أرسلت البحرية المصرية كتابا إلى القوات المسلحة السورية جاء فيه: «ننعى إليكم بفخر واعتزاز الملازم الشهيد جول جمال، أول من دعم بحياته أسس التعاون الفعلى بين قواتنا المشتركة، حيث إنه أول شهيد عمليات مشتركة مصرية سورية» «راجع: جول جمال – أسطورة سورية فى حب مصر – الأهرام-19 نوفمبر 2014–دكتور محمد حسين أبوالحسن».
وأرسل الرئيس جمال عبدالناصر، قنصل مصر العام فى حلب جمال بركات إلى والده يوسف جمال، ومنحه براءة النجمة العسكرية، ويوم استشهاده قال اللواء عبدالحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة: «إن مصر التى دافعت عن حريتها واستقلالها تسعى إليك اليوم، فأنت فى دوح أمين فى رحاب كريم، لكى تقول إن الفكرة التى عشت من أجلها تزهو، والدعوة التى استشهدت فى سبيلها تزدهر وتنتصر».
جاء هذا الاحتفاء بالبطل السورى بعد معركة بطولية شارك فيها أثناء العدوان الثلاثى على مصر منذ يوم 29 أكتوبر 1956، وطبقا لكتاب «البحرية المصرية من محمد على إلى السادات» تأليف «عبده مباشر «الهيئة العامة للكتاب - القاهرة»، بدأت المعركة مساء 3 نوفمبر، بقيام سرب من لنشات الطوربيد من ميناء الإسكندرية بقيادة الصاغ بحرى جلال الدين الدسوقى لمهاجمة العدو، وبلغ مشارف بورسعيد الساعة الثانية والنصف صباح 4 نوفمبر «مثل هذا اليوم» 1956، واستدار عائدا وعند الفجر وعلى مسافة عشرة أميال شمال شرق فنار البرلس، شاهد أبطاله تجمعات لأسطول العدو مكونة من حاملة طائرات «جان بارت الفرنسية» وطراد وبعض المدمرات، فأمر قائد السرب بإطلاق مجموعة طوربيدات أصابت على الأرجح طردا ومدمرة».
ويؤكد «مباشر» أن الهجوم كان سريعا، مفاجئا، جريئا، لكن طائرات العدو من فوق حاملة الطائرات هاجمته بالصواريخ، واستشهد أفراده ما عدا ضابط واحد وسبعة أفراد، انتشلوا من البحر أحياء، وبالرغم من أن السفينة «جان بارت» لم يتم شطرها إلى نصفين كما أشيع، إلا أنها خرجت من الخدمة فيما بعد، ويصف محمد عبدالرحمن حسين فى كتابه «نضال شعب مصر» عن «دار الكتب والوثائق القومية - القاهرة» معركتها بالرهيبة، وأن الشهداء هم «جلال دسوقى، جول جمال، إسماعيل عبدالرحمن، صبحى نصر، على صالح، عادل مصطفى، محمد ياقوت عطية، جمال رزق الله، محمد البيومى زكى، مصطفى طبالة».
كان لاستشهاد «جول» صدى خاصا فى بلدان عربية، فحسب كتاب «ملحمة الخيارات الصعبة - من يوميات الدكتور كامل مهنا» تأليف: شوقى رافع، عن «دار الفارابى - بيروت»: «خرجت صيدا عن بكرة أبيها تهتف لمصر وفلسطين وسوريا، وقرعت أجراس الكنائس احتفالا بالضابط العربى، وكان مسيحيا، لكن القاموس السياسى فى تلك الفترة لم يكن اعتمد التعريف الدينى أو المذهب فى وصف الأشخاص».
وتؤكد حلقة خاصة عنه فى برنامج «صدى المواطنة» على الفضائية السورية: «حين تلقت مدينة اللاذقية الخبر قامت عن بكرة أبيها، وتعالت تكبيرات المآذن، ودقت أجراس الكنائس لإقامة الصلاة على روحه الطاهرة»، وتضيف: «فى احتفال القداس الذى أقامته الكاتدرائية المريمية للروم الأرثوذكس يوم 9 نوفمبر 1956 فى دمشق، كان الرئيس شكرى القوتلى يتقدم وزراء ومسؤولين وحزبيين وضباط ورجال دين مسلمين ومسيحيين ومواطنين عاديين، وقال: «بين شاطئ اللاذقية وشاطئ بورسعيد، استطاع جندى سورى ثاقب بصره وعميق إيمانه وعظيم حبه لوطنه وعروبته أن يرى حقيقة لا تخف، ويجب ألا تخفى على أحد وهى، أن البارجة الفرنسية المعتدية الغادرة لو أتيح لها أن تقهر بالأمس بورسعيد، فإنها غدا ستقهر اللاذقية، وإن العدو واحد وأن الوطن العربى واحد أيضا».
كانت ظروف المنطقة وقتئذ تهيئ الفرصة أمام «جول» المولود باللاذقية يوم 1 إبريل 1932 ليعبر بحق عن الكرامة العربية، فحسب برنامج «صدى المواطنة»: «ألح على قائده الصاغ جلال الدين الدسوقى على المشاركة، لكنه رفض، لأن اللوائح العسكرية تمنع مشاركة غير المصريين، لكنه قبل أمام إلحاحه»، وقوله: «أنا فى الإسكندرية أشعر أنى فى اللاذقية».
جاء «جول» إلى الإسكندرية مع بعثة تضم 11 سوريا للدراسة فى الكلية البحرية، ليحقق حلمه بأن يكون ضابطا بحريا، وبسببه ترك كلية الآداب فى سوريا، والتحق بالدراسة العسكرية عام 1953، وتخرج من «البحرية المصرية» فى مايو 1956، وكان الأول على زملائه السوريين، وقبل تخرجه أرسل إلى والده الطبيب البيطرى ومقاوم الاستعمار الفرنسى وقت احتلاله لسوريا، رسالة قال فيها: «إن شاء الله يابيى بجى لعندكن وبنعيد سوى بعيد الميلاد ورأس السنة لأنى بكون تخرجت»، لكن عودته تأجلت ليتدرب على معدات بحرية حديثة حصلت عليها مصر، غير أن الاستشهاد فيها كان مسك ختامه.