فى الوقت الذى يعانى فيه الاقتصاد المصرى من معوقات كبيرة، أبرزها اتساع رقعة الاقتصاد الموازى "غير الرسمى" ليصل لأكثر من 50% من حجم الاقتصاد الرسمى، أعلن الشيخ أبو إسحاق الحوينى عن فتوى، بتحريم إيداع الأموال فى البنوك، الأمر الذى أثار غضب الاقتصاديين ورجال الأعمال الذين أكدوا أنها تزيد من حجم الاقتصاد الموازى وتوفر غطاء لتجارة العملة وتوظيف الأموال.
محمد البهى عضو هيئة المكتب التنفيذى باتحاد الصناعات المصرية، أكد أن التعامل خارج مظلة البنوك يساعد على توسيع رقعة الاقتصاد غير الرسمى "الاقتصاد الموازى" فى مصر، الذى بدوره يساهم فى تضرر بالغ للمجتمع من خلال توفير السيولة بين المواطنين بمبالغ طائلة تساهم فى سهولة الاتجار بالمخدرات والسلاح وتمويل العمليات الإرهابية التى انتشرت فى مصر من خلال بعض الجماعات والمنظمات الإسلامية خلال الآونة الأخيرة.
وأضاف البهى فى تصريحات لـ"انفراد"، ردا على فتوى أبو إسحاق الحوينى الداعية السلفى، بتحريم إيداع الأموال فى البنوك والذى قال فيها: "البنوك الربوية وضع الفلوس فيها حرام، لأن البنك ليس له عمل إلا الإقراض، والبنوك لا تنفذ مشروعات"، إذ لم نتعامل من خلال البنوك فكيف سنتواصل مع العالم الخارجى فى توفير احتياجاتنا من الغذاء والدواء التى تتم عن طريق الاعتمادات البنكية، فالعالم أصبح قرية صغيرة.
وقال البهى، إنه أعد دراسة سبق وأن نشرها انفراد، يطالب فيها بضرورة التعامل من خلال البنوك للقضاء على الاقتصاد الموازى فى مصر الذى بلغ 2.2 تريليون جنيه، وتسبب فى ضياع 330 مليار جنيه قيمة الضرائب المهدرة على خزينة الدولة، وانتشار مصانع بير السلم لتصل لأكثر من 47 ألف مصنع تعمل خارج مظلة الاقتصاد الرسمى 1200 سوق عشوائية منتشرة بمحافظات الجمهورية.
من جانبه قال الدكتور مختار الشريف، الخبير الاقتصادى وأستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة، إن تصريحات أبو إسحاق الحوينى الداعية السلفى حول تحريم أموال البنوك غرضها الأساسى تدمير الاقتصاد المصرى .
وأوضح الشريف، أن هذه الجماعات لها أهداف تسعى إليها منذ عصر النهضة من أواخر القرن 19 وبداية القرن العشرين وهو وقف ضخ الدم إلى الجسم والجسم هو الاقتصاد وغرضهم وقف ضخ الأموال إلى الاقتصاد حتى يموت لفض الساحة أمامهم .
وأكد أن هذا الكلام ليس بالجديد وتم قوله مرات عديدة والمراد بها عدم التقدم الاقتصادى لمصر وعدم نمو المجتمع وهدمه على أن يتم بناؤه بطريقتهم.
وأشار إلى أن البنوك لها دور كبير فى تنمية الاقتصاد، فأموال المودعين يتم استغلالها فى مشروعات قومية وتوفير فرص الشباب، ويرى أن الهدف تدمير الاقتصاد المصرى لصالح أهدافهم وأهداف أخرى وتدمير الصنعة المصرية.
وقال الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادى والأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن ما يتردد على صفحة أبو إسحاق الحوينى، الداعية السلفى، حول تحريم وضع الأموال فى البنوك، فى هذا التوقيت يثبت خطة جماعة الإخوان فى رغبتهم بالنيل من مصر من خلال تدمير الاقتصاد بعد أن فشلوا فى تدميرها سياسيا.
