لا يخلو عالم السياسة من لمسة إنسانية،رغم رسميته وأطره الدبلوماسية والبروتوكولية، إذ يحدث أحيانا أن تجد رابطا يجمع بعض الناس فى هذا العالم المحافظ شديد الرسمية، وإذا خلطت هذا الأمر بالـ"إيجبتومانيا" أو الولع بمصر، وهو الشغف الفرنسى الجميل الذى لم ينجُ منه مواطن واحد فى بلاد النور، ستجد أن نظرة وزير خارجية فرنسا لمصر ورئيسها تنتمى لهذا النوع من العلاقة الإنسانية القافزة على حواجز البروتوكول، والمليئة بالولع بمصر والتقدير لتاريخها وحضارتها.
يحرص دائما على تعزيز ودعم العلاقات مع مصر ومساندتها، وتتكرر زياراته للقاهرة، ولا تخلو مناسبة ترتبط بمصر أو العلاقات المصرية الفرنسية، إلا ويعبر فيها عن انبهاره بالرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى لم يتوقف لحظة عن التواصل معه، حتى عُرف لدى البعض بأنه رجل فرنسا الأول بالنسبة لمصر، أو رجل مصر المحب فى باريس، إنه جان إيف لودريان، وزير الخارجية الفرنسى، الذى حرص على الحضور إلى شرم الشيخ لمقابلة الرئيس عبد الفتاح السيسى وحضور جانب من فعاليات منتدى شباب العالم، الذى تستضيفه المدينة بين 4 و10 نوفمبر.
كيف تعرف وزير الخارجية الفرنسى بالرئيس السيسى؟
كان أول لقاء للرئيس عبد الفتاح السيسى بوزير الخارجية الفرنسى جان إيف لودريان، عندما تناولا العشاء معا فى مكتب الأخير بفندق "دى برين"، وتحدثا عن كرة القدم، كان الرئيس السيسى مبتسما فى حواره، وكانت الابتسامة ترتسم على ملامح الدبلوماسى الفرنسى أيضا.
وقال "لودريان" وقتها، إنه وطد علاقته بالرئيس السيسى منذ أن كان وزيرا للدفاع، إذ كان يحرص على زيارة المنطقة العربية مرة كل شهر، وكان يلتقى السيسى فى بعض هذه الزيارات، وأكد وقتها فى تصريحات صحفية عدّة أنه يسعى للتقارب مع مصر والرئيس السيسى، متابعا: "أسعى وقبل كل شىء لتشكيل شراكة استراتيجية قائمة على المصالح المشتركة"، حسبما نقلت عن صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية واسعة الانتشار.
وأضاف وزير الخارجية الفرنسى، إن هناك طريقة واحدة للتعامل مع كل حليف فى الشرق الأوسط، ولابد من أن تكون العلاقات على قدم المساواة، ومبنية على الثقة ومدّ جسور التعاون والتكامل، موضحا أن العلاقات الشخصية ذات الصيغة الإنسانية ضرورية، فمن خلال الاجتماعات سنتعرف على القائد، مستكملا شرحه لهذه النقطة بالقول: "عندما تناولت العشاء مع الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى فى مكتبى بفندق دى برين، تحدث عن كرة القدم، وكان مبتسما، الأمر الذى جعلنى أتعرف عليه أكثر من أبسط التفاصيل التى ساعدتنى على فهمه"، مشددا على أنه لم يتوقف لحظة عن التواصل مع الرئيس السيسى منذ كان هو نفسه وزيرًا للدفاع الفرنسى، وحتى أصبح وزيرًا للخارجية فى عهد الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، بحسب "فو فيجارو".
"لودريان" يزور مصر 8 مرات فى 3 سنوات.. ويؤكد: صداقتنا تاريخية
ربما يكون جان إيف لودريان وزير خارجية استثنائيا فى مسار العلاقات المصرية الفرنسية، فبالنظر لعلاقته بمصر وحرصه على التواصل الدائم معها يتفوق الرجل على سابقيه، وهو ما يوضحه فى تصريحات سابقة قال فيها إنه سعيد بتخصيص زيارته الثانية للخارج لمصر، وإن "هذا الأمر ليس مصادفة، وكان من حظى أن زرت مصر 8 مرات خلال 3 سنوات، وعلاقتنا مع مصر تاريخية وعلاقة صداقة".
