علاقة الشعب المصرى بحكومته مفيش زيها فى العالم.. وقيادات المعارضة لا أشعر بأى تأثير لهم.. ومبقاش فيه مثقفين ولا ثقافة من الأساس.. وصندوق النقد لا يتحكم فينا والإصلاح الاقتصادى أجندة مصرية
عمرو موسى مجرد موظف ولا أرى له مواقف واضحة
الطبقة المتوسطة بخير وحجمها 40%.. والحديث عن تفكهها كلام سخيف
الحياة أفضل وأهدأ دون هاتف المحمول، تفصيلة صغيرة تشير إلى تمسك الدكتور جلال أمين، المفكر الاقتصادى الكبير، بالحفاظ على مساحته الشخصية الهادئة، بعيدا عن قلق وضغط وسائل التواصل والتكنولوجيا الحديثة، على طريقة كاتبه الإنجليزى المفضل جورج أوريل، الذى قرر فى فترة من حياته أن يعيش حياته للكتابة الهادئة برفقة بعض الحيوانات الأليفة التى يربيها.
لا يحب الدكتور جلال أمين أن يترك فيلته الهادئة فى المعادى، إلا لأسباب قهرية، ويفضل دائما الجلوس مع زوجته الإنجليزية أكثر من مشاهدة البرامج المسائية أو حتى قراءة الجرائد التى لم يعد يراها تقدم جديدا من حيث الشكل أو المحتوى.
ومع تأكيده على سعادته بخبر حصوله على جائزة السلطان قابوس فى مجال الثقافة للعام الجارى، إلا أنه يرى أن الجوائز بالنسبة للكاتب أو المثقف ليست غاية أو حدثا متكررا، إنما هى مشهد استثنائى فى حياته التى يحيطها التعلق بأفكار وأحلام أغلبها لا يتحقق إلا فى كتبه وأوراقه.
جلال أمين هو أفضل من كتبوا عن التغيرات فى المجتمع المصرى فى العقود الأخيرة، وأكثر من تدخل بمشرطه الاقتصادى فى جسد المجتمع ليخبرنا عن أحوال طبقاته المتوسطة والفقيرة، وعن اتجاه أنماط الاستهلاك، وعن المساحات المشتبكة بين السياسة والاقتصاد والمجتمع، من أهم قواعده التى يلتزم بها، أن يفكر أكثر مما يتحدث، وأن يقرأ أكثر مما يكتب، لذلك كان حوارنا معه كسرا لفترة من المتابعة فى صمت، قضاها رافضا الكثير من المقابلات التليفزيونية والحوارات الصحفية، متمسكا فقط بمقاله الأسبوعى فى جريدة الأهرام.
وإلى نص الحوار..
بمناسبة جائزتك الأخيرة من دولة عمان.. ما هو آخر تكريم حصلت عليه فى مصر؟
- الحقيقة أنى أتعامل مع الجوائز والتكريمات على أنها حدث استثنائى فى حياة الكاتب أو المثقف، حدث استثنائى جدا، لدرجة أن العالم الدكتور فؤاد زكريا أستاذ الفلسفة، عندما قالوا له إنه حصل على جائزة الدولة التقديرية عام 1996 تعجب وشك فى نفسه، لأنه كان لا يحصل على جوائز فى مصر على الإطلاق، هذا لأنه لم يعتد ولم يبحث عن جوائز، لكنى طبعا لا أنسى أن آخر جوائزى فى مصر كانت حصولى على جائزة الدولة التقديرية فى 2013.
البعض يعتبرك من الكتاب المحسوبين على يسار السلطة، هل هذا وصف دقيق؟
- مشكلتى أننى أصغر إخوتى، وهذا جعلنى متمردا، وطول الوقت عينى لا ترى إلا مناطق القصور، وهذا ليس لأنى كاتب معارض، لكن لأن شخصيتى وطريقة تفكيرى هكذا، أبحث دائما عن النقص، أنا شخص يشاهد ويحلل ويطرح وجهة نظر، ولو أنا كاتب معارض كان زمانى بكتب فى جرائد المعارضة، لكن الواقع أنى حتى الآن أكتب فقط فى جريدة الأهرام التى تمثل الدولة والسلطة فى مصر.
