منذ 40 عاما، وشوقى البسطويسى، أقدم صانع فخار فى مدينة المنصورة، والذى يبلغ من العمر 65 عاما، لا يتحاشى ترابا أو طينا، فعمله يجبره دوما على أن يكون وسط الأتربة والطين، أحد مقومات صناعة الفخار.
فى كوخ صغير بإحدى الحقول، بمدينة طلخا بمحافظة الدقهلية، تضطر أن تقطع إليه ما يزيد عن كيلومتر ماشيا على قدميك بين الحقول، لتصل إلى حقل من الطين والوحل، يستخدمه فى تجهيز الطين الذى سيعمل به، حوله بئران بئر ماء وآخر من طين سائل، يقوم بعجن الطين فيه ثم "نخله" أو فصل الشوائب منه، ثم إلى حقل الوحل الواسع ليتماسك فى الشمس، ثم تبدأ عملية تشكيله وتسويته فى فرن يعمل بمخلفات قصب السكر، حيث يشترى "شوقى" مخلفات القصب الذى تم عصره بالعصارات كوقود حيوى صديق للبيئة بديلا عن الغاز الطبيعى والفحم، فى أفران تصنيع الفخار.
ومع بزوغ الشمس، تسمع همهمة، يصبحها صوت اصطدام حديدى فى الأرض، فقد بدأ "شوقى" العمل الذى يستمر 12 ساعة فى اليوم، حاملا فأسه "ومقطف" ليبدأ فى نقل التراب لعجنه، ينتج خلال تلك الساعات جميع الأشكال والأوانى الفخارية، مثل "الأطباق والصحون والمزهريات والأكواب"، ويقول "أنا أعتبر كل منتج من هذه المنتجات ابنا جديدا لى، وبكون فخورا أوى أما أروح مكان والناس تبقى مبسوطة بحاجتى وعملى لإنى أجتهد وأعمل فيه بجد وحب".
ويضيف "شوقى" أنا امتهنت صناعة الفخار أبا عن جد، وكان جدى يعمل فى صناعة الفخار، وعلم أبى، وأبى علمنى الصنعة، ومهنة الفخار تتميز بزيادة الطلب عليها بشكل دورى، ولكن نعانى من نقص العمالة وعدم وجود صنايعية، وذلك بسبب مشاق العمل من يرضى أن يعمل فى التراب والطين، فباضطر أعمل كل شىء بنفسى واعتمد على نفسى فى كافة المراحل، لأنه عملى وأحبه.
يمسح آثار الطين من يديه، بعدما صبغها الطين باللون الأحمر الداكن، حيث تتلون بهذا اللون بعد إضافة التراب للطين، ويقول "أعمل بشكل يدولا، لا يوجد ماكينة لصناعة الفخار تضاهى دقة الصناعة اليدوية، والصناعة الآلة تتاح لعمالة كثيرة، ولايوجد عمال فالجميع هجر صناعة الفخار، لأكون أنا آخر فخرانى فى الدقهلية، وأصدر بضاعتى لكل محافظات الدلتا، ولا أجد لى منافسا سوى مصانع فخار الفيوم".
يعتدل فى جلسته وينظر إلى الأوانى التى لم تكتمل بعد فى صناعتها، ويسند ظهره مطمئنا لكرسى بالى بجوار آلة "الدوس"، ليتحدث عن طبيعة عمله ومصنوعاته ويقول "أنا أقوم بعمل أى شكل دائرى مثل زير المياه الأكواب الأوانى، ولى زبائنى الذى يأتون لى بتصميمات وأقوم بعملها من أجلهم، وأتكسب رزقا جيدا جدا من هذا العمل، وأكون فخورا به، وحينما يأتى زبون لاستلام البضاعة المتفق عليها، أشعر بحزن والبضاعة تفارقنى لانى اعتبرها أبنائى وأعمالى الفنية، ولكن ما يعوضنى هو أننى بالمال الذى أتقاضاه سأكون قادرا على إنتاجها من جديد".
تساعد "شوقى" فى هذه المهنة ابنته الكبرى، حيث تزوره من الفينة للفينة فى ورشته الصغيرة، حاملة له بعض الطعام، تساعده فى ترتيب المنتجات، ورصها بشكل دقيق، فمنها ما سيدخل الفرن، ومنها ما سينتظر فى الشمس وقتا أطول، فشوقى الذى عمل بالعديد من الدول العربية كما يقول مثل لبنان والسعودية والأردن وفلسطين، وسوريا، كصانع فخار يتهافت على منتجاته العديد والعديد من الموردين، لم يعد يحتمل أعباء تلك التفاصيل الصغيرة.
وفى آخر حديثه شكا شوقى" من عدم وجود أى ضمان اجتماعى، وقال: "مليش نقابة ولا معاش يعنى لو تعبت أو جرالى حاجة مش هلاقى حد يصرف على ويقولى أنت فين، لازم الدولة تعملى حاجة وتأمنلى حياتى خاصة وإنى كبرت فى السن"