واصلت المحكمة العسكرية جلساتها للحكم على باقى قادة الثورة العرابية، بعد أن حكمت ضد أحمد عرابى يوم 3 ديسمبر 1882 بالنفى، وتوزعت محاكمة الباقين على يومى 7 و10 ديسمبر، و«كانت محاكمة عرابى حرفا حرفا» حسب تأكيد «داود بركات» فى كتابه «الثورة العرابية بعد خمسين عاما- رؤية صحيفة الأهرام 1931-1932» عن «دار الكتب والوثائق القومية–القاهرة».
فى يوم الخميس 7 ديسمبر 1882 ووفقا لـ«سليم خليل النقاش» فى الجزء السادس من كتابه «مصر للمصريين» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب–القاهرة»: «التأمت المحكمة للنظر فيما ثبت على كل من طلبة عصمت وعبدالعال حلمى ومحمود سامى البارودى وعلى فهمى ما أسند إليهم، وفيما يستحقونه من الجزاء، فاتضح لديها ما يستوجب الحكم عليهم بالقتل أيضا، فأصدرت به حكمها عليهم، وفى يوم الأحد 10 ديسمبر التأمت المحكمة للنظر فيما ثبت على كل من محمود فهمى ويعقوب سامى، وقضت بإعدامهما»، وتم تبديل أحكام القتل إلى «النفى للأبد من الأقطار المصرية وملحقاتها، وينفذ قتلهم إذا رجعوا».
حسب محامى المتهمين الإنجليزى «برودلى» فى مذكراته «كيف دافعنا عن عرابى وصحبه؟” ترجمة: عبدالحميد سالم، عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة»: «بعد الانتهاء من نظر قضايا «محمود فهمى» و«يعقوب سامى»، صار أمرا ضروريا الآن بالنسبة للسبعة بأن ينتشروا بدون تحفظ فى الغرف التى تضمهم، وكان أمرا مرغوبا فيه بصورة واضحة بأن يسمح لهم بأن يناقشوا فى حرية مختلفة الترتيبات لرحلتهم المرتقبة»، يؤكد «برودلى»: «كنا فى حيرة شديدة من الزيارات التى لا تنقطع، التى كنا نتلقاها من الوكلاء والخدم والأغاوات سعيا وراء معلومة بالنسبة لخطط سادتهم، وقرر إسماعيل أيوب، ناظر الداخلية، أنه عندما ينقل النزلاء إلى الأماكن الجديدة يجب ألا تمنع أسرهم بعد اليوم من الدخول إليهم، كان موكلونا فى غاية الامتنان لهذا الأسلوب الذى عوملوا به».
بهذه الحالة وحسب «بركات»: «بعد صدور الأحكام على كبار الثوار جمعوا فى معتقل واحد يوم 13 ديسمبر «مثل هذا اليوم» 1882، وانصرفت العناية إلى إعداد معدات سفرهم إلى جزيرة سيلان»، وبعد ساعات من وصولهم إلى المعتقل وتحديدًا فى اليوم التالى «14 ديسمبر» تلقوا ضربة موجعة، حيث قرر مجلس النظار الاستيلاء على أملاكهم، وحسب عرابى فى مذكراته «دار الكتب والوثائق القومية- القاهرة»، تم منع تملكهم أى تملك من أى نوع كان فى الأقطار المصرية بطريق الإرث أو الهبة أو البيع أو بأية طريقة كانت، وسيرتب لهم سنويا راتب نقدى بقدر الضرورى لمعيشتهم، ويصير بيع أملاكهم منقولة كانت أو غير منقولة وما ينتج من هذا البيع بعد التصفية يخصص لسداد التعويضات لمن أصيبوا بالحوادث الثورية»، والتحريم على المحاكم الشرعية أن تسمع أو تحكم فيما رفع أو يرفع إليها من الدعاوى فى شأن تلك الأملاك».
كان الانتقال إلى المعتقل يوم 13 ديسمبر، مصحوبًا بالاستقرار على جزيرة «سيلان» كمكان للمنفى، وحمل اختيار هذا المكان مفارقات مدهشة ترويها الدكتورة لطيفة سالم فى كتابها «عرابى ورفاقه فى جنة آدم» عن «دار الشروق- القاهرة»: «فى بداية الأمر تردد اسم جزر «أدامان»، وتقع فى خليج البنغال بالهند، واقترح «برودلى» جزر أزوس وتقع فى المحيط الأطلنطى غرب إسبانيا، وعرض جزر فيجى فى المحيط الهادى شمال أستراليا، ورغب عرابى أن يعيش حرا مع أولاده بعيدًا عن الحياة السياسية، وفى حالة رفض السلطان، يفضل الإقامة فى لندن، كما ردد اسم مدينة الكاب فى جنوب أفريقيا، وجبل طارق أو جزيرة «جيرنزى» وتقع فى بحر المانش».
تؤكد «سالم» أنه تم استبعاد رغبة الحكومة المصرية فى تقسيم المنفيين بوضع أربعة منهم فى «سيلان» وثلاثة فى هونج كونج، واستقر أمر اختيار المسؤولين البريطانيين على جزيرة «سيلان»، إذ جمعت المواصفات المطلوبة»، وينقل «برودلى» رد فعل عرابى حين أبلغه بمكان منفاه: «ابتسم فى هدوء لأننى لم أره يضحك أبدا، وقال: هذا شرف عظيم لنا وفخر عظيم، فإن خصومى لم يكفهم أنهم أمروا بنفيى، فزادوا على ذلك أنهم سينفوننى إلى جنة آدم، ألم تسمع أنه عندما طرد أبوانا الأولان فى سهول بلاد بين النهرين بعد طردهما من الجنة، ذهب أبونا آدم إلى جزيرة سيلان فسميت باسم «جنة آدم»، بينما أمنا حواء وصلت الحجاز، ومن يومها عرفت باسم جنة حواء؟ لا يمكن أن يكون هناك أعدل من هذا، لقد طردت من مصر «بستان الدنيا» لأذهب إلى سيلان «جنة آدم»، إننى أحييها على اعتبار أنها فأل سعيد».