وأعلن وزير الخارجية الفرنسى "لودريان" فى يونيو الماضى، أن بلاده عززت العلاقات الأمنية مع مصر، التى وصفها بالمسألة المركزية لضمان الأمن والاستقرار الإقليمى، وذلك فى الوقت الذى تسعى فيه الدولتان للتغلب على الأزمة السياسية القائمة فى ليبيا.
دعم وزير الخارجية الفرنسى جان إيف لودريان للدولة المصرية
دائما ما يُلاحظ فى تصريحات "لودريان" دعمه المستمر للدولة المصرية ومؤسساتها، وحرصه الدائم على مساندتها فى الحرب ضد الإرهاب، الأمر الذى ظهر جليا وتناولته معظم الصحف الفرنسية خلال الفترة الماضية، حينما ركزت على جهود وزير الخارجية فى إنجاز عدد من الصفقات المهمة بين البلدين، وتسهيل حصول مصر على طائرات رافال المتطورة.
وكشفت الصحف الفرنسية فى تغطيات وتقارير حول ملف التعاون المصرى الفرنسى، أن العلاقات القوية بين الرئيس السيسى ووزير الخارجية لودريان، مهدت الطريق لإتمام عديد من صفقات التسليح والاقتصاد المهمة، فى ظل وجود عراقيل من جهات متعددة لإفساد تلك العلاقات والصفقات، لكنها لم تُسفر عن أى شىء بفضل الروابط القوية بين البلدين، والمشاعر الإيجابية لـ"لودريان" تجاه مصر والسيسى.
ونوهت الصحف الفرنسية، بأن "لودريان" كان رجل التنسيق بين باريس والقاهرة فى مجال مكافحة الإرهاب وتعزيز التعاونين العسكرى والأمنى لتحقيق المصالح المشتركة بين البلدين، كما يُعد "لودريان" منذ 2015 رجل فرنسا الأول بالنسبة لمصر، إذ اعتمد عليه الرئيس السيسى فى كثير من الصفقات، بحسب الصحف الفرنسية، ونقل وجهات النظر المصرية للقادة فى باريس، وساهم فى تسهيل عدة صفقات مهمة لصالح مصر، منها 4 فرقاطات من طراز "جويند"، و24 مقاتلة من طراز "رافال"، وفرقاطة "فريم"، وحاملتا المروحيات "ميسترال"، واتفاقية القمر الصناعى الخاص بالاتصالات والأعمال الأمنية وغيرها.
"لودريان" عن مؤتمر شرم الشيخ: سعيد بوجودى بينكم وأثمن مجهوداتكم
الحلقة الأحدث فى علاقة وزير الخارجية الفرنسى المميزة بمصر، وتقديره الكبير للرئيس عبد الفتاح السيسى، تمثلت اليوم فى قدومه من باريس إلى شرم الشيخ، للمشاركة فى جانب من فعاليات منتدى شباب العالم، الذى تستضيفه المدينة تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى.
وأشاد "لودريان" بالجهد المبذول فى جلسة محاكاة مجلس الأمن ضمن فعاليات المنتدى، قائلا: "سعيد بوجودى بينكم، وأثمن كل هذه المجهودات التى قدمتموها"، مؤكدا أن المداولات فى الجلسة كانت جيدة ومتميزة، مستطردا: "كنت فى فرنسا وشعرت بارتياح كبير من هذه المداولات، وأثمن ما قمتم به من مجهودات".
لودريان وزيارة الرئيس السيسى لفرنسا فى أكتوبر الماضى
قبل زيارة لودريان لشرم الشيخ ومنتدى شباب العالم، جمع لقاء سابق الرئيس السيسى بوزير الخارجية الفرنسى، فى إطار الزيارة الرسمية للسيسى للعاصمة الفرنسية باريس خلال شهر أكتوبر الماضى، وفى لفتة مهمة ركزت عليها عدسات وكالات الأنباء العالمية خلال الزيارة، رصد المصورون مدى قوة العلاقات ذات الطابع الإنسانى التى تجمع السيسى و"لودريان"، وخروجها من دائرة العلاقات الرسمية إلى مساحة من الصداقة والمودة المتبادلة، إذ تبادلا الأحاديث الخاصة والضحكات أكثر من مرة.