وأشار الخبير الاقتصادى، فى تصريح خاص لـ"انفراد"، أن جماعة الإخوان تتخذ من النواحى الاقتصادية مدخلا بهدف تكرار سيناريو 25 يناير من جديد، لافتا أن فتوى تحريم إيداع الأموال من البنوك مخالفة للفتاوى التى أصدرها كبار العلماء بالأزهر ودار الإفتاء خلال السنوات الماضية التى تتعارض مع هذه الفتوى.
كما أضاف أن هناك فرقا بين البنوك والربا، لأن البنك يعطى نسبة الفائدة مقابل المشروعات التى يقوم بها، فهناك إدارات تم تأسيسها خصيصا لتحديد الفائدة المخصصة للعملاء، وهى إدارة المخاطر وإدارة المشروعات، وإدارة الائتمان، لافتا أن الأموال التى يضعها العميل تسير فى حلقات عديدة تذهب لإقامة المشروعات التى تنجح فى خلق فرص عمل للشباب، أو تسهم فى ضخ منتجات للسوق المحلى مما يوفر حجم الاستيراد وبالتالى العملة الصعبة للدولة، وتسهم فى دعم رجال الأعمال والمستثمرين لإقامة المشروعات بمختلف القطاعات.
وأكد أن ما يتردد عن الاستغناء على البنوك، لمخالفتها تعاليم الدين الإسلامى، غير حقيقية، بينما تستهدف تدمير الاقتصاد المصرى لصالح أهداف اخرى تدعم المنتجات الأجنبية، وتؤدى إلى اعتماد مصر على الاستيراد بالمقام الأول، وتدمير الصناعة المحلية.
وحذر الدكتور عبد الخالق فاروق، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية، من تداعيات فتوى أبو إسحاق الحوينى الداعية السلفى، بتحريم إيداع الأموال فى البنوك، على الاقتصاد المصرى والمجتمع ككل، مؤكدا أن أبو إسحاق وغيره من الدعاة السلفيين "يعيشون خارج العصر".
وقال "الحوينى" فى الفتوى التى نشرتها الصفحة الرسمية الخاصة به على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك": "البنوك الربوية وضع الفلوس فيها حرام، لأن البنك ليس له عمل إلا الإقراض، والبنوك لا تنفذ مشروعات"، مشيرًا إلى أنه التقى مديرين بالبنوك وأكدوا له أن البنوك تقرض فقط لا غير.
وشدد فاروق فى تصريحات خاصة لـ"انفراد" على أن مثل تلك الفتاوى تساعد على استمرار نشاط شركات توظيف الأموال، والتى تعرض العديد من المواطنين لعمليات نصب عن طريقها.
وأضاف فاروق أن تلك الفتوى تقلل من فرص زيادة حجم الودائع من الأفراد، سواء المقيمين بمصر أو العاملين بالخارج، مما يحد من فرص نمو القطاع الخاص والتوسع فى مشروعاته.
ويرى أستاذ الاقتصاد أن تلك الفتاوى توفر غطاء لتجار العملة وخاصة فى دول الخليج، والذين يقومون بشراء مدخرات المصريين العاملين بكل الدول بالعملة الأجنبية وتحويلها لذويهم بمصر بالعملة المحلية، لافتا إلى أن بعض تجار العملة من الإخوان المسلمين المقيمين بالخارج تفرغوا لمثل تلك العمليات لحرمات الاقتصاد المصرى من حوالات المصريين بالخارج والتى تعد موردا هاما للعملة الصعبة.
وانتقد "فاروق" تراخى الدولة فى التعامل مع مثل هؤلاء الشيوخ الذى وصفهم بـ"المتطرفين"، وعدم اتخاذ مواقف ضدهم فى حين "يصرخ" رئيس الجمهورية مطالبا بتجديد الخطاب الدينى.
وتابع: "أداء الدولة يتسم بالرعونة، فالتصريحات بعيدة تماما عن الممارسات الفعلية"، مستنكرا عدم قيام الدولة باتخاذ إجراءات لتقليص دور هؤلاء الشيوخ وغيرهم من ممثلى التيار السلفى الذى وصفه بـ"الإرهابى".