ظهرت نتيجة امتحانات السنة النهائية بكلية الحقوق فى «طولوز» بفرنسا للطالب مصطفى كامل يوم 18 نوفمبر عام 1894، ووفقا لفتحى رضوان فى كتابه «مصطفى كامل» عن «دار المعارف - القاهرة»: «كتب إلى شقيقه فى القاهرة رسالة يقول فيها: اليوم أحمد الله حمدا كبيرا، وأشكره شكرا جزيلا أن فك قيد أسرى، ومنذ إطلاقى فى ميدان الحرية، فقد أصبحت حاملا شهادة الحقوق، وعولت بمشيئة الله على الانتظام فى سلك رجال المحاماة لأدافع عن حقوق الأفراد، وأرجو أن أبلغ ما أتمنى لأكون المدافع عن حقوق الأمة بأسرها أمام العالم أجمع».
كان يوم نجاحه هو بتعبير رضوان: «انتهاء صفحة هذا التلميذ القلق، لتبدأ صفحة السياسى المثير لحب أنصاره وقلق أعدائه»، وكانت عودته إلى مصر يوم 6 ديسمبر «مثل هذا اليوم» عام 1894 حسبما يؤكد أحمد شفيق باشا فى مذكراته عن «الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة»، مضيفا: «كان يومئذ فى سن العشرين، فقربه الخديو عباس حلمى الثانى إليه وساعده بالنفوذ والمال، وتعاهد سرا على أن يعملا لخلاص البلاد من الاحتلال، فكانا يجتمعان بمسجد الشيخ التبريزى بزمام سراى القبة»، ويتذكر «عباس الثانى» لحظة لقائهما قائلا فى مذكراته «عهدى» عن «دار الشروق - القاهرة»: «شاءت العناية التى تسهر على الشعوب كما تسهر على الرجال، أن ترسل لمصر بادر البدور المنتظر: مصطفى كامل، فهو الذى بدأ فى نشر الفكرة الوطنية فى شباب الدارسين المصريين فى أوروبا، عند عودته من فرنسا أحدث تغييرا أو تحديثا ملموسين، كان شابا يحمل رشاقة الشباب بما فى ذلك الخيالات المقدسة، وفى المفاضلة بين الحياة المادية والحياة الروحية، كان قد اختار الثانية».
استقبل «على بك فهمى كامل» شقيقه مصطفى فى الإسكندرية عند رجوعه، حسب تأكيد عبد الرحمن الرافعى فى كتابه «مصطفى كامل - باعث الحركة الوطنية» عن «دار المعارف - القاهرة»، مضيفا: «وجد معه ضمن متاعه صندوقين كبيرين مملوءين بالكتب القديمة والحديثة فى تاريخ المسألة المصرية وسياسة الأمم، وفيها مذكرات بعضها لكبار السياسيين وبعضها من مكتبة باريس، وبعضها من وزارة الخارجية الفرنسية، وبعد أن استقر به المقام فى القاهرة وانتقل إلى منزل استأجرته العائلة خلف قسم المنشية «بعمارة خليل أغا»، كان لا يفتأ يدرس الكتب والمذكرات التى أحضرها معه، وأكب على هذه الكتب يدرسها ووضع لنفسه برنامجا للعمل سار عليه».
فى صفحة «التلمذة» التى ودعها مصطفى كامل، سنجد تلميذا بدأت نشأته الوطنية سنة 1890 وهو طالب فى المدرسة الثانوية، وفقا لتأكيد الرافعى، موضحا: «أسس أول ما أسس «جمعية الصليبة الأدبية»، وتعلقت نفسه من ذلك الحين بالخطابة والكتابة الأدبية، فكان يقف فى الجمعية خطيبا فى مساء كل جمعة مرتجلا ما تملى عليه البديهة، وكان يسترعى الأنظار، ويملك الأسماع بمواهبه الخطابية، ودخل مدرسة الحقوق الخديوية فى أكتوبر سنة1891، وهو فى السابعة عشرة من عمره، وكان قلبه يتقد وطنية وإخلاصا لمصر، فلم يستطع أن يصبر حتى ينال شهادة الليسانس لكى يبدأ الجهاد، بل بدأ جهاده وهو فى مهد التعليم فى المدرسة الثانوية، ثم فى مدرسة الحقوق، وفى نوفمبر 1882 زار الخديو عباس الثانى المدرسة، فكان من الطلبة النجباء الذين رحبوا به، وأعجب به الخديو».
أما صفحة «السياسى المثير»، ففيها كما يقول الرافعى: «قيد اسمه فى جدول المحامين، لكنه لم يترافع فى قضية لفرد قط، ولم يحترف المحاماة أمام المحاكم بل شغلته رسالته القومية عنها»، وفى هذه الصفحة أيضا، مرحلة تعاونه مع الخديو «عباس الثانى»، ثم الخلاف الذى أدى إلى الفراق بينهما، وفى مرحلة التعاون يذكر شفيق باشا: «لما كان الخديو فى حاجة للاستعانة على الإنجليز بالقوة الوطنية، اتفق مع مصطفى كامل على تشكيل لجنة سرية مع بعض الشباب الممتازين بالوطنية ممن تلقوا التعليم العالى فى مصر والخارج، وقررت هذه اللجنة القيام بالدفاع عن مصالح مصر ضد الغاصبين بالكتابة فى الصحف الفرنسية فى مصر وباريس بأسماء مستعارة، وكذلك بالخطب التى كان يلقيها مصطفى كامل فى مصر وأوربا».
ظلت علاقة التعاون بين مصطفى كامل والخديو عباس الثانى، حتى قطعها مصطفى علنا يوم 24 أكتوبر عام 1904 حسب تأكيد فتحى رضوان، ففى هذا اليوم كتب رسالة إلى الخديو قال فيها: «الحالة السياسية الحاضرة تقضى على أن أكون بعيد عن فخامتكم، وأن أتحمل وحدى مسؤولية الخطة التى أتبعها نحو الاحتلال، منعا لتكدير خاطركم الشريف ودفعا لما عساه يقع من الخلاف والنزاع».