وصرح "لودريان" فى وقت سابق للزيارة، بأن فرنسا تتطلع لزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى، إذ تدرك فرنسا جيدا الدور الذى تقوم به مصر فى الشرق الأوسط، باعتبارها الأساس والضمانة الكبرى للاستقرار الإقليمى، مؤكدا أن بلاده تنظر لنجاح مصر واستقرارها كحجر زاوية لاستقرار الشرق الأوسط، وأن فرنسا ستظل دائما داعمة لمصر، مشددا على أن زيارة السيسى لباريس دفعة قوية للعلاقات المشتركة.
الصديق "لودريان" يدعم مصر ضد الإرهاب ويدين حادث الواحات
فى إطار دعمه المستمر لمصر فى حربها ضد الإرهاب، وتأكيدا لتصريحاته السابقة فى هذا الشأن، أعرب جان إيف لودريان فى وقت سابق عن تضامن بلاده مع مصر، قيادة وشعبا، فى مواجهة الإرهاب الذى يستهدف الدولة المصرية، وذلك إثر الحادث الإرهابى الذى شهدته منطقة طريق الواحات البحريى جنوبى الجيزة، وأسفر عن استشهاد وإصابة عدد من ضباط وأفراد الشرطة.
أما على الصعيد الاقتصادى والتعاون القائم بين القاهرة وباريس، فإن فرنسا تحتل المركز السادس بقائمة أهم الدول صاحبة الاستثمارات المباشرة فى مصر، إذ تعمل 160 شركة فرنسية فى مختلف القطاعات بالسوق المصرية، بإجمالى قوة عاملة يقترب من 33 ألف شخص، وتؤكد فرنسا دوما دعمها للإصلاحات الاقتصادية والسياسية التى تنتهجها مصر حاليا.
السيسى يمنح "لودريان" وسام الجمهورية من الطبقة الأولى تقديرا لمحبته لمصر
المحبة الكبيرة من وزير الخارجية الفرنسى لمصر لم تكن حبيسة التصريحات الإيجابية والأحاديث والضحكات الدافئة، وإنما اتخذت شكلا ملموسا يعبر عن تقدير الرئيس السيسى لـ"لودريان" ومحبته لمصر، وتمثل هذا التقدير فى منحه وسام الجمهورية من الطبقة الأولى للمسؤول الفرنسى فى فبراير الماضى، وكان وزيرا لدفاع فرنسا وقتها قبل أن يشغل حقيبة الخارجية بعد وصول الرئيس إيمانويل ماكرون لقصر الإليزيه فى مايو الماضى.
خطوة الرئيس السيسى بمنح وسام الجمهورية لـ"لودريان" جاءت تقديرا لجهوده ومساهماته فى تحقيق طفرة غير مسبوقة على صعيد التعاون العسكرى بين البلدين، وجرت مراسم منح الوسام بحضور الفريق أول صدقى صبحى، وزير الدفاع والإنتاج الحربى، والسفير الفرنسى بالقاهرة، باد ستيفان روماتييه، وأكد السيسى خلالف الاحتفال تميز العلاقات المصرية الفرنسية، خاصة فى المجال العسكرى، مرحبا بما يشهده التعاون بين البلدين من تطور ونمو، كما أشاد بمواقف الوزير الفرنسى "لودريان" وحرصه على الارتقاء بأطر التعاون بين البلدين، حتى وصلت إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية على كل الأصعدة.
الشراكة التى تحدث عنها الرئيس عبد الفتاح السيسى فى فبراير الماضى، خلال منحه وسام الجمهورية لوزير الدفاع الفرنسى، ووزير الخارجية لاحقا، جان إيف لودريان، تسير فى اتجاه متصاعد يوما بعد يوم، جانب من هذا التطور يعود لانفتاح مصر على العالم وسعيها لتطوير علاقاتها بكل دوله وقواه الفاعلة، فى إطار من العلاقات المتوازنة والسعى البنّاء للتكامل الدافع لمسيرة البشرية وتحسين حياة مواطنيها، وجزء آخر بالتأكيد يعود للوزير المحب لمصر جان إيف لودريان.