اتصل محمد حسنى مبارك، نائب الرئيس السادات، بوزير الخارجية إسماعيل فهمى تليفونيا يوم 17 نوفمبر (مثل هذا اليوم) عام 1977، يسأله، عن أى نوع من التسهيلات (المواصلات) يمكن توفيرها له كى يسافر من القاهرة إلى الإسماعيلية، ليكون فى انتظار الرئيس العائد من دمشق بعد لقائه بنظيره السورى حافظ الأسد، وفقا لمذكرات فهمى «التفاوض من أجل السلام فى الشرق الأوسط» عن «مكتبة مدبولى- القاهرة» مضيفا: «عرض مبارك أن أستعمل هليكوبتر، وأبدى استعداده بأن تطير الطائرة من مطار قريب جدا من منزلى، غير أننى أخبرته عن نيتى فى عدم انتظار السادات، فاندهش، وأراد أن يعرف الأسباب، وتساءل عما إذا كنت متعبا، فأكدت له أن صحتى جيدة، فاستمر يضغط على للذهاب معه، وهنا أجبته: «لقد عقدت النية مصمما على ألا أذهب، وسأرسل لك مظروفا مختوما أرجو تسليمه له شخصيا»، ويؤكد فهمى: «لم أذكر محتويات الخطاب لنائب الرئيس «مبارك»، وبكل بساطة أرسلت الخطاب إليه مع رسول خاص».
كان السادات فى دمشق لمناقشة الرئيس حافظ الأسد فى أمر مبادرته بالسفر إلى إسرائيل، وحسب فهمى، فإن السادات أبلغه بالزيارة تليفونيا يوم 16 نوفمبر، وأكد له خلال اتصاله بأنه اتخذ قراره النهائى بالسفر إلى إسرائيل، وطلب منه إعداد الخطاب الذى سيلقيه أمام الكنيست، فغضب فهمى لأن ذلك كان يعنى فشله فى كل محاولاته لإثنائه عن هذه الفكرة منذ أن أعلنها فى خطابه أمام مجلس الشعب يوم 9 نوفمبر 1977، ويذكر فهمى: «بعد أن أدرك أن المناقشة الحامية (تليفونيا) استمرت طويلا، ووصلت إلى طريق مسدود قال: «نستطيع أن نستكمل مناقشاتنا خلال رحلتنا باكر إلى دمشق»، ويؤكد فهمى: «فى البداية نويت أن أتناقش معه خلال الرحلة إلى دمشق، وفى الصباح الباكر قررت ألا أرافقه»، ويشير إلى أنه تعلل بأنه متعب، كنت متأكدا تمام التأكيد من أن السادات سيتناقش مع الأسد حول فكرته، وانتظرت أن يكون كل شىء علنا خاصة مع المراسلين المرافقين له فى الزيارة، وقبل العودة إلى القاهرة أطلع رجال الصحافة على حديثه مع الأسد معلنا نيته الذهاب إلى القدس، وأن الرئيس السورى عارض الفكرة».
ويكشف الصحفى البريطانى باتريك سيل ما حدث بين «الأسد والسادات»، فى كتابه «الأسد- الصراع على الشرق الأوسط» عن «شركة المطبوعات للتوزيع والنشر- بيروت»، قائلا: «جلس الرجلان طيلة سبع ساعات يناقش كل منهما الآخر، ويناشده، ويهاجمه بحدة، وحدث أن صاح السادات: «فلنذهب معا إلى القدس وإذا لم تكن تستطيع المجىء، فأرجو أن أن تلتزم الصمت، ولا تجابهنى بالاستنكار أو الإدانة، فإذا فشلت فسأعترف بأننى كنت مخطئا، وسأقول لشعبى أن يعطيك زمام القيادة»، وحسب سيل: «أصاب الأسد الذهول، فاستعمل لغة مشحونة بالخطر أكثر من المعتاد فى تحذيره للسادات، وتحدث عن أن خطورته ستكون أخطر نكسة فى التاريخ العربى، وسينجم عنها عدم توازن استراتيجى يجعل إسرائيل تضرب الأقطار العربية التى لا دفاع لها واحدا بعد الآخر، بادئة بلبنان والفلسطينيين ولن تأتى الرحلة بالسلام، بل إنها على العكس ستنفيه وتبعده»، وينقل «سيل» عن الأسد قوله له، إنه فكر للحظة فى حبس السادات ومنعه من مغادرة العاصمة السورية.
عاد السادات من دمشق إلى الإسماعيلية، وبالطبع لم يكن فهمى من مستقبليه، ووفقا لفهمى: «ما إن وصل حتى سلمه مبارك خطابى، وفتحه فوجد فيه استقالتى ونصها: «نظرا للظروف الحالية التى تواجه مصر والعالم العربى، وبسبب التطورات غير العادية وغير المنتظرة التى ستحدث مؤثرة فى القضية العربية، أقدم استقالتى لسيادتكم مقتنعا تمام الاقتناع بأننى لا أستطيع الاستمرار فى مكانى، ولا أستطيع أن أتحمل كذلك المسؤولية الناتجة عن التطورات الجديدة، وباحترامى ودعواتى لمصر أتمنى لكم النجاح».
يؤكد فهمى، أن السادات أبلغ فورا نائبه مبارك، وغيره من كبار المسؤولين والسفير الأمريكى هرمان إيلتس خبر الاستقالة، ويضيف: «استأذن الفريق الجمسى (وزير الحربية) من الرئيس العودة إلى القاهرة وإحضارى معه إلى الإسماعيلية، ولكن السادات قال له: «كلا.. أنت لا تعرف فهمى، لقد كان طوال الوقت ضد فكرة رحلة القدس، ولن يقبل بتغيير قراره»، ثم أمر الرئيس نائبه مبارك بإذاعة خبر استقالتى، وانتقلت القصة عن طريق وسائل الإعلام فى العالم كخبر مهم وأكيد»، وأعلنت الاستقالة وتم تعيين محمد رياض وزيرا للخارجية، لكنه أبلغ «مبارك» باستقالته بعد إذاعة الخبر بست ساعات.