ولماذا لا تكتب فى جرائد معارضة؟
- لم يكن ذلك قرارا منى بقدر ما هو أمر واقع، وأنا أيضا أميل إلى الأهرام وأحبها، وفى نفس الوقت لدى رغبة فى عدم الكتابة لأكثر من مكان.
ولماذا لم نر لك كتابا عن أوضاع المصريين بعد 2011، على غرار كتابك الشهير «ماذا حدث للمصريين؟» الذى رصد الفترة ما بين 1945 و1995؟
- لأن أغلب كتبى فى الأساس عبارة عن تجميع لمجموعة مقالات، وأنا فى السنوات السبع الماضية لم أكتب مقالاتى فى ذلك الاتجاه، بل كان أغلبها فى أمور متنوعة لا يمكن تجميعها فى كتاب واحد.
وهل هناك قيود على مقالاتك التى تنشر فى الأهرام؟
- لا يوجد، لأنى أصلا لا أكتب فى موضوعات تثير تساؤلات أو رفض أحد.
وهل ترى أن هناك قيودا على ممارسة الديمقراطية والحريات فى مصر؟
- ياسيدى يجب أن نعلم جميعا أن أعتى وأكثر الدول متاجرة بالديمقراطية فى العالم ليس بها ديمقراطية ولا حريات مطلقة، حتى بريطانيا نفسها، كل الصحف بها لها حدود واضحة فى حرية الكتابة ولا تستطيع مخالفة سياسة الدولة أو الخطوط العريضة لها، وأكبر مثال على ذلك التايمز والتليجراف وغيرهما من الصحف التى لا تنتقد السلطة إلا فى حدود ضيقة جدا.
إذًا لماذا تتهم تلك الدول أو المؤسسات التابعة لها مصر بعدم احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان؟
- الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات أكذوبة يستخدمها العالم وتروجها تلك الدول العظمى ومؤسساتها لتحقيق أهداف أخرى غير التى تعلنها، وقد يتعجب البعض من هذا الرأى، لكنه حقيقى وأؤمن به 100%، لا توجد ديمقراطية ولا حريات فى العالم كله، بل العكس تماما، فالعالم أصبح يسير بكل قوة فى عكس اتجاه الديمقراطية.
هل تقصد أن العالم يسير فى اتجاه الديكتاتورية؟
- العالم يسير فى اتجاه دعم القيم الاستهلاكية، وقد يسأل البعض: ما علاقة الاستهلاك بالسياسية؟ الإجابة ببساطة أن من يحكم العالم ليس الزعماء والرؤساء الذين نراهم، بل هو لوبى الشركات متعددة الجنسيات التى تسعى لتوسيع مساحات تجارتها وأرباحها، وأصبحت أقوى فى سطوتها وقراراتها من الرؤساء والبرلمانات، لأن الجميع لديه مصالح معهم، وأكبر مثال على ذلك هو أن مارجريت تاتشر رئيس وزراء بريطانيا عندما أنهت فترتها عملت مستشارة لإحدى شركات السجائر فور انتهاء مدتها، وهذا مثال يحدث فى كل دول العالم.
وما الذى يريده العالم من مصر بهذا الضغط؟
- ما يريدونه هو خنق مصر والضغط عليها كى لا تتقدم صناعيا، ويظل الاستهلاك هو النمط المتحكم فى الاقتصاد وليس الإنتاج، ولكى تفهم ذلك انظر إلى الاتحاد السوفيتى الذى تفكك بنفس الفكرة الاستهلاكية مدعوما بغطاء الحرية والديمقراطية.
وهل دعم بعض المعارضين المصريين لتلك الضغوط على مصر يتم عن جهل أم قصد؟
- ما يجب أن يفهمه الجميع، معارضين أو مؤيدين، أن هناك قاعدة أساسية للتعامل مع الآخر، هى أنه لن يأتى لك شخص ما ويقول لك أنا أريد منك كذا لأنى شرير أو لأنى أريد لك الشر، وهذه هى الفكرة، دائما ستجد سببا معلنا وسببا خفيا من الضغط على مصر، السبب المعلن سيكون عادة سببا نبيلا وجميلا وصالحا للترويج، أما الخفى فهو سبب المصلحة والمنفعة على حساب الشعوب.
