وائل السمرى يكتب: هذه هى الأسباب الحقيقية لمهاجمة الإسلاميين للبنوك.. "سبوبة اللجان الشرعية" السبب الرئيسى وغالبية مهاجمى "فوائد البنوك" أعضاء في لجان البنوك الإسلامية ويتقاضون أموالا طائلة مقابل "الف

منذ آلاف السنين وفي نشـأة الأديان الوثنية كان الكاهن هو الحاكم وهو السياسي وهو المتحكم الأول في اقتصاديات الشعوب، والمصب الأول والأخير للنذور والعشور والتصدقات، لكن مع تطور الزمن وثبات فساد الكهنة عبر العصور تم إقصاء الكهنة عن اقتصاديات الشعوب وسياستهم، لكن على ما يبدو أنهم ظلوا طوال هذه المدة يحلمون باليوم الذي يعودون فيه إلى سابق عهدهم ويتحكمون مرة أخرى في مقدرات الشعوب وأموالها، وبالفعل أسست دول على الشراكة ما بين "رجل الدين" ورجل الحكم، ليسمح بعض الحكام بهامش من السطوة لرجال الدين وهامش من الاقتصاد الخاص تحت اسم السلطة الدينية، ولا نجد مثل هذه الممارسات إلا في الدول الاستبدادية الرجعية التي تسير عكس الزمن وتعيد الحياة إلى الوراء، أما في الدول الراسخة في الديمقراطية والمدينة لا مكان لمثل هؤلاء الكهنة ولا أمل في أن يتواجدوا أصلا، فللحكم رجال، وللاقتصاد رجال، وللدين رجال، ولا يجوز أن يتغول أحد على أحد أو تتغول طائفة على طائفة لأن الاستبداد يكمن في هذا التغول المخيف، مع هذا مازال بعض رجال الدين مثل أبو اسحق الحويني ومن على شاكلته يحاولون باستماتة أن يعيدوا عجلة الزمان إلى الوراء بالإفتاء بأن وضع الأموال في البنوك المدنية "حرام" برغم أنهم في ذات الوقت يجيزون وضع الأموال فيما يسمى بالبنوك الإسلامية، غير مبالين بأن شهاداتهم "مجروحة" وأنهم أصحاب مصلحة مباشرة في ازدهار البنوك المسماة بـ"الإسلامية" فغالبيتهم يأكلون من أمولها، وبعضهم معينون بقرارات رسمية فيما يسمى "اللجان الشرعية" في هذه البنوك!!.

تلك معركتهم الأم، المعركة على الأموال، فبفتاواهم المأجورة يسهمون في إضعاف الاقتصاد الوطني وضخ الأموال الوطنية مصب واحد فحسب هو البنوك "الإسلامية" وشركات النصب المسماة بـ "توظيف الأموال" ولذلك تجد أكثر شيوخ الإسلام السياسي يهاجمون التعامل مع البنوك بنفس الآلية ونفس درجة الحماسة وبنفس الأدلة، لا يكلون ولا يملون، لا لشيء إلا لكي يصبحوا هم الأوصياء على أموال الناس، ولذلك تجد أئمة المذهب الوهابي ومن اتبع مذهبهم يفتون دائما بتحريم البنوك المدنية وتزكية البنوك "الإسلامية" وفي ذلك أوصى ابن عثيمين وابن باز أكثر من مرة بالتعامل مع بنك معين لأن به أحد "أتباعهم" أو أصحابهم وهو الشيخ ابن عقيل، وليس من المستغرب أن يتبع ابو اسحق الحويني نفس الرأي وهو الذى ينسب نفسه إليهم، فغالبية هؤلاء الشيخ أعضاء في اللجان الشرعية لهذه البنوك ويتقاضون مبالغ خرافية مقابل الفتاوى التي يفتونها بتحريم هذا القرض أو إباحته، وهذا هو سبب الهجوم الشرس على البنوك المدنية كلما ازدهرت.

