بالصور والفيديو.. "دكتور الصم" يكسر الحواجز بين المرضى من الصم والأطباء.. يعلم طلاب الطب والصيدلة لغة الإشارة.. ويقدم التوعية الصحية "من غير كلام" على "يوتيوب" و"أندرويد"

"افترض أنك تعانى ألمًا قاسيًا فى جسمك وتذهب للطبيب محاولاً شرح حالتك ليتمكن من تشخيصها وتفاجأ بأن بينك وبينه جدارًا زجاجيًا يمنعه من سماع صوتك، ويمنعك من فهم أسئلته وتحاولان بصعوبة أن تتفاهما قدر الإمكان ويشخص هو الحالة وفقًا لما تمكن من فهمه".. بالتأكيد هذا موقف المعقد يتكرر بصفة يومية مع أحد المرضى من الصم فى مختلف أنحاء مصر فى حين تؤكد عشرات الدراسات أهمية التواصل بين الطبيب والمريض. هذه المشكلة يواجهها الملايين من الصم فى مصر والذين لا توجد إحصائية حديثة دقيقة بعددهم ولكنه يقدر بنحو 5 ملايين نسمة حسب آخر إحصائية للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء عام 1999، وهى المشكلة التى تضطر ميسورى الحال من الصم إلى اصطحاب مترجم لغة إشارة إلى الطبيب، أما رقيقى الحال فيكتفون بالاستعانة بأحد ذويهم الذى قد لا يجيد ترجمة المعلومات الطبية. لمس "عبدالرحمن جمال" طالب الصيدلة هذه المشكلة من واقع معايشته لعدد من المرضى الصم أثناء مرافقته لهم كمترجم للإشارة، وهو ما جعله يلمس معاناتهم مع نقص المعلومات الطبية الموجهة لهم فضلاً عن نقص المترجمين المتخصصين فى الطب وهو ما يفضى إلى العديد من الكوارث الصحية، ودفعه موقف بعد آخر إلى إطلاق مشروع "دكتور الصم" لتقديم ما يحتاجونه من معلومات طبية بعضها قد يبدو بديهيًا وسهلاً بالنسبة لنا ولكن بالنسبة للصم هى غريبة تمامًا. يحكى عبدالرحمن لـ"انفراد" موقفا من المواقف التى تعرض لها: لا يمكن أن أنسى أبدًا أننى كنت أرافق مريضًا للطبيب لأنه يعانى بعض المتاعب الصحية بعد أن أجرى عملية استئصال الزائدة الدودية، وشكا لى المريض أن المترجم الذى رافقه المرة الماضية وقع فى عدة أخطاء وأراد أن أرافقه ليكون مطمئنًا، وحين ذهبنا للطبيب اكتشفنا أنه من الأساس لم يجرِ عملية الزائدة وإنما المترجم أخطأ. على الرغم من أن أسرة عبد الرحمن البالغ من العمر 21 عامًا لا يوجد بها أحد أصم إلا أنه يهتم منذ الصغر بلغة الإشارة، ويحاول تفسير ذلك لنفسه: "ربما لأن مدرسته كانت لسنوات فى مقابل مدرسة للصم وكنت أشعر بالفضول حين أراهم يتحدثون مع بعضهم البعض ولا أفهمهم. كنت أشعر بالعجز لأننى لا أتكلم الإشارة مثلهم ولا أفهمهم". هذا الاهتمام والفضول ترجمه إلى أفعال منذ الصف الثانوى ويقول "قررت فى الثانوية أن أتعلم لغة الإشارة والتحقت بكورسات وبدأت أترجم لغة إشارة، وأول ما ترجمته كان خطبة الجمعة التى أترجمها حتى الآن فى مسجد بالإسكندرية". أما الاتجاه للتخصص الطبى فى ترجمة لغة الإشارة فجاء بعد أن التحق عبد الرحمن بكلية الصيدلة، وكان وقتها يشعر بالحيرة بين الاهتمام بدراسة الصيدلة والاهتمام بالتعمق فى عالم الإشارة، ولكن هذه الحيرة حسمها موقف تعرض له فى أول يوم تدريب داخل صيدلية، حيث يحكى "فى يومى الأول للتدريب فى صيدلية كان المريض الأول الذى يدخل أصم، وشعر بسعادة بالغة لأنه وجدنى أفهمه.. سعادته وقتها اعتبرتها إشارة من الله بأننى فى المكان الصحيح". وينقسم نشاط "دكتور الصم" على العديد من المحاور فمن جانب يقدم مقاطع فيديو بلغة الإشارة لتثقيف الصم طبيًا، ومن جانب آخر يدرب الأطباء والصيادلة على فهم لغة الإشارة ليتمكنوا من فهم المريض دون وسيط ويقول عبد الرحمن: الفكرة بدأت بالصدفة كنت أقدم كورس لتعليم