السؤال مرة أخرى.. لماذا يدعم بعض المعارضين تلك الدعوات الخارجية؟
- حتى من يدعم عن قصد سيقول لك غير ما فى نيته، ودعنى أذكرك بالدكتور نصر حامد أبوزيد الذى استقبلته هولندا فى منتصف التسعينيات بعد هجوم المجتمع عليه لكتاباته الجدلية فى الإسلام، ثم قابلته هناك، وظننت أنه سيكون سعيدا بحرية الكتابة فى هولندا، ثم فاجأنى بأنه حزين، لأنه اكتشف أن هولندا استقبلته ليس دعما له، لكن لاستغلاله فى تشويه الإسلام أمام مسلمى هولندا الذين كانوا فى تزايد فى تلك الفترة، وهذا المثال يوضح طبيعة العلاقة بين المعارضة والدعم الخارجى.
وما رأيك فى بعض المعارضين الذين وصل بهم الأمر إلى الدعوة لعدم دعم مشيرة خطاب فى رئاسة اليونسكو؟
- لا طبعا أرفض ذلك، هذه ليست معارضة، فما علاقة السيدة مشيرة خطاب بهذا الحديث، وحتى لو كانت هناك أزمة فى الحريات فى مصر، فما علاقة ذلك بمشيرة خطاب، هى مرشحة تمثل مصر ولا تمثل نظاما.
هل يعجبك أداء المعارضة فى مصر؟
- «هى فين المعارضة دى، أنا لا أرى فى مصر معارضة، قولى زى مين».
على الأقل بعض الأسماء الذين يعتبرون أنفسهم معارضين أو لديهم مواقف سياسية أمثال «محمد البرادعى، حمدين صباحى، عمرو موسى، وبعض الإعلاميين الذين أصبح لهم دور سياسى، مثل يسرى فودة وبلال فضل».. ألا ترى هؤلاء معارضة؟
- الحقيقة، أنا لا أشعر لهذه الأسماء بأى تأثير، هذا بالإضافة إلى أن أغلبهم تقريبا خارج مصر، فكيف يعارضون من الخارج؟
هم يقدمون أنفسهم للمصريين على أنهم معارضة..
- من هؤلاء؟ البرادعى مثلا شخص مبالغ فى قيمته وليس به رائحة الزعامة، وكل ما فى الأمر أن الشباب كان يبحث عن زعيم قبيل ثورة 2011 وتخيلوه زعيما وفشل، وأنا شخصيا لم أشعر يوما أنه سياسى خطير، وأتذكر أنى قابلته بعد الثورة مرتين فى أحد التجمعات واكشتفت من أول نظرة أنه يفتقد لبريق الزعيم السياسى وما يقوله فى السياسة يستطيع أى شخص عادى أن يقوله.
أما حمدين صباحى، فرغم انطباعاتى السابقة الجيدة عنه، فإننى لست متأكدا أنه سيظل بأفكاره عن الفقراء ومحدودى الدخل لو كان فى السلطة، لأن السلطة تغير المعارض عندما يصل إليها.
عمرو موسى مجرد موظف كفء، وقيمته أيضا مبالغ فيها، وليس له دلالة تجعله زعيما ولم أر له يوما موقفا أو رؤية سياسية مختلفة.
أما باقى الأسماء فلا أشعر لهم بأى وجود أو حضور فى المشهد من الأساس.
نعود إلى حقوق الإنسان.. هل تؤيد رد الرئيس السيسى على أحد الصحفيين الأجانب بضرورة السؤال عن الحق فى التعليم والصحة ومكافحة الإرهاب مثل السؤال عن الحريات السياسية؟
- نعم، يجب أن يسألوا عن كل تلك الحقوق، لكن الأزمة فى أن الغرب لن يهتم بهذه الحقوق، ولا يجب أن ننتظر منهم دعما فى تنمية المجتمع أو تقديم مزيد من الإصلاح الحقيقى، فالغرب يرى أن الحقوق السياسية هى الأهم، والاعتماد على الخارج فى تنفيذ إصلاحات داخلية لن يتم.
