لبنان يعيش أجواءًا سياسية ساخنة للغاية، وأزمة متصاعدة، بعد ما يقرب من عامين على عدم انتخاب رئيس للبلاد، وظل المنصب شاغرًا تلك المدة لعدم توصل الفرقاء اللبنانيين للتوافق حول تسمية رئيس جديد للجمهورية، خلفاً لـ"ميشال سليمان".
المتابع للشأن اللبنانى يدرك جيدًا أن انتخاب رئيس للبلاد فى يد العواصم الإقليمية، وهى صاحبة القرار الفصل فى إنهاء حالة الفراغ الدستورى الذى تعيشه بيروت منذ ما يقارب العامين، فصل جديد بدت مشاهده واضحة المعالم، بعد أن قدم وزير العدل اللبنانى أشرف ريفى استقالته اليوم، الأحد، احتجاجاً على ما وصفه بـ "دويلة حزب الله"، وتدخل حلفائها فى الحياة السياسية، والتى أدت بدورها إلى إصابة مؤسسات الدولة بالشلل فى لبنان الذى لا يزال دون رئيس منذ 21 شهرًا، متهمًا الحزب بتدمير علاقة لبنان مع المملكة العربية السعودية والعرب.
وأكد الوزير اللبنانى، فى تصريحات تليفزيونية، أن الاستمرار فى هذه الحكومة يصبح موافقة على هذا الانحراف أو على الأقل عجزًا عن مواجهته، على حد تعبيره.
وأشرف ريفى لواء سابق ومدير عام لقوى الأمن الداخلى اللبنانية، ترقى إلى رتبة جنرال، عين مديرًا عامًا للشرطة عام 2005، وتولى منصبه وزيرًا للعدل فى فبراير 2015، ويحظى بشعبية واسعة بين اللبنانيين بسبب مواقفه الداعية لتسريع البت فى المحاكمات العالقة، وينتمى إلى تيار قوى 14 من آذار، بالإضافة إلى علاقته القوية برئيس الوزراء الراحل رفيق الحريرى.
باستقالة وزير العدل اللبنانى أصبح لبنان بلا رئيس وبلا عدالة، الاستقالة هذه لن تكون الأخيرة لوزارة تمام سلام، وقد تشهد الأيام مقبلة تطورات سياسية أكثر سخونة، ربما تؤدى بطبيعة الحال لتوترات كبيرة فى بلد ذات أغلبية مسيحية.
لبنان بموقفه الأخير من الخروج عن الإجماع العربى وامتناعه عن التنديد بحرق السفارة السعودية فى إيران، مشهد لم يتكرر كثيرًا بين الدول العربية وبدا واضحًا أن لبنان بدأ يغرد خارج السرب العربى بحسب تصريحات وزير الدولة الإماراتى الدكتور أنور قرقاش، والذى أكد خلالها أن بوصلة لبنان لم تعد عربية والقرار الرسمى مخطوف، مشيرًا إلى أن سياسة النأى بالنفس الانتقائية لم تحمى لبنان، والأيادى السعودية والخليجية البيضاء لم تقابل بالوفاء والعرفان.
المملكة العربية السعودية كانت أوقفت المساعدات المقررة للجيش اللبنانى لشراء أسلحة فرنسية، وقيمتها ثلاثة مليارات دولار، ونحو مليار دولار لقوى الأمن الداخلى اللبنانى ردًا على الموقف الرسمى اللبنانى.
خطوة اعتبرتها الدول الخليجية رداً على المواقف الرسمية للبنان التى تخرج عن الإجماع العربى ولا تنسجم مع عمق العلاقات الخليجية اللبنانية، وما تحظى به لبنان من رعاية ودعم كبير من قبل المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون.
قادة سياسيون بارزون اتهموا حزب الله اللبنانى بالوقوف وراء تعقيد المشهد السياسى فى البلاد، وتصدير مشاكل إقليمية مع الأشقاء والحلفاء بالمنطقة، وحمل رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق سعد الحريرى حزب الله والتيار الوطنى الحر مسؤولية ما حدث مع السعودية، التى وصفها بأنها تساعد لبنان بكل محبة، مؤكدًا أن يتفهم القرار السعودى بوقف تلك المساعدات.
لم يكن رئيس الوزراء اللبنانى تمام سلام بمنأى عن تلك التطورات، وناشد المملكة العربية السعودية إعادة النظر فى وقف المساعدات للجيش والأمن، مشددًا على حرص لبنان على توطيد علاقته مع أشقائه العرب.
لبنان الآن يعيش أجواءً سياسية معقدة، وسط وضع إقليمى فى غاية الالتهاب، خاصة بعد تنفيذ حزب الله للأجندة الإيرانية المخالفة للإجماع العربى، فهل سيكون لبنان شوكة فى خاصرة العرب، وهل سيتخلى عن عروبته؟، الأيام القليلة المقبلة كفيلة بالإجابة عن تلك التساؤلات.