأس العالم 2018 و 2022 و2026 و2030، بل إنه بث الدورى الأسبانى للشرق الأوسط مقابل رشوة 6.9 مليون دولار أمريكى، بل إن فالكه سمى الخليفى ليكون عضوا فى لجنة تنظيم كأس العالم للأندية، تلك اللجنة التى قبض لاحقها على رئيسها تشاك بلايرز فى قضية فساد الفيفا الكبرى عام 2015، كما كان عضوها الأسبانى ساندرو روسيل الرئيس السابق لنادى برشلونة المتهم حاليا فى قضايا غسيل أموال.
القضية التى فتحها الإدعاء السويسرى لا تتوقف عند الاستيلاء على حقوق البث فقط والقضية المفتوحة فى سويسرا، فالشرطة الإيطالية قامت الجمعة الماضية بمصادرة فيلا فى مدينة سيردينيا وضعها الخليفى تحت تصرف فالك، فساد الخليفى ى لم يتوقف عند حدود سويسرا أو غيطاليا، فقد فتحت عدد من الدول مثل فرنسا التى فتشت شرطتها مكاتب بى إن سبورت فى باريس فى إطار البحث عن مستندات متعلقة بفساد الخليفىى، وكذلك اليونان وإسبانيا.
المفاجأة ليس ما أعلن عنه فقط حتى هذه اللحظة، بل الأكثر من ذلك ما يتوقعه المحللون من مراحل لاحقة للبحث عن فساد الخليفى، حيث توقع جان فيليب لو كلير رئيس تحرير صحيفة "ليكيب" الفرنسية الشهيرة، أن سقوط الخليفى هو مجرد بداية الخيط لكشف واحدة من أكبر قضايا الفساد الرياضى فى التاريخ، وستمتد التحقيقات إلى مشاريع قطر الرياضية مثل كأس العالم 2022، ونادى باريس سان جيرمان.
هذه الرائحة الكريهة التى تفوح من الخليفى يمكن ملاحظتها مثلا من التشيلى هارولد ماين نيكولاس رئيس لجنة تقييم ملف استضافة كأس العالم 2022 والذى قال إن قطر أخطر مكان يمكن أن تقام فيها بطولة كأس العالم قبل أن يغير رأيه، ليتضح بعدها أنه وظف أولاده فى أكاديمية اسباير الرياضية القطرية، أما البلجيكى ميشيل ديهوج فقد وظف أبنه طبيبا فى الدوحة، وكذلك ابن ميشيل بلاتينى الذى يعمل فى جهاز قطر للاستثمار!، فيما يشير محللون أن كل هؤلاء تم رشوتهم عبر ناصر الخليفى وعبر العلاقة التى جمعته بفالكه.
وفيما تتصاعد الاتهامات وتفوح الرائحة الكريهة أكثر فأكثر، يبقى ناصر الخليفى مختفيا عن الأنظار، لا أحد يعرف أين هو على وجه التحديد، الأكيد أنه فر من باريس بعد المداهمات لمقرات شركة بى إن سبورت، حيث لم يظهر فى مباراة ناديه باريس سان جيرمان السبت الماضى، فيما ترجح مصادر صحفية أنه فر إلى الدوحة.