وما تقييمك لنتائج قرارات الإصلاح الاقتصادى بعد عام من اتخاذها؟
- بالتأكيد هناك نتائج صعبة على الفقراء، لكن الدولة ترى أن قرارا مثل التعويم كان ضروريا لدعم الاحتياطى النقدى رغم نتائجه الصعبة.
هل كنت تتوقع خروج مظاهرات ضد تلك القرارات مثلما توقع البعض؟
- «لا طبعا، الشعب المصرى من أهم صفاته أنه صبور وراضٍ ولديه قدرة على التأقلم والتحمل، وسيبك من اللى بيقولوا ليه الناس مخرجتش فى الشارع، المصريين لايخرجون بهذه السهولة».
لكنهم خرجوا فى 17 يناير 1977 ضد قرار زيادة الأسعار بضعة قروش.. فما الفارق؟
- الفارق كبير، فهذه المظاهرات لم تكن بدوافع ذاتية من الشعب، وأنا أرى أن وراءها مخططين لهم أهداف أخرى، «خد بالك إن السادات اتقتل فى نفس العام، وهناك دول كانت لها مصلحة فى الضغط على السادات والتخلص منه، وعلى رأسها إسرائيل التى أرادت أن تفسد عملية السلام بحجة أن الشعب المصرى قتل السادات للترويج بأن المصريين لا يريدون السلام».
البعض يتهم الشعب المصرى بأنه كسول اقتصاديا وسياسيا.. وأن أغلبه يعيش على طريقة «حزب الكنبة».. وأن الدعم هو السبب فى ذلك.. هل هذا صحيح؟
- «أبدا، الشعب المصرى بتاع شغل، والكلام عن أن الدعم خلى الشعب كسول غير صحيح، الفكرة إن علاقة الشعب المصرى بحكومته مفيش زيها فى العالم، ودايما المصرى حاسس إن الحكومة مسؤولة عنه، وهذا ليس أمرا سيئا، لكنه زائد عند المصريين».
وهل ترى أن الدعم بنظامه العينى الحالى يحقق أهدافه؟ أم ترى ضرورة التحول للدعم النقدى؟
- بطريقة ما يحقق أهدافه، ويكفى أن هناك ملايين المواطنين لايزالون يحصلون على رغيف العيش بـ5 قروش، أما التحول للدعم النقدى، فهو صحيح نظريا، لأنى بالتأكيد أرفض أن يحصل الغنى على العيش أو البنزين بنفس السعر، لكن التحول لهذا النظام سيكون به صعوبات كثيرة على أرض الواقع.
«الإصلاح الاقتصادى أجندة دولية».. هذه جملة يرددها كثيرون.. ما مدى دقتها؟
- هذه جملة خاطئة، وأنا أرى أن ذلك كان ممكنا فى الماضى، أما الآن فالتدخلات محدودة جدا، لأننا بالأساس لم نعد نعتمد عليهم فى توفير احتياجاتنا الأساسية كما كنا فى الماضى، وما يقدمونه لنا من قروض هو جزء صغير من موازنتنا، كما أن الحصول عليها حق لأى دولة عضوة بالصندوق، ولا يعنى أن رؤيتهم تشبه القرارات الاقتصادية التى تم اتخاذها، أنها كانت شروط الصندوق، قد يكون سبب ذلك أن القرارات صحيحة ولا يختلف عليها أحد وتوافقت مع رؤية الصندوق لإصلاح الاقتصاد المصرى.
البعض أيضا يطالب بأن ترفع الدولة يدها عن الاقتصاد وعن المشروعات والاستثمار.. هل أنت مع أم ضد ذلك؟
- طبعا ضده، ما هو الهدف أصلا من الدولة إذا كانت سترفع يدها عن الاقتصاد والاستثمار؟ هذه دعوات الأمريكان والشركات متعددة الجنسيات، الذين يريدون من خلالها أن يسيطروا على حاجات واستهلاك الفقراء، ولذلك يجب ان تظل الدولة مسيطرة على الاقتصاد بالكامل حماية للفقراء من تلك المخططات.
