فى الساعة الخامسة وعشرين دقيقة مساء يوم 22 أكتوبر (مثل هذا اليوم) من عام 1973، صدرت توجيهات القيادة العامة للقوات المسلحة، بوقف إطلاق النار من الساعة السادسة والثلث، إذا التزم العدو الإسرائيلى بقرار وقف إطلاق النار، الذى اتخذه مجلس الأمن الدولى على جبهات القتال بين مصر وسوريا ضد إسرائيل منذ يوم 6 أكتوبر 1973، وحسبما يذكر حافظ إسماعيل، مستشار الأمن القومى للرئيس السادات فى مذكراته»، أمن مصر القومى فى عصر التحديات «عن» الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة»: «فى المساء وقبيل وقف إطلاق النار بدقيقة واحدة، كانت سماء القاهرة تشهد جسمين مستطيلين بلون البرتقال يمرقان فى ثبات فى اتجاه القناة، كان الجسمان صاروخان (سكود) تقرر إطلاقهما ضد منطقة رأس الكوبرى الإسرائيلى فى «الدفرسوار».
وفيما يؤكد «إسماعيل»، أن الرئيس أراد أن يكون إعلانًا للإسرائيليين عن وجود هذا الصاروخ وفعاليته، فإن الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان حرب القوات المسلحة ينتقد هذا التصرف، قائلا فى مذكراته «حرب أكتوبر» عن «دار رؤية-القاهرة»: «تم إطلاق هذه القذائف بناء على أوامر من السادات، وأعلن لوسائل الإعلام بأنها «القاهر»، الذى تم تصنيعه «فى مصر، كان السادات يريد أن يوهم إسرائيل بأن لديه الأسلحة، التى يستطيع أن يضرب بها العمق الإسرائيلى».
وينقل حافظ إسماعيل ما ذكره السادات فى مساء هذا اليوم فى اجتماعه مع مساعديه ونواب رئيس الوزراء قائلا: «جلسنا فى شرفة قصر الطاهرة، يتوسطنا الرئيس، وشرح تفصيلا الموقف العسكرى، فقال: إننا دمرنا للإسرائيليين 500 دبابة، وإن قواتنا قد دخلت معركة يوم 14 أكتوبر قبل موعدها بيومين لتخفف الضغط عن سوريا، ونتيجة لهذا خسرنا 220 دبابة، وكانت هذه المعركة المقدمة للاختراق الإسرائيلى فى منطقة الدفرسوار، وأوضح الرئيس أن الإسرائيليين قد حققوا التفوق نتيجة تدفق الإمداد الأمريكى المباشر، حيث كانت طائرات النقل تهبط فى مطار العريش تفرغ شحنتها، التى تضمنت صواريخ موجهة يمكن إطلاقها من وسط سيناء لمدى 160 كيلو مترًا، ثم أضاف أنه لم يكن على استعداد لقبول استمرار القتال مع الولايات المتحدة وما ترتب على ذلك من تدمير قواتنا المقاتلة».
يؤكد «إسماعيل»: فى المناقشات التى دارت بعد ذلك، قرر الرئيس «إننا دخلنا الحرب لإقناع إسرائيل أن الحرب لا تحل المشكلات»، ثم أضاف الرئيس» كسبنا الاحترام بعد احتقار العالم لنا، ثم إننا لا نستطيع أن نحقق تحرير سيناء عسكريا، وتنفيذ القرار 242 يفرض أن نخوض معركة طويلة، ويجب أن يستمر الضغط فى مجال البترول حتى يبدأ الحل السلمى، على أن يستمر الموقف الراهن دون تصعيد حتى يتحقق الانسحاب فى مرحلة أولى «ويؤكد إسماعيل» من الناحية الإعلامية، طلب الرئيس أن لا نبالغ فى تقييم انتصاراتنا، وأن نحافظ على اتزاننا ولا نهاجم أحدا دون مبرر وأن نوضح أن مشكلاتنا لن تحسم عسكريا، كما أن انتصارات إسرائيل عام 1967 لم يحسم الأمور».
يكشف إسماعيل: «فاجأنى أن أسمع عنذئذ اقتراحًا يوجه للرئيس، بأن يحاط صغار الضباط والجنود علمًا بأن قيادتهم العسكرية هى التى طلبت وقف إطلاق النار، ولم يستجب السادات، ويعلق إسماعيل: «رأيت فيه إشاعة لروح الهزيمة، بينما دماء الشهداء لم تكن جفت فوق رمال سيناء، ولأسابيع ظلت هذه الكلمات تؤرقنى، وأحسست وكأن مسئولية ماحدث قد غدت تبحث للتاريخ وأمام الناس عمن يحملها».
كان القلق من قبول السادات لوقف إطلاق النار موزعًا على أكثر من جهة، وعن هذا ينقل محمد حسنين هيكل فى كتابه «أكتوبر 73– السلاح والسياسة» نص مكالمة تليفونية دارت بين الرئيس الليبى معمر القذافى والسادات فى الساعة الثانية بعد الظهر، ويذكر هيكل أن السادات فكر فى البداية أن يعتذر عن عدم الرد حين بلغه أن القذافى يطلبه من طرابلس، إلا أنه عرف من تجربته أنه سيطارده طوال اليوم بمكالماته حتى يتمكن من العثور عليه، فأثر أن يرد ويريح نفسه، وفى المكالمة، سأل معمر: كيف الأخبار؟ رد السادات: أحنا حانوقف إطلاق النار، إن شاء الله، فسأل معمر: كيف ياريس؟، رد السادات: لأنى ماسك المعركة من الأول وهى ماشية كده يا معمر، سأل معمر: مايكونش فى صالح اليهود؟، رد السادات: لأ، أنا حاسبها كويس، ولما أشوفك هقولك كل حاجة، إن شاء الله، سأله معمر: قالوا سوريا ترفض إيقاف إطلاق النار؟ رد: أنا كلمت حافظ (يقصد حافظ الأسد) وشرحت له الصورة الكاملة».