هنا لابد أن نشير أيضا إلى أن السلفيين ليسوا هم الفصيل الوحيد الذي يقول بتحريم فوائد البنوك المدينة التي اختاروا لها اسما تبشيعيا هو اسم "البنوك الربوية" فيتفق معهم في هذا الرأي الكثير من أصحاب المذاهب الأخرى وومنهم الشيخ يوسف القرضاوي الذي وصل الأمر إلى أن يؤلف كتابا تحت اسم "فوائد البنوك هي الربا الحرام" وهو أيضا أحد الأعضاء الدائمين باللجان الشرعية في البنوك الإسلامية وليس هذا فحسب بل أنه أيضا صاحب التنظير الأشهر لمسألة اللجان الشرعية فقد كتب بحثا بعنوان " تفعيل آليات الرقابة على العمل المصرفى " الذي نشر في مجلة الاقتصاد الإسلامى في العام إبريل 2002م الذي قال فيه إن "الرقابة الشرعية ضرورة حيوية للمصارف الإسلامية، لتعرف منها ما يحل لها وما يحرم عليها من المعاملات، وفق أحكام الشريعة الإسلامية وقواعدها، وحتى يطمئن المسلمون المتعاملون معها أنها تطبق المبدأ الذي قامت على أساسه على وجه مرض شرعاً، وأن الأساس الذي قامت عليه المصارف الإسلامية : أنها تقدم البديل الشرعي للبنوك الربوية التقليدية، التي أقامت الاستعمار في البلاد الإسلامية أيام حكمه لها وتسلطه عليها، بوصفها جزءً من النظام الرأسمالي الوضعي الغربي الذي حل محل الشريعة الإسلامية في أوطان المسلمين، ويستطرد القرضاوي في رسم مهمات هذه اللجان قائلا: أن مهمة الهيئة الشرعية لا تقف عند الفتوى والمراقبة ، بل لها مهام أخرى ينبغى أن تهتم بها وتضاف إليها حتى تتحقق إسلامية المصرف فى الواقع العملى كما هو إسلامى فى قانون إنشائه ونظامه الأساسى وتحقيق التفاهم والتعاون على الارتقاء بمسيرة المصرف وتوجيه سياساته إلى التى هى أقوم ، صحيح أن رسم السياسات واتخاذ القرارات الاستراتيجية من مهام مجلس الإدارة الأساسية ، ولكن ملاحظة الجوانب الشرعية لها يجب أن تكون حاضرة فى أذهان المسئولين فى المصرف حتى يكون مصرفاً إسلامياً بحق وليس مجرد لافتة أو لائحة ، ويجب أن يرتقى فى التزامه الإسلامى حتى يصل إلى التى هى أحسن كما ينشد الإسلام " بما يعنى أن القرضاوي لا يريد فحسب أن يشارك الشيوخ بالرأي والمشورة وإنما يريدهم أيضا أن يشاركوا صناع القرار في البنوك في القرارات الاستراتيجية التي يتخذونها، لا لشيء إلا لأنهم حاملين أختام المغفرة والتحريم والإباحة.

وفي أحد حواراته للصحف القطرية يعترف القرضاوي بأنه كان عضوا فى اللجان الشرعية لبعض البنوك منذ العام 1975 التي تعددت وتوالدت حتى أصبحت كثيرة ولا حصر لها، حتى وصل إلى أن أصبح عضوا في ثمانى لجان شرعية بثماني بنوك على امتداد الوطني العربى من الكويت إلى البحرين ومن مصر إلى السودان من إسلام أباد إلى إسطنبول، ناهيك عن عضويته في الاتحادات الدولية والإقليمية للبنوك الإسلامية، مؤسسا هيئة "عليا" للرقابة الشرعية على البنوك شغل القرضاوي فيها منصب نائب الرئيس، ثم أنشئ مجلس للمعايير مهمته ترشيد المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، الذي أصبح القرضاوى أحد أعمدتها الاساسية لسنوات عديد، ما أهله إلى الترشح إلى "مجلس شرعي" مجمع لهذه البنوك الذي اعتذر عنه القرضاوي مرشحا شيخ هندي وصفه بـ "أخي" العلامة محمد تقى العثمانى.

نعود إلى فتوى الحويني بتحريم إيداع الأموال في البنوك التي أعادت صفحات السلفيين نشرها الآن في تحد جديد للدولة المصرية واعتداء سافر على المجتمع المصري وقوانينه ومؤسساته لنتأكد بعد هذا الاستعراض السريع أن الهدف من وراء هذه الحملات المسعورة على البنوك المدنية ليس الخوف على شرع الله، كما يدعو وإنما الخوف على مصالحهم الشخصية والاقتصادية من ناحية والدفاع عن مصالحهم السياسية من جهة أخرى، وهو ما يؤكد أن "الكهنة" لم ينسوا بعد دورهم كـ "كهنة" وأنهم يريدون الاستحواذ مرة أخرى على مقدرات الشعوب وأموالهم وسياستهم ليعيدونا مرى أخرى إلى عهود الجاهلية.




الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;