إذًا أنت تدعم المشروعات القومية الكبرى التى تنشئها الدولة؟
- الحقيقة أنا أدعم مشروعات الطرق والإسكان وأراها مهمة جدا، وتخدم المواطن والمستثمر الصغير بشكل مباشر، لكن أعتقد أن باقى المشروعات مهمة لرجال الأعمال الكبار فقط، وما علينا سوى انتظار نتائجها على الفقراء، لكنى مهتم أيضا بشكل أكبر بالمشروعات الصغيرة لأن عوائدها تذهب للمواطن والأسر بشكل مباشر، وأنتظر أن تتخذ الدولة خطوات أكثر جدية فى تنشيط المشروعات الصغيرة أيضا، لأنها أكثر نفعا للطبقة الفقيرة والمتوسطة.
لكن بعض النظريات تؤكد تحلل واختفاء الطبقة المتوسطة بعد قرارات الإصلاح الاقتصادى..
«ده كلام سخيف وغير دقيق، الطبقة المتوسطة بخير، ولم ولن تختفى، حتى لو تزايدت متاعبها فهذا طبيعى ومثلها فى ذلك مثل طبقة الأغنياء وطبقة الفقراء، جميعهم تأثروا بالقرارات الاقتصادية، قد يكون تأثر الطبقة المتوسطة أقوى، لكنها مازالت موجودة ومتماسكة ولن تتحلل».
ما حجم الطبقة المتوسطة فى المجتمع المصرى؟
- أنا أقدرها بـ40% من المجتمع، وقد يعتبر البعض هذه النسبة كبيرة، لكنى مؤمن بها، لأن تعريف الطبقة المتوسطة يتوقف على عنصرين، أولا رغبة الشخص نفسه فى أن يعتبر نفسه طبقة متوسطة مهما واجه من متاعب، والعنصر الثانى هو تعريف الأخرين لك على أنك طبقة متوسطة وفقا لمظهرك أو طريقة كلامك لو كنت تعانى من مشاكل مادية، إضافة إلى أن النزعة الاستهلاكية للأفراد لم تتغير وظلت كما هى وقد تكون تزايدت، وهذه هى الخطورة الحقيقية.
ماذا تعنى بخطورة النزعة الاستهلاكية وكيف نقلل هذه النزعة للمصريين؟
- للأسف، لم يعد ذلك ممكنا، خاصة أن المجتمع الاستهلاكى أصبح ظاهرة عالمية، والخطورة أن ذلك يحدث فى نفس الوقت الذى تتراجع فيها النزعة الأخلاقية، وأصبح حتى أبسط المواطنين يتحدث فى الماديات ونظريات الاقتصاد ومعدلات التنمية والمشروعات وزيادة الدخل، أكثر مما يتحدث عن الثقافة والتعليم والتربية، وأصبح اهتمامه بالترقى الاجتماعى المادى أولوية على حساب الاهتمام بالقيمة والتربية.
وهل يعد اهتمام المواطن بزيادة دخله ومشاركته فى المناقشات الاقتصادية شيئا سيئا؟
- نعم للأسف، وهذا دليل انحطاط، لأن الاهتمام المبالغ فيه بالسلع والاستهلاك ونظريات الاقتصاد وزيادة الدخل، أقل نبلا بكثير من الاهتمام بتربية الأبناء وبناء قيمهم وأخلاقهم، كما أنى أرفض أن يظل المواطن يقارن بين دخله ودخل غيره، ويقارن بين استهلاكه واستهلاك الآخرين.
لكن هذه ليست سمة الفقراء فقط.. حتى المسؤولون الكبار يشكون من ضعف الرواتب، بل إن كثيرين يرفضون المناصب بسبب الحد الأقصى للأجور..
- أولا مصر مليئة بالكوادر الجيدة التى تغطى كل المناصب، ثانيا المستغنى عن المنصب الحكومى وشايف إن راتبه قليل بلاش منه خالص وهنلاقى 10 غيره.