لغة الإشارة فى مكتبة الإسكندرية وحضره عدد من طلاب الطب الذين أعجبتهم الفكرة فعرضوا الأمر على مجلس اتحاد الطلاب وبدأت المحاضرات فى كلية الطب والصيدلة، لتعليمهم كيف يفهموا المريض الأصم، وكنت أجلس بين المرضى لأعرف منهم لغة الإشارة التى تعبر عنهم وأعلمها للأطباء". ولأنه لا يزال يدرس الصيدلة استعان عبد الرحمن بفريق لإعداد برنامجه على "يوتيوب" من أجل تقديم معلومات طبية موثقة بالمراجع للصم لتوعيتهم وتثقيفهم طبيًا ويقول "استعنت بزملاء من الصيدلة وطب الأسنان هم عبد الله نمير، يسرى كيلانى، وعبير عادل من أجل توفير مادة طبية موثقة للحلقات من مراجع معتمدة لنقدمها بلغة الإشارة، وعندما تكون الموضوعات طبية أكثر تخصصًا نذهب لأطباء متخصصين لنحصل منهم على المعلومة". ولتسهيل الوصول لهذه المعلومات الطبية حتى بالنسبة للصم ذوى المستوى التعليمى غير المرتفع طور عبد الرحمن وفريقه "دكتور الصم" إلى تطبيق يسمح لهم بالوصول لمقاطع الفيديو بطريقة أسهل ويقول: تطوع 3 آخرين هم أمل عبد الفتاح، سارة مصطفى، بيجاد أبو بكر، من أجل تطوير تطبيق مجانى بسيط جدًا يجمع مقاطع الفيديو هذه فى مكان واحد. لم يشعر عبد الرحمن بالتأثير الفعل لما يبذله من جهود من خلال "دكتور الصم" إلا بعد أن وصلته بعض ردود الفعل "أخبرنى شخص أصم أنه بعد أن شاهد الفيديو التوعوى عن خطورة "مجموعة البرد" المتداولة فى الصيدليات رفض أن يأخذها من الصيدلية وأخبره أنها خطيرة، فضلاً عن ردود فعل الأطباء أو الصيادلة الذين شعروا بالسعادة لتمكنهم من فهم المرضى الصم وفى المقابل شعورا بسعادة المرضى وانبهارهم لقدرتهم على فهمهم". وعن هذه التجربة يحكى الصيدلى عبد الله حسن لـ"انفراد": كنت أعمل فى صيدلية ودخلت مريضة صماء دون روشتة تريد علاجًا تعرفه، وفى مثل هذه الحالات كنت استسهل وأقدم ورقة وقلم لتكتب ما تريده ولكنها كانت أمية فحاولت أن تفهمنى ما تريد بالإشارة ولم أفهم، حاولت بكل طريقة أن أساعدها لدرجة أننى أدخلتها الصيدلية لترى الدواء الذى تريده وللأسف لم تعرفه، وفى الوقت نفسه كان عبد الرحمن معى فى نفس الدفعة وأعرف أنه يقدم كورسات لغة إشارة فطلبت منه أن يخبرنى عن أقرب فرصة لكورس لغة الإشارة وبالفعل اشتركت فى كورس له بمكتبة الإسكندرية وتعلمت أساسيات لغة الإشارة كلها خلال 4 أيام، كما قدم لنا مقاطع فيديو لنرجع إليها من وقت لآخر. لم يختبر عبد الله تجربته إلا بعد عدة أشهر ويقول "قليلاً ما يمر بنا مريض أصم ولكن من حقهم حتى لو العدد قليل أن نفهمهم ونساعدهم، وبالفعل بعد عدة أشهر دخل الصيدلية مريضًا أصمًا يريد علاجًا لألم الحلق وشعرت بالسعادة حين فهمته، وتمكنت من ترجمة طلبه ومساعدته". أما عبير عادل طبيبة الأسنان وإحدى أعضاء الفريق الطبى لإعداد "دكتور الصم" فجاء قرارها بتعلم لغة الإشارة مصادفة حين سمعت بالفكرة من طبيب زميل فى جمعية خيرية، وحين بدأت تعلمها وعرفت أكثر عن مشاكل مجتمع الصم شعرت بالمسئولية وتقول "شعرت أننى مسئولة عن مساعدتهم وأن الله سخرنى لخدمتهم". وترى "عبير" أن تعلم لغة الإشارة أفادها مهنيًا كثيرًا وتقول "قدرت أخدم فئة ماحدش كان بيعرف ولا بيرضى يتعامل معاهم"، وتضيف "فرحتهم إن حد فاهمهم بالدنيا حتى كانوا بينسوا بيشتكوا من إيه ويتكلموا معايا فرحانين إنى فاهماهم وبتفاعل معاهم".










الاكثر مشاهده

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

الشيخ العيسى: يمكن للقيادات الدينية أن تكون مؤثرة وفاعلة فى قضيةٍ ذات جذورٍ دينية

;