هل ترى فعلا أن رواتب الوزراء مناسبة لجهدهم ومناصبهم؟
- طبعا الرواتب قليلة بالمقارنة بالشركات الكبرى، لكن هؤلاء لابد أن يدركوا أن العائد من الوظيفة العامة ليس ماديا فقط، وأنه يقوم بدور فى خدمة الوطن، والمكسب ليس فى راتبه فقط.
هل عرض عليك مناصب من قبل؟
- «أنا أصلا راجل مش بتاع مناصب، لأن الكاتب والمفكر بيعمل قلق فى المناصب، أنا أتذكر حتى بعد ثورة يناير لما الشباب افتكروا إنى شخصية مهمة وإنه سيتم تكليفى بأحد المناصب، ووقتها أتوا إلى هنا فى بيتى وجلسوا معى وظلوا يسألوننى عن آرائى ومواقفى من الثورة وما هى خطتى فى المنصب، ففضلت أضحك وقلتلهم أنا مش بتاع مناصب، وأن المعلومات التى وصلت إليكم غير صحيحة».
فى سياق حديثك، تحدثت عن السادات وعبدالناصر وغيرهما بهدوء.. ألم يصبك فيروس الهجوم على الرموز التاريخية السائدة هذه الأيام؟
- «لا طبعا لم يصبنى ذلك الفيروس، والحقيقة أن كل هذا الهجوم ليس إلا شخصنة ومواقف ذاتية لأصحابها، وأنا بحمد ربنا أنى لا أتابع البرامج التليفزيونية بحماس، ثم إن يوسف زيدان له شطحات، وعمرو موسى أو فريدة الشوباشى أصحاب مواقف سياسية من الأسماء التى هاجموها، وهذا دليل أن آراءهم ليست حقيقية».
لكن هؤلاء مثقفون ولهم أراؤهم التى قد تكون ليست شخصية كما تقول..
- «مبقاش فيه مثقفين ولا ثقافة من الأساس، مين الأسماء اللامعة الآن فى الثقافة، لو دورت مش هتلاقى».
كتبت مقالا منذ فترة بعنوان «ما الذى يجب أن نجدده».. هل لديك إجابة؟
- نعم لدى إجابة، ما يجب أن نجدده ليس الخطاب الدينى، بل هو الواقع، لو تغير الواقع فسيتغير الفكر، وساعتها لن تجد تطرفا أو تكفيرا أو حتى إخوان.
بما أنك ذكرت الإخوان.. البعض يرى أن حركة التاريخ تفرض المصالحة على الجميع.. هل تدعم ذلك؟
- «تصالح إزاى؟ مبقاش فيه حاجة اسمها مصالحة، لأن الفجوة كبيرة بين الدولة والشعب وبينهم، ثم إن المطلوب مين اللى يتنازل، صعب التنازل يكون من طرف الدولة، أنا لا أرى أفقا لهذه المصالحة».
وهل سينتهى الإرهاب من دون مصالحة مع الإخوان؟
- الإرهاب بالأساس دعم مالى سياسى من دول أخرى، واختراع اخترعته تلك الدول، لأنها تريد أن تستمر فى تخويف العالم، فلو انتهى ذلك الدعم فسينتهى الإرهاب، دون حاجة لمصالحة أو غيره.
إذا كنت تقصد أن قطر من بين تلك الدول.. فكيف ترى مصير تلك الإمارة؟
- بالتأكيد قطر تعبر عن مصالح ليست عربية، وأعتقد أن أزمتها مع مصر والخليج ستنتهى قريبا، لأن الوضع الحالى لا يمكن أن يستمر بهذه الصورة.
أخيرا.. ماهو الشىء الذى يخيفك على مصر.. وما الشىء الذى يدفعك بالأمل؟
- «الأثنين إجابة واحدة، فأنا أخاف على مصر من المواطن الفقير الذى لا يملك أملا فى غده، وأحصل على الأمل من نفس المواطن الذى يملك طاقة هائلة من الصبر والرضا والتوكل على الله».